مناطق خفض التوتر هل تشكل حلا للازمة السورية ؟

دخلت تركيا الى ادلب بداية شهر تشرين الاول الجاري وفق مهمة معلنة تتركز حول انشاء نقاط مراقبة لتثبيت وقف اطلاق النار ضمن منطقة "خفض التصعيد" التي اقرت في استانة 6.

دخلت تركيا الى ادلب بداية شهر تشرين الاول الجاري وفق مهمة معلنة تتركز حول انشاء نقاط مراقبة لتثبيت وقف اطلاق النار ضمن منطقة "خفض التصعيد" التي اقرت في استانة 6.

ماذا يعني هذا الكلام ؟ ، للقارئ العادي ستبدو هذه المقدمة مثل الطلاسم ، كلمات غير واضحة المعاني لن تقدم له معلومات وافية عن اساس هذا العمل الذي بدأت بموجبه القوات التركية بالانتشار على  ارض سورية؟

يجب ان نعود الى الوراء قليلا ..

بعيد بداية الازمة السورية في العام 2011 برزت مظاهر التسلح عند بعض اطياف المعارضة بعدما تعرضت للقمع والقتل والتنكيل من قبل اجهزة النظام الامنية والعسكرية، وتحولت الاحداث بسرعة الى صراع مسلح بين المعارضة والنظام في كثير من مناطق سوريا.

واضطر النظام لسحب قواته من كثير من المناطق ليحافظ على مناطق اخرى بعد ان فقد القدرة على ابقاء سيطرته على كل الاراضي السورية.

واهم النقاط التي خسرها او انسحب منها في تلك الفترة المعابر الحدودية ، ومع غياب أي تواجد للدولة في المناطق التي انسحب منها فقد اصبحت هذه المناطق ارضية مناسبة لكل صاحب مشروع في المنطقة ، اطراف اقليمية ودولية دخلت في الصراع بشكل مباشر وغير مباشر واصبحت اكثر من 60% من الاراضي في سوريا خارج السيطرة وتعج فيها الفصائل المسلحة من كل شكل ولون.

ادلب كانت من ضمن المحافظات التي خرجت عن سيطرة النظام مبكرا وشهدت كل انواع المأسي ابتداءا من القصف بالبراميل في بداية الاحداث انتهاء بقصف الطيران الروسي الذي استمر حتى بداية الشهر الحالي.

وشهدت تواجد كل انواع الفصائل من فصائل الجيش الحر المتعددة الى جبهة النصر وصولا الى داعش ، وكل فصيل من هؤلاء له رجاله وامراءه وزعماءه واصبح اهل ادلب بين نارين ، نار القصف من السماء ونار الرصاص من الارض.

ومثل باقي المناطق هاجر من هاجر وقتل من قتل ونزح من نزح وفقدت المنطقة الاستقرار وتوقفت فيها الخدمات وتباطأت الى حد كبير عجلة الحياة.

وبعد ان رفع النظام شعار "الحل العسكري" طوال اكثر من 5 سنوات افشل خلالها أي مبادرة سياسية ، ووصلت الازمة الى مرحلة الاستعصاء واقتنعت روسيا ،الحليف الرئيسي للنظام ، بان الامور لن تحسم على الارض عسكريا ، او ان الحسم سيكون ثمنه باهظ على النظام وحلفاءه.

وهكذا  قررت روسيا ان تبادر الى طرح حل يؤدي الى وقف الصراع والمضي بحل سياسي واقعي.

 ومع فشل مفهوم "الهدنة" اكثر من مرة تطور مفهوم اخر هو دخول قوات اجنبية من دول ضامنة لمنع الاطراف من اعادة لاقتتال.

كانت اجتماعات استانة التي اسست لمفهوم جديد في سوريا يتركز حول تثبيت الامر الواقع كل منطقة بالقوى التي فيها ، وقف اطلاق النار بين هذه القوى وبين النظام.

وسميت هذه المناطق التي حدد وفق اتفاقات الدول ذات العلاقة في الصراع في سوريا بمناطق "وقف التصعيد" او "خفض التوتر".

وبحسب الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا وايران وبحضور وفدي المعارضة والنظام تم اعلان محافظة ادلب مضموما اليها جزء من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وحماة ، كمنطقة "خفض توتر".

والسؤال الان هل تشكل مناطق خفض التوتر حلا للازمة السورية؟

سنعود مرة اخرى الى ادلب

لا يمكننا الحكم كيف ستطور الامور في هذه المناطق بعد انتشار القوات الاجنبية فيها لانها تجربة حديثة لا يمكننا تقيمها بعد.

ولكن بما لدينا من معلومات الان فان الاعمال القتالية في المحافظة قد توقفت بشكل شبه نهائي مع دخول اول طلائع القوات التركية ، ولم يعد من الممكن للطيران الروسي ولا لطيران النظام ان يشن غاراته على بلدات وقرى المنطقة بوجود قوات تركية، وبضمانة روسية ايرانية.

هذا يعني نظريا ان الاوضاع الامنية ستتحسن ، وبالتالي ونتيجة لذلك ستتحسن الاوضاع الانسانية وتاليا المعيشية والاقتصادية.

على مستوى الحياة "المحلية " في تلك المناطق لا شك ان تطبيق مثل هذا الاتفاقات سيخفف بشكل كبير من معاناة السكان هناك ويساهم في تحسين اوجه معيشتهم.

والاهم انه سينهي غلو نزعة النظام الى الحل العسكري ويجبره على الدخول في اطار العملية السلمية السياسية في اطار عجزه عن القيام باي عمل عسكري بوجود القوى الضامنة.

ويمكن العودة الى منطقة اخرى بعيدة عن ادلب في الجنوب في درعا التي شهدت تراجعا ملحوظا للاعمال القتالية من خلال انتشار القوات الروسية في بعض المناطق.

لهذا يمكن ان نفهم ترحيب سكان منطقة "ادلب" بدخول القوات التركية ، لانهم يدركون بان هذا الدخول سينهي الكثير من اوجه معاناتهم.

صحيح ان دخول قوات اجنبية الى سوريا ليس بالحدث السار وبمفهوم السيادة هو فعل لا يمكن قبوله ، ولكن ماذا وقد فقدت سوريا كثيرا من عناصر سيادتها .. ودخلتها ميليشيات وعصابات من كل حدب وصوب بغت وتجبرت وقتلت واعطت مثالا اسوء من النظام ، يبقى الرمد احسن من العمى ..

تعبت الناس في سوريا من كل شيء ، واصبحت تريد أي شيء بيعث في نفسها الامل لتأمين حياة بدون موت ومعيشة بدون جوع وفاقة ..

اذا اردنا ان نتكلم عن الواقع بلسان حال الناس فان السكان في ادلب تنفسوا الصعداء بدخول طلائع القوات التركية  ، لان هذا كان الدليل الحثي الوحيد خلال ست سنوات الماضية بان ما تم الاتفاق عليه حقيقي ، وان هذه الخطوة هي اول خطوة في طريق اخر امل للوصل الى حل في سوريا ، لا يمكنهم المغامرة بافشالها ..

 

كمال أنيس

محلل سياسي
 

 

26.10.2017 12:52