وزارة العدل تُصدِر تعليمات للإعلام لا تخدم مكافحة الفساد بينما مسئولة بالدولة تعِدُ بِمكافحته.. بقلم: د.عبد الحميد سلوم
*لستُ إعلاميا، ولكن شأن الوطن والمواطن يعنيني جدا جدا، وأنا من انتسبتُ للبعث مُذ كنتُ طالبا في الصف الحادي عشر في ثانوية أبي الفداء بحماه للعام الدراسي 1968-1969، لشدّة حماسي للإنخراط بالشأن العام (وإن لم أرى في هذا الحزب من الكثيرين سوى الغدر والنفاق والانتهاز وانعدام الوفاء، بل وأحيانا الحماقة حتى الجنون (كما كان حالْ معاون وزير أقصوهُ من السلك العسكري بمرتبة صغيرة) واحيانا الخِسّة والوضاعة التي تميّزَ بها أحدهم ممن شغِل منصب سفير، وكان يهددننا ع الطالعة والنازلة باسم صاحبهِ عبد الحليم خدام الذي جاء به من خارج السلك ومن خارج حتى بني البشر..(مع كل التحية لإبن "غُصم" الذي بقي محافظا على اصالته ووفائه).
وما أزال مهتما بالشأن العام، ولهذا فسوف أقول قولي بتعليمات وزارة العدل للإعلام السوري المؤرخة في 8/5/2017 بناء على تعليمات رئاسة الوزراء.. مع الاحترام لكل الوزراء الذين أعرف بعضهم من طلابنا بالجامعة، أو من جيل طلابنا، وأتمنى لهم كل النجاح والتوفيق في مهامهم لأجل خدمة أبناء الوطن..
*هذه تعليمات خاطئة وتعكس بُعدا سلبيا جدا وكأن وزارة العدل باتت جهازا قمعيا وليس جهاز عدالة وقانون!!. وأنّ الاتجاه هو لمزيدٍ من كمِّ الأفواه والقمع والسكوت عن كل ممارسات خاطئة وعن كل تجاوزات هدّامة وعن كل تقصير، ولا تؤدي إلا لزيادة الفساد والإفساد والأخطاء والتجاوزات التي يدفع ثمنها أخيرا الوطن والمواطن..
*كمُّ الأفواه على مدى عقود والسكوت عن ممارسات المسئولين وأولادهم، بكل تنوعات مراكزهم في الدولة، والثراء غير المشروع باستغلال السُلطة، هو من أدّى إلى تراكم الأخطاء حتى أصبحت خطايا ومصائبا لا تُحتمَل ودفعت أخيرا البشر للشوارع وكان ما كان.. ولا يستطيع أحدا أن ينكر أن "الفساد" والفساد وحده وانتشاره وتراكمهِ ، ونتائجهِ وانعكاسه على كل الدولة والمجتمع، هو من كان خلف كل الغضب الذي تفجّر في سورية في آذار 2011 ، والمسألة لم تكُن مسألة مؤامرة حينها، وإنْ كانت هناك من مؤامرة فإن الفاسدين والمفسدين هُم من جاؤوا بالمؤامرة وهُم من تسبّبوا بها بممارساتهم وثرائهم وتعاملهم مع الدولة كمزارع ومكاسب وامتيازات (وهؤلاء كانوا من حيتان الدولة وقططها السمينة الذين لا ينطبق عليهم قانون ولا يجرؤ أحدا على حتى انتقادهم)!. وتعليمات وزارة العدل تعني: دعوا حليمة تعود لعادتها القديمة، مع أننا لم نرى أن حليمة تخلّتْ عن عادتها في أي وقت، ولم نرى أحدا تعلّم شيئا مما حصل في البلد!.
*كل الظروف التي مرّت بها سورية لم يتّعظ منها أحدا، وما زال هناك من يعتقد أن الترهيب والتخويف ومعاقبة الناس على حسها الوطني بنقدها للممارسات الهدّامة، أن ذلك الأسلوب هو الصح والصحيح.. لم يدركوا إطلاقا أن شدة الضغط تؤدي للانفجار، وأن هذه الأساليب ستدفع بمن لم ينفجروا أن ينفجروا في وجه الحكومة..
