"الملك الشمس".. "أنا الدولة والدولة أنا".. ماذا تعرف عن لويس الرابع عشر؟
في 14 أيار عام 1643 أصبح لويس الرابع عشر، الذي لم يكمل الخامسة من عمره، ملك فرنسا ليحكم البلاد 72 عاما والذي لقب بـ "الملك الشمس".
ولد لويس الرابع عشر عام 1638، والده هو لويس الثالث عشر الملك الذي ظل لثلاث وعشرين عام بدون أطفال، لذا سمي عند التعميد لويس-ديودوني، والتي تعني "هدية الإله"، وأصبح ملكا في عمر الخمس سنوات فقط بعد وفاة والده، إلا أنه لم يكن يملك السيطرة الفعلية على الحكم حتى توفي رئيس الوزراء الكاردينال مازاران في 1661 ليبدأ حكم لويس الرابع عشر الذي امتد حكمه لـ 72 عام وثلاثة أشهر حتى توفي وهي أطول فترة معروفة من الحكم بين الملوك الأوروبيين.
بعد موت والده، تكفل الوزير الأول مازاران ووالدته النمساوية الملكة آن بتربيته، فأحسنا تعليمه وزوداه بشتى أنواع المعارف، وفي طفولته شهد كثيراً من الأحداث منها هروبه إلى سان جرمان قبل أن يتجاوز العاشرة.
في الفترة الأولى من حكمه، قامت الملكة والكاردينال مازاران بتقوية النظام الملكي من خلال سياسات أغضبت النبلاء وأعضاء الطبقة الأرستقراطية، وفي نظر البعض، كانت هذه من الأسباب التي أدت لاشتعال الحرب الأهلية المعروفة باسم "الفروند" في عام 1648، والتي امتدت في فترة الحرب الإسبانية الفرنسية، وقد تمكن مازاران بدهائه وحنكته، بالإضافة للقوة التي استخدمها من قمع الثورة بعد 5 سنوات من التمرد، والتفاوض للوصول إلى معاهدة سلامٍ مع اسبانيا، مما جعل فرنسا القوة الأوروبية الكبرى.
وقد ساهمت حرب "الفروند" بشكل كبير بتشكيل نظرة لويس لحياته المستقبلية، كونها أولى تجاربه، وجعلت منه شخصاً غير قادر على التغلب على مخاوفه المتعلقة بالتمرد بعد هذه التجربة المريرة، حتى اعتبره البعض مصاباً بجنوب العظمة.
بعد وفاة مازاران عام 1661، قام الملك لويس الرابع عشر بمخالفة التقاليد الممتدة لعقود وصرح عن رغبته بحكم فرنسا دون الحاجة لوجود رئيس وزراء فقد كان يعتقد انه الممثل المباشر من قبل الرب واختار الشمس كشعار له باعتباره (ملك الشمس) الذي يدور حوله العالم بأسره ويشتهر لويس بعبارته: أنا الدولة والدولة أنا وهى عبارة تختصر تجبره واستبداده.
كان لويس الرابع عشر على قناعة تامة بأن يحكم بنفسه ولا يمكن لأحد أن يحل محله، لذلك قرر إبعاد وزيره الأول والأمراء والشخصيات العامة في القصر عن مركز القرار، وألغى كثيرا من المؤسسات الإدارية وقلص دور المسؤولين عنها، وكانت حكومته الملكية مثقلة بالديون، ولم تستطع الجهود الجبارة التي بذلها وزير ماليته في جمع الأموال بتشجيع الإنتاج والتصدير وإقامة مصانع حكومية للقيام بما هو مطلوب، لأن أحلام الملك التوسعية كانت تحتاج إلى المزيد من الأموال من الخزينة التي لا طاقة لها بتحملها، إذ إن الحروب والإنفاق على مظاهر الترف أدّيا إلى ابتلاع كل ما كان يدخل الخزينة من أموال.
