لو انك صفحت عن خربشات على الحيطان.. لو انك نقلت عاطف نجيب!؟
اساس المشكلة يكمن في علاقة الانظمة الديكتاتورية بشعوبها، هذه العلاقة التي غالبا ما تؤدي الى تدمير الدولة وتفتتها، إلا في حالات نادرة ترتبط بحظوظ ان يأتي ديكتاتور استثنائي يمتلك من الحس بالمسؤولية وتفضيل الغير على نفسه.. وهي تبقى حالات نادرة في التاريخ..
ولكن عموما الحكم الديكتاتوري هو اغتصاب للسلطة، السلطة التي يجب ان تمثل ارادة الشعب، وعندما تغتصب هذا الحق تصبح في عداء مع الشعب.. فاذا كان الديكتاتور سيئاً يفضل مصلحته ومصالح عائلته والحلقات الضيقة به على الصالح العام، يزداد العداء بينه وبين الشعب لانه بالاضافة الى اغتصابه للسلطة فهو يستأثر بكل المنافع والثروة..
لمشاهدة التقرير على اليوتيوب ... اضغط هنا
ويبدأ الحاكم بسد كل المنافذ التي يمكن ان يصل الشعب من خلالها الى قلب الحكم عليه، فيسيطر على السلطات ويكمم الافواه ويعمل بشكل دائم على اضعاف الشعب، لان الشعب ببساطة هو العدو الاول له والخطر الاكبر الذي يهدد خسارته للحكم..
عندما بدأت الاحتجاجات في دمشق ودرعا، كانت المطالب بسيطة، لم تصل مطلقا حتى الى رأس النظام، كانت تطالب باصلاحات وبتغيير قادة أمنيين اساؤوا بحسب القصة المعروفة لكرامة اهالي درعا..
كان كل ما في الامر ان يصدر الرئيس امرا بنقل "عاطف نجيب" رئيس فرع الامن السياسي في درعا الى مكان اخر.. ان يجبره على العودة عن افعاله وان يطلق سراح الاطفال المحتجزين..
لم يحتمل النظام فكرة ان يكتب اطفال عبارات مناهضة له في ظرف كانت المنطقة كلها تشتعل بالثورات الشعبية.. خط احمر شديد القتامة ان تطال مقام الرئيس..
أُذكّر بهذه القصة دائما لانها مرت معي شخصيا، اعتقلت لمدة شهر لاني كتبت على "زفت" بيت الرئيس.. قلت وصلت الامور الى حد حتى هذا الزفت سيسرقونه الفاسدين..
اليوم بعد عشرة سنوات ماذا حصل..
هل حافظ النظام على هيبته.. هل منع الناس من توجيه اهانات الى رأس النظام..
الحقيقة.. لم يتلق رئيس في تاريخ البشرية من النقد والشتم والاهانة مثلما حدث للرئيس عندنا.. منذ عشر سنوات لا يتوقف سيل الاهانات والسباب والشتائم من ملايين السوريين.. ولكن النظام مازال موجودا ويحكم ما تبقى من سوريا.. كيف؟
الخوف الكبير الى درجة الفزع من الشعب دفع النظام عندما اعتقد بان عرش الحكم مزعزع ان يبحث عن قوى اضافية تسند هذا العرش وتدعمه.. وبطبيعة الحال هو قضى على كل القوى في الداخل عبر عقود حكمه.. لم يترك حزبا ولا تيارات ولا اي كيانات لها قاعدة شعبية يمكن التفاهم مع قيادتها وتجنب الانفجار..
فكان الطريق الوحيد الاستنجاد بقوى خارجية لتساعده على الاستمرار لترجح كفته في معركته مع الشعب من جديد..
وهذا ما حصل.. دخلت ايران وروسيا واميركا وتركيا بشكل مباشر وغيرها من القوى بشكل غير مباشر.. كان الهدف اسناد العرش المهتز جراء المطالبة بان يعود لاصحابه..
وهنا دخلنا في دائرة جهنمية، اكتشفت القوى التي تدخلت لحماية العرش، بانه كلما تم اضعاف الاسد كلما حصلت هذه القوى على منافع اكبر لانه سيكون بحاجة اليهم اكثر وسيدفع لهم اكثر بعد ان يكتشف ان سحب ايديهم من المعركة يعني خسارة محتومة له..
وبدأ النظام بالضعف وتحولت افعال المساعدة المزعومة الى دين ثقيل يتعامل اصحابه مع النظام بغلظة وفوقية ووقاحة..
المشكلة ان النظام اليوم اصبح اسير هذه القوى.. واصبح استمراره ضرورة لهم اكثر مما هو ضرورة للنظام نفسه.. واصبح لازما عليه ان يمضي في اتجاهات تخدم.. هذه القوى.. لا تخدم الشعب ولا تخدمه هو شخصيا..
تحولت البلد الى مساحة شد ممزقة بين الدول والقوى.. الكل يريد ان يتحصل على اكبر قدر ممكن من المكاسب.. لتسديد الديون وضمان تحصيل الارباح في المستقبل، فرهن الارض والشعب والثروات والقرار والسيادة وكل شيء من اجل البقاء على الكرسي..
كرسي بدون عرش.. وبدون سلطة..
يكفي ان نتصفح صفحة رئاسة الجمهورية لنتعرف على نشاطات الرئيس في سنة مضت.. سنرى بان الرئيس تحول الى ملك حبيس بدون ملك.. فقد كل شيء كما فقدنا نحن كل شيء..
فقط لو انه كان قام بنقل عاطف نجيب..
نضال معلوف