*المسئول الحكومي الذي لا يحتمل النقد، عليه هو أن يبتعد عن العمل بالشأن العام ويغادر منصبه.. الوطن ليس ملكا لأحد حتى يكمّ أفواه الآخرين ويمنعهم من فضح الفساد والفاسدين والمفسدين.. والدولة ليست ملكا لأحد حتى يتصرف بمؤسساتها كما يشاء بلا قواعد ولا أسس ولا معايير ويأتي بسائقه ليجعله صاحب القرار الأول بالوزارة، دون أن يحاسبه أو يحاكمه أحد.. أمثال هؤلاء هم من يجب أن يحاسَبوا في الوطن..
*الأجدى هو التأكد من كل موضوع عام يُنشر وإن كان الكلام صحيحا فيجب محاسبة الجهة المعنية وإن كان غير صحيح وينطوي على تلفيق فحينها تأخذ العدالة مجراها..
*هذه التعليمات لوزارة العدل لا يمكن تفسيرها إلا أنها نوع من الترهيبٌ وتأكيدٌ على سياسة القمع التي لا تؤدي إلا لتراكم القهر، وهذا لا يؤدي أخيرا سوى للإنفجار.. هذا ليس دور وزارة العدل بأي مكان بالعالم.. إن من يرفع الصوت في وجه الأغلاط والتقصير والفساد والتجاوزات، هو الإنسان الوطني، ومن يريد إخراس هذه الاصوات فهو لا يخدم مصلحة الوطن..
من يتحدّث عن أمراض الدولة ومؤسساتها ومسئوليها يلزم شكره وتقديره على حسِّه العالي بالمسئولية، ولا يوجد قدّيسين وملائكة ومُقدّسين حتى لا يُنتقَدون مهما علتْ مواقعهم..
الرئيس الراحل حافظ الأسد له مقولة كانوا يضعونها على رأس إحدى الصحف صبيحة كل يوم وتقول: (لا أريد لأحدٍ أن يسكت عن الخطأ ولا أن يتستر على العيوب والنواقص(، فأين هي تعليمات وزارة العدل من تلك المقولة!!.
*المطلوب من وزارة العدل خلق دولة مؤسسات يحكمها القانون والأسس والمعايير وتكافؤ الفرص والعدالة، وليس إخراس الأفواه التي ترفع الصوت كي تكون هناك دولة قانون ومعايير ومؤسسات وتكافؤ فرص ومُحاسبَة.
*إن تعليمات وزارة العدل ليست سوى ترسيخا لعقلية المزارع وثقافة الإقطاعيات وتهميش أكثر لأبناء الشعب وذلك بترهيب الأصوات التي ترتفع دفاعا عن ابناء الشعب ضد الفاسدين والمفسدين والمقصِّرين والمُستغلِّين والممارسات السيئة والهدّامة في الوطن..
*هذا فضلا عن أن هذه التعليمات تُرسِل برسالة سلبية للخارج، لا سيما المنظمات الدولية وغير الحكومية مفادها أن الحكومة السورية ماضية أكثر في كبت حرية التعبير والتستُّر على الفساد، في الوقت الذي يتجه فيه كل العالم إلى زيادة حرية التعبير باستثناء(نظام كوريا الشمالية) كان الله في عون شعبها..
**لقد سمعتُ أخيرا حديثا عن محاربة الفساد من مسئولةٍ بالدولة (وزميلةٍ سابقة بالجامعة وكنا سوية أعضاء بِلجنة طُلابية واحدة) ولكن للأسف هذا الأمر لم يعُد يقبضهُ أحدا، ولا يثقُ أحدا أن هناك من هو قادر على مكافحة الفساد الذي بات ثقافة عامة، بالمجتمع والدولة!!. في كل مرحلة ساخنة يعيدون الحديث عن مكافحة الفساد كنوعٍ من التخدير ودغدغة المشاعر..
*في النصف الثاني للسبعينيات شكّلوا لجنة لمكافحة الثراء غير المشروع ولكنها انتهتْ بلا نتائج. (لأنهم كانوا كلهم من حيتان الدولة). هذا عندما كان الفساد أقلُّ انتشارا من اليوم .. كما شكّلوا لاحقا محكمة للأمن الإقتصادي وحكمتْ في أواسط الثمانينيات على بضعة أشخاص فاسدون بالإعدام، ولكنهم لمْ يُعدموا، وخرجوا أخيرا من السجن، وها هم اليوم رجال أعمال من أثرى الأثرياء، والبداية كانت بالفساد!!.