خاض لويس الرابع عشر حروباً كثيرة كان أولها حرب الوراثة في الأراضي المنخفضة عام 1667 بعد موت ملك إسبانيا فيليب الرابع، ومطالبة لويس الرابع عشر بحق زوجته ابنة الملك فيليب بوراثة الأراضي المنخفضة، فشن الحرب على إسبانيا واستولى على حصون إسبانيا وقلاعها وتحت الضغط الذي مارسته كل من إنكلترا، السويد، وهولندا، قام بالانسحاب منها، ولم يحصل إلا على بعض المدن الحدودية فقط وهذه النتيجة غير المُرضية لغرور الملك أفضت إلى الحرب الفرنسية الهولندية عام 1672 والتي استمرت لـ 7 سنوات اذ حاول غزو هولندا، واستمالة السويد لصفة، لكن حذر الدول الأوربية من خطر التوسع الفرنسي جعل لويس الرابع عشر يضطر إلى عقد معاهدة "نيميغ".
ثالث حروبه كانت حرب البلاطينات في الأراضي المنخفضة مدعياً حق وراثة عرش ولاية البلاطينات لمصلحة زوجة أخيه المتوفى "دوق أورليان" لكونها أخت "شارل" أمير البلاطينات الذي لا وريث له غيرها، فهاجم ولاية البلاطينات عام 1689، وامتدت الحرب لتشمل أوروبا إلى أن هزمه الإنكليز في معركة "لاهوغ ، وانتهت بتوقيع معاهدة "روزيك".
بعدها بعامين فقط دخل لويس الرابع عشر حربا جديدة كانت حرب الوراثة الإسبانية بعد وفاة شارل الثاني. فطالب لويس الرابع عشر بوراثة العرش لولي عهده من "ماري تيريز" ابنة ملك إسبانيا، إلا أن إحساس إنكلترا وهولندا بخطر ذلك دفعهما إلى تشكيل التحالف الأعظم وشن الحرب ضد القوات الفرنسية التي انتهت بتوقيع اتفاقية "اوترخت" في نيسان 1713 والتي وضعت حداً لحروبه من دون أن يحقق أطماعه التوسعية
خلال فترة حكمه قام لويس ببدء عصر ذهبي للفنون والآداب، وقام بنقل الأكاديمية الفرنسية لتصبح تحت رعايته. كما سمح للأدب الكلاسيكي الفرنسي بالازدهار من خلال حماية عددٍ من الكتاب مثل موليير، راسين، وفونتاين، والذين لا تزال أعمالهم تحظى بسمعةٍ عالميةٍ إلى يومنا هذا، فقربهم إليه، وجعلهم من حاشيته.
شيد لويس الرابع عشر قصر فيرساي، أشهر بناءٍ في الفن الكلاسيكي الفرنسي، ومن أشهر القصور الفرنسية التي تشهد على روعة العمارة الفرنسية وعراقتها.
تابعونا عبر حساباتنا على شبكات التواصل : تيليغرام ، فيسبوك ، تويتر.
اشتهر الملك لويس الرابع عشر بحب النساء، حيث تزوج البالغ من العمر 22 سنة ابنة عمه الأولى ماري تيريز، ابنة ملك اسبانيا فيليب الرابع، ونتج عن الزواج ستة أولاد، ولم يصل سوى ولد واحد منهم لفترة الشباب. وتزوج مرة ثانية من فرانسواز، أرملة شاعر يدعى بول سارون. وقد كان الزواج سرياً. وقد حظي لويس الرابع عشر أيضاً بعدة علاقات غرامية أخرى.. وكانت أول عشيقة له هي ماري مانسيني، ابنة أخ الكاردينال مازاران. ولم يكن انجاب الأولاد حكراً على الزوجات وحسب، وإنما أنجب لويس الرابع عشر عدداً كبيراً من أولاده من عشيقاته، مثل لوسي دو لا فالاري عشيقته التي أنجب منها أربعة أطفال. أما ثالث معشوقة للويس فكانت أثينيس دو مونستيبان والتي أنجب منها سبعة أولاد.
توفي لويس الرابع عشر قبل أربعة أيامٍ من عيد ميلاده السابع والسبعين، في الأول من أيلول عام 1715، نتيجة للغرغرينا التي اصابته اذ كان يعانى من مرض يسبب له آلاما مبرحة فى ساقه اليسرى وقد خلفه في الحكم حفيده البالغ من العمر 5 سنوات، لويس الخامس عشر. فكل ورثته المتوسطين توفّوا قبله.
سيريانيوز