ساعي بريد نيرودا والسياسة التي يمكن ان تقلب "جنة" امس الى "جهنم" اليوم ..
ماذا لو احببت شخصا لدرجة الهوس ثم وجدته متجسدا امامك .. بل شاءت الظروف ان توفر لك فرصة التواصل اليومي معه والخوض في احاديث مستمرة .. اكثر من ذلك .. تمنحك الحياة انت وحدك فرصة لتكون صديقا مقربا منه؟
الفكرة فريدة تشدك منذ البداية ، شاب كسول يحظى بفرصة عمل غريبة ، ساع بريد له زبون وحيد في بلدة نائية تابعة لمدينة سان انطونيو في تشيلي البلد المنبسط على ساحل طويل مطل على المحيط الهادي.
ومن يكون هذا الزبون؟ ..
بابلو نيرودا ، الذي قال عنه الكاتب الشهير غابريل غارسيا ماركيز بانه من افضل شعراء القرن العشرين في جميع لغات العالم.
ينسج كاتب الرواية انطونيو سكارميتا احداث الرواية ، المكونة من 126 صفحة من القطع الصغير ، ضمن عالم محدود نطل من خلاله على السيرة الذاتية للشاعر نيرودا وللاحداث الهامة والمفصلية التي وقعت في شيلي في سبعينيات القرن الماضي.
يمكن تصنيف الرواية في خانة الكتابة من نوع "السهل الممتنع" فهي لا تضم حدث كبير ولا تعتمد تتابع سريع ، ولكنها مشوقة وعميقة.
ساعي بريد نيرودا .. هي نافذة يمكن نطل منها على تشيلي التي تشارك بلدان الشرق الاوسط في الحراك الشعبي الذي يشهده البلد بعد اكثر من 50 عاما من احداث الرواية التي تطال تبدلات سياسة هامة في ذاك الوقت كان لها دور كبير في تشكيل دولة تشيلي على ما هي عليه اليوم.
تبدلات تقلب الامور رأسا على عقب وترسم نهاية "مضحكة مبكية" للقصة حيث ما كان جنة يوم امس يمكن ان تقلبه الاحداث ليصبح نار جهنم اليوم.
في النهاية قد تبدو الرواية بعيدة عنا جغرافيا والتاريخ الذي نعيشه في المنطقة ، ولكني شخصيا اشجع على التعرف على تجارب الشعوب من خلال "الرواية" بشكل عام ، لانها تكون اقرب لروح الاحداث وطريقة العرض فيها اكثر جاذبية للتعرف على العالم الواسع من حولنا ، العالم الذي ربما نجد في تجارب شعوبه اجوبة لكل الاسئلة التي نبحث على اجابات لها.
نضال معلوف