*فأولا نحن بحاجة للاتفاق على معنى الفساد واشكال الفساد.. فهاك فساد اليد، وهناك فساد الضمير، وهناك من يجمع بين الإثنين لِجهة فساد اليد والضمير.. والأخطر أن تتم مأسسة الفساد وحتى الظُلم والتمييز بقرارات ومراسيم، وأحيانا قوانين، في ظل انعدام التوازن الداخلي بالدولة، أي عدم وجود قوى وأحزاب مُعارِضة تقف حائلا دون اتّخاذ هذا القرار أو ذاك المرسوم أو ذاك القانون.. وأعتقد أن من يتحدثون عن ضرورة وجود توازن على مستوى العالم حتى لا تستأثر قوّة لوحدها بالقرار، فعليهم أيضا أن يتحدثون عن ضرورة وجود توازن داخل بلدانهم حتى لا تبقى جهة واحدة تحتكر القرار وتصنعه على مقاساتها ومقاسات المُقرّبين والمُلتمسين.. نعم هذا ينطوي في إطار الفساد!!. وسؤالي للمتحمسين بين الفينة والأخرى لمكافحة الفساد، ما هو مفهومكم للفساد؟.
ــ أليسَ غياب القانون على الأقوياء واقتصارهِ على الضعفاء هو شكلٌ من اشكال الفساد؟.
ــ أليستْ محاباة الأهل والأقارب والأصحاب والأحباب بالدولة هو شكلٌ من اشكال الفساد؟.
ــ أليسَ احتكار المناصب وإسنادها للمدعومين والملتمسين والمقرّبين، هو شكلٌ من اشكال الفساد؟.
ــ أليسَ غياب العدالة أو تسييسها، وعدم الفصل بين السلطات، هو أحد مُسببات الفساد؟.
ــ أليستْ ثقافة المحسوبيات والدعم والواسطات والتبنِّي والشخصنات والكيد والإقصاء والتهميش، وغياب كل المعايير، هي أشكال متنوعة للفساد؟.
ــ أليسَ تغييب العمل المؤسساتي من طرف أي مسئول، وإبقاء البعض بالمناصب بلا حدود زمنية، هو شكل من اشكال الفساد؟.
ــ أليسَ إسناد وزير لبعض صلاحياته لِـ (صديقهِ) السائق الذي لا يحمل أي مؤهَل علمي، هو شكلٌ من أبشع أشكال الفساد؟.
ــ أليس السكوت عمّن انحدر سلوكه لمستوى العمالة أثناء عمله بالسفارة، رغم الأدلة الدامغة، وانعدام كل شعور بالمسئولية الوطنية والوظيفية لديه، هو أكثر من فساد؟. بل يُكرّم بمكان عمل جديد يقبض فيه ما يعادل 4 ملايين ليرة سورية كل شهر وكل أولاده خارج الوطن، يعني بعيدون ليس فقط عن الجبهات، وإنما عن الوطن كله!!. فهل تقبض عائلات خمسين شهيدا 4 ملايين ليرة بالشهر؟.
ــ أليسَ نقل البعض للخارجية بالواسطات وبشكل انتقائي من أماكن عملهم الأصلية، وبدون مسابقات وبأدنى المؤهلات، وبانعدام أية مؤهلات لغوية، وإبقائهم سفراء منذ 14 أو 17 سنة، ليجمعوا ما يعادل المليارات من الليرات السورية، وليس لواحدهم ولَدا على الجبهات، وإقصاء اصحاب الكار والمهنة واصحاب الخبرة والمؤهلات العلمية واللغوية، أليس كل ذلك أكثر من فساد حينما يكون الأساس هو الواسطة والمحسوبية؟. وما هو حُكم العدل بذلك؟.
