لماذا يستلزم تأمين جرة الغاز وباقي "المتطلبات".. تدخل من "سيد المعجزات"..
لوجود اكثر من جرة غاز في بيت السوريين.. حكاية طويلة بدايتها بدأت قبل العام الف وتسعمائة وثمانين..
في بلد مثل سوريا تتبدل الاحوال.. صوت بائع الغاز "غاز.. غاز" وطرقه بمفتاح "الشق" على الجرة سلوك يمكن ان يسبب الازعاج لصائم في قيلولة في يوم صيفي من ايام رمضان..
قد يصبح بعد اشهر صوت البائع "النشاز" حنون، والمواطن يفضله على كل اغاني الحب، "جعير" مطلعه كلمة "غاز"..
فالامور تتغير والازمات مثل القدر لا يمكن التكهن متى وكيف ستهبط على رأس المواطن..
يقولون اليوم بان الموضوع يتعلق بالحصار والعقوبات وبالاحوال الجوية.. الخ.. الخ.. ويمكن بالطبع ان نصدق ذلك..
ولكن اذا وضعنا الامور في سياقها التاريخي سيتذكر ابناء جيلي باننا كنا نعيش في الثمانينيات من بين كل الازمات التي نعيشها.. ازمة "موز" ايضا..؟!
موز.. نعم موز.. والموز ينبت على الشجر.. ولا يحتاج الى تصنيع وتعبئة.. حتى القرود تأكل الموز، وهو في بعض البلدان مثل "الفجل" عندنا..
لماذا شكل الموز اذا.. عقدة لأجيال من السوريين.. لماذا كان هناك ازمة موز في سوريا؟..
لا تختلف كثيرا قصة الغاز اليوم.. عن موز امس..
هي سياسة مستمرة منذ 50 عاما تحددها المصالح الخاصة لفاسدين مرتبطين باصحاب النفوذ والسلطة، هي سياسة مبنية ربما لتصور ما ترى فيه السلطة بانه الطريقة المثلى لابقاء سيطرتها على الحكم، انها سياسة لشيطنة كل مسؤول في السلطة واثبات انو فاشل وفاسد.. ولا امل لهذا الشعب الا "بالزعيم"..
من ناحية هذه السياسة.. وللامانة.. كانت مجدية باستمرار الحاكم في حكمه، ولكنها وصلت بالمواطن الى الدرك الاسفل من الذل والهوان والعوز.. وهدمت كل اساس يمكن ان يبنى عليه مستقبل لهذا الوطن..
الحد الادنى اليوم للرواتب والاجور يبلغ نحو 20 دولار والمتوسط لا يتجاوز الـ 60 دولار.. في الشهر.. وهو مبلغ بالكاد يسد الرمق دفع السوريين الى طرق لا يعلم بها الا الله، لسد الفجوة بين الدخل وبين فاتورة المصاريف الاساسية المستحقة..
فبما بالك ان اصبحت مقومات العيش الاساسية من خبز وحليب وغاز وكهرباء ومازوت "احلام" يجب على المواطن ان يطاردها ليل نهار ليقبض على واحد منها..
وفي ظل مطاردة المواطن لجرة الغاز.. هذا المنتج البسيط المتوفر في كل بلاد الدنيا ويأتي الى منزلك باتصال هاتفي بعد 5 دقائق.. تجد هذه المشكلة.. هي مشكلة كبيرة في سوريا يعجز عن حلها المختار، ورئيس البلدية، والمحافظ والوزير ورئيس الوزراء!..
كل المسؤولين في البلد ليس لديهم لا الدراية ولا القدرة لتأمين جرة غاز للمواطن المسكين.. فتتجه المناشدات والصيحات والترجيات والهتافات والدبكات.. الى "الرئيس"الذي كما وصفه البعض في مناشداته بـ "سيد المعجزات".. لتحقيق هذا الانجاز الصغير وتسجيله على انه انتصر خطير.. انتصر فيه الزعيم للمواطن المسكين على اساطين الفشل والفساد..
في نهاية الموضوع لو فكرنا جيدا، لتمنينا ان يكون كل الموضوع عبارة عن مسرحية نشاهدها للمرة المائة.. يراد بها إلهاء المواطن بيد لتمرير.. "خيار" (مفرد خيارات) صعب باليد الاخرى..
لاننا ان صدقنا بان هذه الدولة على عظمتها في الحرب والسلم، تلك الدولة صاحبة الانجازات المعروفة في السلم، تلك الدولة التي في الحرب افشلت المؤامرات الكونية وانتصرت على التحالفات الدولية، وتملك من الحكمة والحنكة والدهاء ما لا تمتلكه دولة اخرى ولدتها امها في هذا العالم..
تلك الدولة عاجزة عن تأمين نار يطبخ مواطنيها طعام يومهم عليه، عاجزة عن تأمين الحليب لاطفالهم لكي لا يقضون جوعا بدونه.. سيكون هذا اعتراف مباشر منا باننا لا نملك لا دولة ولا "بطيخ" وان الذي يتحكم في هذه البلاد عصابة.. تبيع وتشتري في المواطن لتحقيق مصالحها الخاصة ليس الا..
وفي هذه الاجواء بين التصديق وعدم التصديق يقف المواطن في حيرة بين قطبين.. قطب "الانجازات" التي تصل بها تصريحات المسؤولين للاقمار الصناعية في الفضاء.. وقطب "التبريرات" التي تصل بها تصريحات ذات المسؤولين حتى حفر الصرف الصحي و"الخ***"..
فتخلق تيارا يدور فيه المواطن منذ سنين.. إن نظر الى السماء لن يجد فيها غير "العصافير" وإن نظر الى الارض فانه لن يجد غير فائض المجارير الذي ربما يحتاج الى "معجزة اخرى " من "المعجزات" ليستطيع المواطن حتى ان "يقضي" حاجته..
نضال معلوف