لا يمكن للوضع المعيشي للمواطن السوري ان يتحسن .. لماذا ؟
اذا افترضنا بان النية سليمة وان الارادة موجودة .. وبفعل النية والارادة اصدرنا عدد لا متناهي من التوجيهات والتوصيات واطلقنا الوعود، هل يكفي هذا لانتشال المواطن السوري من الحالة البائسة التي يعيشها اليوم؟
تم استبدال وزراء في الحكومة وكانت فرصة للرئيس ان يعيد توجيه الحكومة الجديدة ، وبدأت الحكومة بالعمل على تنفيذ توجيهات الرئيس..
حسنٌ يبدو هذا السيناريو مألوف وهو يمتد على ما قبل عمر الازمة السورية.
ففي نهاية العقد الاول من القرن الواحد والعشرين كانت هناك دعوات متصاعدة لتحسين الواقع المعيشي للمواطن السوري وزيادة الحد الادنى للأجور ، ورفع مستوى الدخل للاسرة التي كان بحسب المعايير الدولية يقبع في اسفل سلم مستويات الدخل في البلدان الاخرى في ذاك الوقت.
اليوم انخفض دخل الاسرة على الاقل 5 اضعاف (في احسن الاحوال) وبالعموم انخفض سعر صرف الليرة السورية ليصبح 10% مما كان عليه امام الدولار في العام 2011 ولم تطرأ اي زيادة تذكر على الرواتب والاجور في القطاع العام ( والخاص بنسبة كبيرة ) تعوض هذا الانخفاض الحاد وتقابل زيادة الاسعار الكبير الذي شهدته الاسواق.
زيادة الدخل وتحسين مستوى معيشة الناس يعني اقتصاد متعافي واداء حكومي ذو كفاءة عالية يستفيد من الموارد المحدودة التي لدينا استفادة قصوى.
فعل حقيقة نحن نمتلك هذا ؟
على مستوى الكفاءة فان العامل في الحكومة اليوم براتب لا يتجاوز الـ 100 دولار شهريا هو اما يعمل لانه عديم الكفاءة ولا يوجد لديه فرصة في مكان اخر ليعمل به ، او انه يمتلك الكفاءة وينتظر ويتحين فرصة ليترك وظيفته ، وهنا مهما امتلك هذا الموظف من كفاءات فهي ستذوي وتندثر في اطار "عدم الكفاءة العام".
وهناك شريحة اخرى لا يهم اذا امتلكت الكفاءة او لا لانها تنظر الى القطاع العام كانه "دكاكين" خاصة تتفنن في كيفية سرقته وسرقة المواطن لأثراء ونهب ما يتيسر قبل ان تنتهي مدة صلاحيتها.
وعلى مستوى القيادات فاعتقد اصحاب الكفاءة والنزاهة اما مهمشين ( لان معيار تقلد المناصب ما زال في سورية هو الولاء وفقط الولاء )، واما هاجروا ليجدوا ما يناسب قدراتهم سعيا للحصول على حياة كريمة يستحقونها في دولة اجنبية.
ما اريد قوله بان تحسين الاداء الحكومي ودفع عجلة الاقتصاد الى الامام مع قلة الموارد تتطلب وجود بيئة مساعدة يمكن استثمار الموارد فيها على افضل وجه ، وهذه البيئة مع الاسف ليست موجودة على الاطلاق اليوم ، لا بل نحن بعيدون كل البعد عنها ، ونقف على طرف نقيض منها.
اذا اضفنا على هذا ، باننا بلد مضطرب سياسيا ولم نصل الى حل جذري للمشكلة التي اوصلت بنا الى هنا ، واذا اضفنا بان حوالي نصف البلاد ما زالت خارج سيطرة الدولة السورية بمواردها الطبيعية والبشرية ، واذا اضفنا باننا اصبحنا ارض مستباحة لكل من يريد بناء قاعدة عسكرية او ينشر مليشيات تابعة له ويقطع مساحات او يصادر نفوذ او يسيطر على موارد ان كان حليفا ام عدوا .. في كلا الحالتين ليس بيدنا ان نفعل شيئا ..
واذا كنا في النهاية لم نصل حتى ( بعد كل هذه الانتصارات ) الى الوضع السيء الذي كنا عليه قبل الازمة ، وبعيدين عن الوصول الى ذاك الوضع كل البعد ، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ..
كيف لنا ان ننظر للوعود بتحسين مستوى معيشة المواطن ، وكيف لنا ان نصدق باننا قادرين على الايفاء بتلك الوعود ..؟
صرحت الحكومة بان الموازنة التي اقرت للعام 2019 هي الاكبر بين الموازنات في تاريخ سوريا ، فهي الاكبر "بالليرة السورية" .. ولكن اذا اردنا ان نعادلها على الدولار فانه لا تشكل الا نصف ميزانية عام 2010 عندما كانت كل امورنا "بخير" .. فكيف ستكفي هذه الموازنة والبلد مدمر والاقتصاد منهار والعملة تتأرجح على حافة الهواية ، والمجتمع ضعيف ، والحكومة ينخر في دهاليزها الفساد والرشوة ومصابة بكل مرض يمكن ان ينخر بجسم حكومة متفسخة ..
لقد كنا نقول قبل العام 2010 عندما كانت سورية وحدة واحدة مسيطر عليها من قبل نظام واحد ويقول "كن".. "فيكون" في كل المجالات .. ، كنا نقول حينها للناس "ليس في يدنا عصا سحرية" .. فكيف حالنا اليوم .. ؟ ام اننا امتلكنا هذه العصا السحرية حقا اليوم .. !
نضال معلوف