ــ أليسَ الدّعس على المعايير المؤسساتية والأقدمية الوظيفية والتراتبية، وتقفيز الصغار على الأعلى مرتبة وخبرة في ذات المؤسسة هو تجسيدٌ لشريعة الغاب والفوضى، وتخريبٌ للمؤسسات وإضعاف للروح الوطنية عند كوادر الدولة، وأَلا يُوصفُ هذا بأكثر من فساد؟.
ــ أليستْ مخالفات الأبنية والتجاوز على الملكية العامة من طرف المدعومين (كما نرى في الشارع على بعد عشرات الأمتار من بلدية المزّة وقيادة الشرطة) هي أشكال متنوعة من الفساد؟.
ــ أليسَت مصادرة المدعومين لأماكن بالشوارع لأجل سياراتهم ووضع السلاسل حولها، هو شكل من اشكال الفساد؟. وهل حاسبهم أحدا رغم صدور قرارات تمنع ذلك؟. ما فائدة القرارات والقوانين إن بقيت حبرا على ورق، أو إن تمّ استثناء المدعومين منها؟.
ــ أليسَ استغلال السلطة للكسب المادي والثراء هو نوع من الفساد؟.
*أليس امتلاك البعض للعديد من السيارات من مال الدولة، واستعمالها للأغراض الخاصّة، هو نوعٌ من الفساد؟.
ــ أليسَ إبقاء السيارات لدى بعض المسئولين السابقين المتقاعدين، مع كل ما يعني ذلك من مصاريف، من حساب الدولة ، أليسَ هذا من أشكال الفساد؟.
ــ أليسَ المرسوم 4 للعام 2010 الذي فصّلوهُ على مقاس أحدهم من المدعومين، وفَرَزَ أبناء المؤسسة الواحدة إلى فئتين: فئة مدعومين يمنحوها بالدعم والواسطة (وليس غير ذلك) ألقاب سفراء فينفتح أمامهم المجال ليبقوا بالمناصب حتى عُمْر السبعين، وبعدَ السبعين إن كان واحدهم مدعوما زيادة، كما حال أحدهم بالوزارة، وفئة غير المدعومين الذين يصرفونهم على عُمْر الستِّين بغضِّ النظر عن خبرتهم ومؤهلاتهم العلمية واللغوية ووطنيتهم ونزاهة يدهم وإعالتهم لأبناء شهداء، وتاريخهم النضالي الذي يُشرِّف رأس الدّساسين الطائفيين الحاقدين الجبناء الآكلين للبيضة وقشرتها الذين أتخِمت حساباهم بالعملة الصعبة دون أن يكون لواحدهم ولَدا على الجبهات، أو يقدم نقطة دم للوطن، أليسَ هذا المرسوم هومأسسة رسمية للفساد، بل والعنصرية؟. ما هو حُكم العدل بذلك؟.
ــ هل المسئول البالغ من العمر 80 عاما يحقُّ له أن يصرف من يصغرونهُ بالعمر عشرون عاما، وأليسَ هذا تعبير عن ثقافة المزارِع ، وما هو حُكم العدل بذلك؟.
ــ أليسَ منح بيوت الدولة للمدعومين بأسعار التكلفة والتقسيط، هو شكل من اشكال الفساد؟.
ــ أليس إيجاد فُرص العمل لأبناء المدعومين دون غيرهم هو شكل من اشكال الفساد؟.
ــ أليس تعيين سفيرة من خارج السلك لِترث والدها في ذات المنصب والمكان، هو شكل من اشكال الفساد؟. وأليس تعيين المدعومين بالخارجية لأولادهم بنفس الوزارة كي يرثونهم مستقبلا، اليس هذا كله من أشكال الفساد؟. يعني تحويل الدولة إلى مزارع وإمارات، اليس أبشع أشكال الفساد؟.
ــ أليسَ زجُّ أبناء الفقراء في أبواز المدافِع بينما أبناء المسئولين والمدعومين، بعيدون عن كل هذه المخاطر، أليس هذا تمييزا، وألا يندرج ذلك تحت عنوان الفساد؟. هل هناك إبنا واحدا لِمن يقبضون بالعملة الصعبة ما يعادل الملايين من الليرات السورية كل شهر، هل لِأيٍّ منهم إبنا واحدا يخدم الخدمة الوطنية؟. كلهم دفعوا لأولادهم البدل النقدي حتى لا يؤدون الخدمة الوطنية، ويزايدون على الآخرين بالوطنية؟!.
