القصة الكاملة .. كيف قتل سكانٌ يهود الراهب توما الكبوشي وصنعوا من دمه فطير العيد ..

مازالت الذاكرة الشعبية في دمشق تحتفظ بقصة غريبة ومرعبة عن "فطير" يخبزه اليهود في عيد فصحهم ممزوجاً بدم مسيحي أو مسلم بعد قتله وتصفية دمه.  

مازالت الذاكرة الشعبية في دمشق تحتفظ بقصة غريبة ومرعبة عن "فطير" يخبزه اليهود في عيد فصحهم ممزوجاً بدم مسيحي أو مسلم بعد قتله وتصفية دمه.  

ورغم ان القصة قد لايصدقها عقل بشري الا انها حقيقية وتم توثيقها من خلال الباحث اللبناني أسد رستم (1879 ـ 1965)م، في كتاب نادر موجود في مكتبة سيريانيوز ، يدعى "الأصول العربية لتاريخ سورية في عهد محمد علي باشا" في جزئه الخامس تحديداً، من منشورات الجامعة الاميركية في بيروت كلية العلوم والاداب.

نقلها الباحث عن سجلات المحكمة الشرعية بحلب وأنطاكية وحماة ودمشق في سنة 1927م، تحكي عن قصة خطف اليهود في دمشق للقسيس الفرنسي الجنسية المسمى: الأب (البادري) توما الكبوشي وخادمه الدمشقي إبراهيم عمار (أمار)، في شباط من عام 1840م، وذبحهم لهما، وإرسال دمهما إلى كبير الحاخامين ليدخلوه في خبز الفطير الذي يوزعه الحاخامون على الأسر اليهودية في عيد الفصح السنوي.

وقبل البدء بسرد قصة قتل الراهب توما الكبوشي لا بد من وقفة صغيرة حول تواجد اليهود في دمشق:

اليهود في دمشق : 

كان وجود اليهود في دمشق قديم جداً، وتذكر المصادر أن كثيراً منهم قدموا من إسبانيا بعد سقوط غرناطة 1492م، حيث استقبلتهم السلطنة العثمانية، وكانت الشام إحدى وجهاتهم، لكن كان هناك يهود قبل هؤلاء، موجودون في دمشق منذ مئات السنين. كما تشير المصادر أن عددهم تجاوز 30 ألفاً في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.

توطن يهود دمشق بدايةً في شارع البدوي في حي الشاغور، ومع بداية القرن العشرين كاد أن ينحصر وجود اليهود في محلة الخراب "حارة اليهود" التي كانت تدعى "ثلاج" شرقي المدينة القديمة، في أكبر تجمع لهم، في محلة تنقسم إلى أزقة ودخلات غير نافذة، وفي كل دخلة كنيس، (قيل إن هناك 22 كنيساً في هذه المنطقة، لم يبق منها غير ثلاثة).

وفي عام 1937م تبدل اسمها ليصبح "حي الأمين" تكريماً للسيد محسن الأمين (1865 ـ 1952م) العالم الشيعي الذي استوطن دمشق وتوفي فيها، وقبره اليوم في السيدة زينب بريف دمشق.

وتواجد يهود دمشق في  أحياء أخرى غير محلة الخراب، مثل حي السامرة الكائن فوق العنابة بالقرب من برج الروس حالياً ويقع ضمن السور من الناحية الشمالية، وحارة القرائين في محلة الزيتون قرب السور القديم في الناحية الشرقية الجنوبية من المدينة. ثم حل محلهم المسيحيون الكاثوليك بعد 1832 م، حيث تقوم بطركية الروم الكاثوليك اليوم.

كما تشير المصادر التاريخية إلى  وجود كنيس يهودي قديم جداً في منطقة جوبر في ريف دمشق.

أما اليوم فلا يوجد في دمشق إلا عدد قليل جداً من اليهود، ففي بداية تسعينيات القرن الماضي، ومع موسم تجديد البيعة لحافظ الأسد، استغل حاخام دمشق الأكبر إبراهيم حمرا الفرصة حينها، وطلب من الأسد السماح لمن يريد من اليهود بمغادرة سورية، وهذا ما حدث عام 1993، إذ خرج من سورية وبشكل جماعي ما يقارب 2500 يهودي من نحو 4000، كانوا يتوزعون على بقية المناطق السورية، كحلب والقامشلي واللاذقية. وقد توجه معظمهم إلى أمريكا الشمالية، وتوجه بعضهم إلى إسرائيل.