*مئات الاسئلة يمكن أن تُطرح في هذا السياق، ورفعُ الشعارات لا يكفي، والحديث عن مكافحة الفساد بالمناسبات لا يكفي، والحديث عن مجالس استشارية بالوزارات لا يكفي طالما اقتراحاتها بالنهاية تخضع لموافقة الوزير المعني، وهو صاحب القرار الأول والأخير، وما يرتئيه الوزير ( أو سائقه ومستشاره)هو ما يُنفّذ وليس بالضرورة ما يقترحه المجلس الإستشاري..
*هناك مجلس استشاري بالخارجية منذ عقود (ويرأس اجتماعاته منذ سنوات إنسان محترم ومُقتدِر وأصيل ووطني ووفي ومُتحمِّس) ولكنه يقدم اقتراحات فقط،(وقد يكون بجانبه أعضاء محترمون أيضا وواعون وعاقلون)، ولكن ما الفائدة إن كان أخيرا القرار للوزير وحده، وهو من يأخذ بما يريد ويرفض ما يريد(بل هو من يُحدد صلاحيات المجلس وما يجوز له أن ينظر به).. وبالمقابل فقد كان هناك أعضاء في المجلس في كثيرٍ من الأوقات، دسّاسون تافهون ثرثريون صغار العقول والنفوس يتحيزون لأبناء رعيتهم وجغرافيتهم، ويحكم سلوكهم الكيديات والشخصنات، واستطيع تسميتهم بالأسماء منذ 35 سنة (وأحدهم إذا ترك الوزارة فقد ينهار البناء)!!.. هذا عدا عن أن أعضاء المجلس الإستشاري لا يتمُّ تعيينهم على أساس الخبرة والأقدمية وإنما على أساس الموقع الذي يشغلونه بالوزارة.. فهُم دوما: معاوني الوزير، ومدير مكتبه ومدير الإدارية ومدير الرقابة (والوزير هو من ينتقي هؤلاء لهذه المواقع على أساس رؤيته وأهوائه الخاصة وليس استنادا لمعايير الأقدمية والتراتبية)، وحينما تمّ التمديد لِمعاون وزير من "الرئاسة" دون رغبة الوزير قامَ الوزير حالا بتهميشه حتى اضطرّهُ لتقديم الاستقالة، وقد يكون بعض أعضاء المجلس من مراتب صغيرة.. أي لا يوجد منطق وموضوعية في تعيين أعضاء المجلس الإستشاري!.
*كفانا ضحكا على الّلحى واستهزاء من عقول الناس (الناس واعية ومُدرِكة لكل شيء ولا يخدعها أجمل الكلام) .. وكما يقول المثل العامي (كل هذا الزواج لا يؤدي إلى الحَملْ)...الشمولية تعني حُكما الفساد، والفساد مُنتَجا طبيعيا من مُنتجات الشمولية في أي مكان بالعالم وليس في سورية فقط.. لأن الشمولية تعني غياب القانون وتطبيقه انتقائيا وعلى الضعفاء، وصنع قوانين وأنظمة وقرارات على المقاسات(وهذه بحد ذاتها فساد)، وتعني المحاباة للأهل والأصحاب والتابعين والمُقرّبين، وتعني الشخصنات والإلتماسات والمحسوبيات وغياب المعايير ووووو كل هذه المعاني.. فهذا كان في زمن الاتحاد السوفييتي وأدّى لِضعفه وانهياره، وهذا موجود في الصين، رغم أن رئيس الصين يسعى جاهدا لمحاربة الفساد (ونتمنى له النجاح وإنْ كانَ الأمر ليس بهذه السهولة، مع أن الصين انتهجتْ نهجا اقتصاديا مُعيّنا ونجحت به بشكلٍ رائعٍ حتى اليوم)!.. كل أصحاب الملايين في الصين يذهبون إلى كاليفورنيا في الولايات المتحدة كي تلِد زوجاتهم هناك ويحملون مستقبلا الجواز الأمريكي، وأرصدتهم خارج الصين!.. لماذا؟؟.
*نفسُ الإنسان أمّارة بالسوء، وهذه النفس حينما لا تجِد من يردعها أو يحاسبها فسوف نتوقّع منها عدم الاستقامة وستحكمها الأهواء الشخصية.. والشمولية هي البيئة المناسبة لهكذا نفوس، ولا يوجد ملائكة في الدنيا، ولكن ليس كل البشر شياطين!!. ولو كانت الولايات المتحدة دولة شمولية، أو بُلدان أوروبا الغربية، لسادَ فيها الفساد كما أية دولة بالعالم الثالث!. لكل ظاهرة بيئة ملائمة، وحتى الأشجار لا تنمو إلا في بيئتها، وظاهرة الفساد بيئتها الشمولية!.
*دولتنا للأسف الشديد غارقة بالفساد، بل ثقافة الفساد اصبحت ثقافة اجتماعية!!. لم يعُد مُهما للإنسان في بلدنا كيف يجمع المال، المُهم أن يجمعهُ ولو على حساب دماء الآخرين، وجوعهم وفقرهم ونهبِهم واستغلالهم وتشليحهم والاحتيال عليهم وسرِقة بيوتهم وخطفهِم مقابل الفدية، وبأية وسيلة كانت حتى بالمتاجرة بالمحرمات!!.
*وضعُ الدولة، للأسف الشديد، كله قائم على الفساد.. فمَن يمكنهُ أن ينكر أن الدولة كلها قائمة على المحسوبيات والدّعم والواسطات والالتماسات والتبنّي والقرابات والشخصنات والولاءات الخاصّة والمحاصصات والكيديات وشريعة الأقوياء، وعلى قاعدة :(( وعينُ الرضا عن كل عيبٍ كليلة، ولكن عين السخطِ تبدي المساوي)؟؟.أليس كل هذا فساد؟. تقرير بسيط كيدي من جهةٍ ما قد يحدد مستقبل الإنسان، من دون أن يخبروهُ لماذا، ومن دون منحهِ فرصة الدفاع عن النفس وإيضاح الحقيقة، فهل من ظلمٍ وفسادٍ واستبداد أكثر من ذلك؟. حينما شخص يمتلك عشرات المليارات من خلال استغلال السلطة والنفوذ، ويسمح لنفسهِ بمنح شهادة حسن سلوك للآخرين، فأليسَ هذا قمة الفساد؟. أن تمنح غيرك شهادة حسن سلوك وتُزايد بالعفّة فيجب أن تكون يدك نظيفة وتُبرهِن أنك كنتَ زاهدا بالمال والثروة طيلة وجودك في موقع السُلطة، ولا توجد لديك مبانٍ وعقارات ظاهرة للعيان ولوحدها ثمنها عشرات المليارات، بينما قبل السُلطة كنتَ من عامة الفقراء!!.
*مكافحة الفساد لها شروطها، وهذه الشروط تقتضي أولا، وفي المقدمة، أن يكون أهل السلطة والنفوذ هُم "قدوة" في الوطن، من حيث الزُهد بالمال والثروة وحياة البذخ والأبّهة ومظاهر الثراء والبيوت الفخمة والسيارات الفاخرة، ويزهدون حتى بالفيراري واللامبارديني والبورش، وأن يربئوا بأنفسهم عن كل ذلك وعن استغلال السُلطة، ويحرصون أن تكون الأيدي نظيفة، والضمير حي ، ومتواضعون مع البشر، وتطبيق القانون والمعايير وتكافؤ الفرص، والعدالة... أي يسعون على الدوام كي يكونوا قدوة في الوطن ولابناء الوطن ولا يجاملوا حتى أقرب الأقرباء على حساب القانون والمعايير والعدالة وتكافؤ الفرص والنزاهة، ولا يبحثون عن مكاسب وامتيازات ووووو .. فأخبروني أين هُم القدوة بالوطن؟. مكافحة الفساد في بلدانٍ كما بلداننا تكون بـ :