حاول نحو 200 شخص العودة لسورية فيما بعد ولم يفلحوا، وبقي اليوم ما يقارب 50 شخصاً في كل دمشق، ممن رفضوا الذهاب، بينهم الكثير من المسنين، الذين لا يستطيعون الحراك خارج بيوتهم.

 

نعود لمادة اليوم لنعرف بالراهب الضحية موضوع القصة وهو توما الكبوشي.

من هو الاب توما الكبوشي ؟

هو راهب كبوشي من مواليد عام 1780م في سردينيا بإيطاليا، كان من رعايا فرنسا، انتمى للرهبنة الكبوشية، (وهي رهبنة كاثوليكية نشأت عام 1525 بوصفها حركة إصلاحية ضمن نطاق الرهبنة الفرنسيسكانية حيث استقلت عنها نهائياً عام 1619)، بعمر 18 سنة، وجاء إلى دمشق مطلع عام 1807 وبقي فيها إلى يوم ذبحه عام 1840م.

وكان الكبوشيون أول من قدم إلى دمشق من المرسلين، وكان ديرهم فيها بقرب دير الفرنسيسكان بمكان دار إلياس الزيات. والبادري توما الكبوشي أول من أدخل تطعيم الجدري في دمشق، حيث كان يعمل بالصيدلة بطب الأعشاب والطب الشعبي، فعالج المرضى في دمشق ومحيطها مجاناً، بغض النظر عن دين أو مذهب أي مريض، لذا أحبه جميع الدمشقيين، ومنهم اليهود، وقد انصرف تحديداً إلى تطعيم الأولاد اللقاح ضد الجدري.

ما تقوله الوثيقة عن قتل الأب توما:

سيلاحظ القارئ أن الوثيقة كتبت بلغة هجينة بين الفصحى والعامية، كما أن حضور القنصل الفرنسي للتحقيقات، كون الراهب من رعايا فرنسا، والاهتمام بالقضية من قبل الحكومة في دمشق يدل على مدى نفوذ القنصليات الأجنبية في الدولة العثمانية.

نص الوثيقة – الجزء الاول  ..

جرنال فقدْ البادري توما الكبوجي وخادمه إبراهيم أمارة المقتولين بحارة اليهود بمحروسة الشام وذلك يوم الأربعاء مساءً الواقع في 2 ذي الحجة سنة 255:

يوم الجمعة الواقع في 4 ذي الحجة سنة 255 حضر الخواجا بودين في الديوان الحكمداري وقرر أنه أول أمس في 2 ذي الحجة الواقع يوم الأربعا خرج البادري توما بعد العصر كعادته، وتوجه إلى حارة اليهود لكي يلصق ورقة على باب كنيس اليهود في تنبيه مزاد تركة ترانوبا المتوفي سابقاً، فقرب المغرب، خادمه إبراهيم حينما شاف معلمه البادري المرقوم تعوّق للمساء عن الرجوع إلى ديره، فتوجه الثاني إلى حارة اليهود يفتش على معلمه، فما رجع.

فبوقت المساء حضر إلى باب الدير الخواجا سانطي الأجزاجي في الأسبتالية بالشام، لأنه كان مستعير كتاب من عند البادري المرقوم، مراده يرجعه، فقرع الباب كثيراً فما وجد أحد يفتح له باب الدير، فرجع وأخبر عن ذلك في دير الكبير، فظنوا الرهبان بأنه حاصل له عاقة عند الضعفا، لكونه متعاطي الطب.

فثاني يوم الذي هو صباح الخميس الواقع في 6 شباط غربي سنة 1840، حضر بعض أناس من النصارى الذي عادتهم يصلوا بذلك الدير، فالذي منهم حضر على بكير وما وجد الباب مفتوح كعادته ظن بأن الوقت ما صار، والبادري نايم فرجعوا إلى بيوتهم. والذين تعوقوا عن الحضور ظنوا بأن البادري كمّل صلاته وخرج من الدير إلى شغله وسكّر الباب.

وبذلك النهار الذي هو يوم الخميس، من حيث كان رهبان الديورة في عزيمة السنيور مصاري، ومن الجملة البادري توما معزوم إلى عنده، فتوجهوا الرهبان في وقت الضهر إلى بيت الخواجه مصاري لأجل الغدا، وظنوا أن البادري توما يحضر عندهم فانتظروه إلى الغدا فما حضر، ولا تبين له خبر. فمن وقتها انشغل فكرهم عليه.