ــالانتقال نحو نظام حُكم ديمقراطي برلماني تعددي تجري فيه الانتخابات كل أربع سنوات وتكون صناديق الاقتراع هي الفيصل.. وتصبح هناك مُعارَضة فعلية تراقب وتتابع عمل الحكومة القائمة، وتُفنّد كل برامجها وممارساتها وسياساتها وإنجازاتها ومشاريعها وتقصيرها ... الخ .. هذا فضلا عن وجود نقابات ومنظمات حرّة تمتلك القرار وتدافع عن شرائحها الاجتماعية حتى بالإضراب عن العمل والتظاهُر، وتقوم بدورها بالمتابعة وفضح كل التجاوزات والتقصير والمحاباة وعدم تطبيق المعايير في المؤسسات ، وبرلمان فعلي قادر أن يسأل أي مسئول في الدولة: من أين لك هذا ؟. وكذلك إعلام حر يؤدي ذات الدور.. فضلا عن فصل السلطات الثلاث، وعدم السماح بتسييس المؤسسة العسكرية والأمنية وتبقى على مسافة واحدة من الجميع (حكومات وأحزاب)، وهكذا يحرص الجميع على أن يكونوا قدوة في نظافة اليد والضمير والعمل وفق الأسس والمعايير والقانون وتكافؤ الفص ويتسابقون لكسبِ ثقة ورضا الشعب، حتى لا يخسرون مناصبهم في أول انتخابات.. وهكذا لا يستمر أيٍّ كان طويلا بالسلطة ويُحوّل مؤسسته إلى مزرعة، وتصبح المؤسسات إمارات، ولا تترسّخ سلطة الفساد.. بل يصبح الفساد حالة استثنائية بدل أن بات اليوم ثقافة عامة!!.
*يُحوّلون الدولة إلى مزارع وإمارات وإقطاعيات ويقولون للناس ممنوع الكلام (إخرسوا) لأن هذا يمس بهيبة الدولة!.. غريب فعلا أن يكون فضح الممارسات الهدّامة أو التقصير والسلبيات بالدولة، هو مَسٌّ بهيبة الدولة، بينما الفساد والإفساد والمحسوبيات والواسطات والشخصنات والمحاصصات والدعس على المعايير والمؤهلات والخبرات وكل ما شابهَ ذلك لا يمسُّ بهيبة الدولة!..
ليس هكذا تُورَدُ الإبل.. والحكومة تفرض هيبتها بتطبيق القانون على الجميع وبِخلقِ دولة مؤسسات ومعايير وتكافؤ فرص، وبالقضاء على دولة المحسوبيات والشخصنات والدعم والواسطات.. وأبناء الشعب ليسوا ساذجين، فهُم يعرفون الطنجرة وغطاها، ولا يمكن لأحدٍ أن يخدعهم إن كان كلامه غير صحيح، بل أبناء هذا الشعب يعرفون سلفا كل ما ينشره أي إعلامي، ويعرفون أكثر من الإعلامي، ويعرفون أن ما يُنشَر عن التجاوزات والفساد أقل بكثير وكثير جدا من الحقيقة.
*هيبة الحكومة لا تكون بِكمِّ الأفواه وإنما بمكافحة الفساد والفاسدين والمتجاوزين وتطبيق القانون على الجميع وليس فقط على الضعفاء، ومنع محاباة البعض بالبيوت والسيارات والمكاسب والمناصب، وسؤال كل واحد من حيتان الفساد وقططه السمينة وأولادهم من خمسٍ وأربعين سنة وحتى اليوم من أين لكم هذا؟. وإعطاء كل ذي حقٍّ حقه..لا يُعقل أن تعيش أناسٌ وأولادهم حياة الأباطرة، وكانوا غارقون بالفقر، وذلك من خلال استغلال السُلطة والنفوذ، يعني من الفساد وعلى حساب أبناء الوطن الذين لا حول ولا قوة لهم، وعلى حساب فقرهِم وبؤسِهم وحرمانهم وجوعِهم، ومن ثمّ يأتي هؤلاء انفسهم ليوزعوا على الناس وطنيات وشهادات حسن سلوك!!.
*المطلوب من الحكومة شفافية أكثر، وأن يتعلموا من الوزراء اللبنانيين (رغم سيئات نظام الحُكم اللبناني) الشفافية والوضوح والصراحة والتواضُع والحوارات المفتوحة والصريحة على الشاشات، وتقبُّل كل أشكال النقد.. فلا أحدا يستهدف أي مسئول لِشخصهِ وإنما لِصفتهِ الإعتبارية كمسئول.. ومن لا يتحمّل ذلك فالمطلوب منه أن يترك المناصب الاعتبارية ويبتعد عن الانخراط بالشأن العام.. فطالما هو معنيٌ في الشأن العام فمن حق عموم الناس مراقبة عمله ونقدهِ.. ومن لا يستطع في مجال عملهِ أن يؤدي دوره كاملا لأن هناك من هُم أقوى منه ويعيقون ذلك، فعليه أن يظهر على الشاشة ويتحدّث للناس بكل صراحة عمّن يعيقون ذلك، أو يستقيل.. فالعمل بالشأن العام هو رسالة يجب تأديتها بكل أمانة وجرأة ووضوح وإخلاص، وليس امتيازا ومكاسبا ومظاهرا فقط أمام الناس!.
*عرِفنا خلال حياتنا الجامعية (كطلابٍ ثم مدرسين بالجامعة) عرفنا الكثير من الزملاء والأصدقاء وربطتنا مع الكثيرين علاقات رفاقية ونضالية، ولكن ما إن أصبحوا في مواقع السُلطة ، وزراء وأعضاء قيادة، حتى خلقوا وديانا وجبالا بينهم وبين الناس، ورفعوا مناخيرهم وعَرّموا صدورهم، وباتوا لا يعرفون من أمضوا معهم سنينا، ونسيوا أيام المْجدّرة والبصل، وكانوا من أفقر الناسن ومنتوفين من الفقر، ولكن السُلطة والمال جعلتهم ينقلبون 180 درجة على كل شيء.. وطبعا هذا الكلام ينطبق على المذكّر والمؤنّث!.. فماذا يمكن أن نصَنّف ذلك؟؟. هل هو فساد نفوس، أم انعدام اصالة؟. وهل يمكن لهؤلاء النوعيات أن يكونوا قدوة؟. شكرا لك أيها الصديق ابن (غُصم) فقد بقيتَ أصيلا وفيا لا تشبه الآخرين ممن عرفناهم وافتقدوا للوفاء بعد أن باتوا في السُلطة، وكانوا فقط يزايدون ويتبجحون ويبيعوننا المثاليات حتى وصلوا وأثْرُوا فانقلبوا 180 درجة!!.
*نعم بلدنا تحتاج للقدوة، والقدوة يستحيل أن تأتي إلا عبر نظام وآلية حُكم مختلفة 180 درجة، ويشعر كل واحد أن هناك مُعارضَة تتابع وتُفنِّد وهناك صناديق اقتراع قد تأتي بالمعارضة في أية لحظة، وهكذا سيحرص كل فردٍ للعمل بأمانة وإخلاص ونزاهة وعدالة وخلقِ السمعة الطيبة والتقرُّب من عموم الناس كي يكسب ثقتهم ومحبتهم ويصبح قدوة، وليس كما هو الحال اليوم، لا أحدا سائلا عن أبناء الوطن لأن وجوده في موقع المسئولية لا يعود لهم وإنما يعود لِمن هُم في المواقع العُليا، ولذلك فكل همِّه هو إرضاء الأعلى وليس إرضاء الشعب الذي لا يقدِّم ولا يؤخِّر بشيء.. حينما يكون الشعب هو الأعلى من الجميع وصاحب القرار، حينها يهرع الجميع لنيل رضا الشعب.. وهذا لا يحصل إلا في ظل الشروط التي سبقَ وأشرتُ إليها آنفا.. وبذلك نكافح الفساد والمفسدين... وفي ظل احتكار السُلطة يستحيل محاربة الفساد ونقطة على السطر.. فلا أحدا سيحاسب نفسه.. الفساد ليس مُجرّد رشوةِ موظّفٍ فقيرٍ منتوفٍ بخمسمئة ليرة كي يهتم بالمعاملة وينجزها بسرعة.. الأمر أعمق وأبعد من ذلك بكثير.. وقبل أن نحاسب الموظف البسيط الذي يرتشي، فعلينا أن نسأل عن الاسباب ونعالجها، ونعطي الموظف راتبا يكفل له العيش مع عائلته لمدة شهر بأدنى حدود الكرامة..