وحضروا بعد الغدا أخبروا جناب قونسلوس دولة فرانسا فيما تقرر أعلاه، ومن كون البادري المرقوم من رعاية دولة فرانسا.

فتوجه جناب القونسلوس المومى إليه إلى حارة دير البادري توما، فوجد الحارة ممتلية من جميع الطوايف، ومن فم واحد جميعهم يقولوا بأنه أمس العصر توجه البادري إلى حارة اليهود، وفقده لا بد حاصل هناك مع خادمه.

فجناب القونسلوس أنزل إنسان من بيت الجيران على السلم في وسط الدير، وفتح باب الدير فوجده مسكّر على الساقط فقط من غير غال ولا دقر.

فدخل جناب القونسلوس المومى إليه إلى المطبخ، فوجد عشا البادري وخادمه موضب مستوي على حافة الوجاق في المطبخ، فمن ذلك استبان خروج البادري توما وخادمه من الدير قد كان على نية الرجوع إلى ديره حيث عشاهم انوجد موضب. وبوقتها تحققت الشبهة بأنهم مقتولين، وقتلهم خارج الدير.

ولم يكن لأجل طمع لأن أشياء الدير انوجدت كلشي بمحله، وبالشك القوي الواقع بأن فقدهم حاصل بحارة اليهود، وذلك الشك يتضاعف ويزداد ساعة عن ساعة لسبب وجود الأشخاص والعالم الذين شاهدوا دخول البادري توما إلى حارة اليهود بعد العصر، ودخول خادمه عند الغروب يفتش عليه بالحارة المرقومة، ولا وجد ولا واحد شهد بأنه نظرهم بعدها بمحلة خارجة عن محلة اليهود.

وبالخصوص البادري توما المرقوم له نحو ثلاثة وثلاثين سنة مستوطن بالشام، وبسبب كاره الطب وتطعيم الجدري الجميع يعرفوه جيداً، فهذه الواقعة لزم اعراضها لسعادتكم حسب مرغوب جناب القونسلوس لكي يصير تدبير إظهار البادري وتحقيق أمر فقده وفقد خادمه حسب استحسان سعادتكم.

فلما تقرر ذلك للمسامع الحكمدارية من الخواجا بودينن كنسلير قونسلاته فرانسا بالشام المومى إليه، حالاً صدر الأمر بالفحص والتدقيق لإظهار هذه القضية. وأرسل قوفنكجي باشي لحارة اليهود لأجل التفتيش في المحلات المظنة وبعض بيوت اليهود.

فحصل التفتيش ولم يظهر أثر، ثم بعده حضر نفرين نصارى من ملة الروم، وهما نعمة كساب، وميخائيل قلام، وقررا بأنهما يوم الأربعاء ذاته الذي فقد فيه البادري توما، قبل الغروب بربع ساعة، كانوا مارين من حارة اليهود، وهم في أول الحارة بالقرب من طالع القبة نظروا خادم البادري مهرول مستعجلاً داخل إلى حارة اليهود، فسألوه إلى أين متوجه بهذه العجلة؟، فجاوبهم أن معلمه البادري توجه إلى حارة اليهود ولحد تلك الساعة ما حضر، فهو متوجه يفتش عليه.

فعند ذلك ترجح الظن بأن البادري وخادمه سويةً مفقودين في حارة اليهود. وحيث من التفتيش في بيوت البعض منهم ومسك من مُسك من معترينهم ما ظهر لذلك أثر، فاقتضى الفحص عن أمر الأوراق التي خرج البادري من ديره لأجل تلصيقها بمحلاتها، فتقرر أن كنيس اليهود يوم الجمعة ما نُظر عليهِ ورقة ملصوقة، وأنهُ بعد يومين أي يوم الأحد ظهر ورقة ملصوقة من الأوراق التي كان كتبها البادري المرقوم، موجودة على دكان رجل اسمه سليمان الحلاق، يهودي بجانب باب كنيس اليهود المرقوم فحصلت الشبهة على الحلاق المذكور لوجود الورقة على دكانهِ.

يتبع في الجزء الثاني ..

سيريانيوز

20.05.2016 02:40