-

ماذا يعني مخطط ترامب بتشكيل تحالف دولي ضد سورية بعد قصفه للشعيرات.. بقلم: د.عبد الحميد سلوم

12.04.2017 | 11:55

*ليس هناك ما يدمي القلب ويقطع أوصال الروح أكثر من أن ترى وطنكَ يتقطّع ويتدمّر ويغرق أمام عينيك في تسونامي الرياح والعواصف الإقليمية والدولية العاتية وأنتَ عاجزٌ عن فعلِ شيءٍ لإنقاذهِ، بينما تعرف وتدرِك ما هو السبيل لذلك، والجميع يعرف ما هو السبيل لذلك ولكن العناد والتعنتَ والنكايات والمصالح الإقليمية والدولية تزيدهُ غرقا كل يوم، بمشاركة أبنائه الذين لم يعودوا يملكون من أمرهم شيئا!.
*كم هو مؤلما أن ترى أبناء وطنك منقسمون بشكل عموديٍ خطير بين طهران والرياض وبين واشنطن وموسكو، وبات الجميع مطية للقوى الإقليمية والدولية، فهذا يهلل لقصفِ الولايات المتحدة لمواقع الحكومة وذاك يصفق لقصفِ روسيا لمواقع المعارضة!.
 

 

*منْ كان يصدقُ بالماضي أن سورياً واحدا قد يصفق لعدوان أمريكي على بلادهِ، فيما كانت شوارع دمشق تفيض بالمتظاهرين إن حصلَ هكذا عدوان على بلدٍ عربي كما العراق أو فلسطين، فما بالك إن كان ضد الحبيبة والأم الحنون سورية التاريخ التي كان الأمرُ الذي يصدر من عاصمتها دمشق في يومٍ ما يُنفّذُ من أسبانيا غربا وحتى الصين شرقا!.


*ماذا حلَّ بالسوريين حتى امتلئتْ قلوبهم قيحا وحقدا على بعض وبات الأجنبي أقرب لهذا وذاك من ابنِ وطنهِ ، وسادت بينهم الوحشية التي تخجل منها حتى وحوش الغابات، واختلطت كل المفاهيم حتى المتناقضة، وضاعت الحدود، وكلٍّ يتّهم الآخر بالإرهاب والعمالة للأجنبي ويتربّص به، ولم يعُد هناك إجماعا واحدا حتى على معنى " العدوان" .. فقِسمٌ يعتبر العدوان الأمريكي هو دفاعٌ عن المدنيين وانتقاما لهم، وقسمٌ يصفونه بالعدوان!. بل هناك من يصفقون حتى للطائرات الإسرائيلية حينما تقصف في سورية، وهذا يعكس مدى الحقد غير المسبوق في أي مكانٍ، الذي وصل إليه السوريون بين بعض!. فلماذا؟. وعلى ماذا؟. ومن المسئول؟.


*إنني أحزن وأتألم على مقتل أي سوري من أبناء الوطن، ولكن ألَم يسأل أحدا نفسهُ : متى كانت الولايات المتحدة تدافع عن المدنيين أو عن الشعوب؟. في فيتنام أم في أفغانستان أم في العراق أم في فلسطين، أم حتى عند الهنود الحُمر داخل الولايات المتحدة ذاتها، أم أينَ؟. إن الولايات المتحدة، مثلها كما غيرها من الدول، تستثمر بمآسي السوريين خدمة لمصالحها الاستراتيجية والقومية، على حساب دماء السوريين!. الجميع يستثمر بدماء السوريين الذين لم يعُد لهم لا حول ولاقوة، والجميع يدّعي أنه يدافع عن السوريين!.


*كان من الواضح حتى للمبتدئ بعلوم السياسة، بعد أن صرّحت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي (بل المقاتِلة نيكي هيلي)، في كلمتها أمام مجلس الأمن يوم الأربعاء 5/ نيسان أن هناك دولا سوف تتحرك بمفردها إن فشلت الأمم المتحدة، كان واضح أن القرار متّخذ من طرف واشنطن للقيام بعمل عسكري ما .. والمفاجأة هي في سرعة اتخاذ القرار وسرعة التنفيذ.. فشخصيا كنتُ أتوقع من خلال المتابعة والتحليل للتصريحات الأمريكية، أن تحصل الضربة صباح السبت وعلى أقصى حد صباح الأحد وليس صباح الجمعة !..


** منذ اللحظة الأولى لانتشار نبأ العدوان الأمريكي على قاعدة "الشعيرات" الجوية صباح الجمعة 7/ نيسان 2017 (وهي ذكرى تأسيس حزب البعث عام 1947والذي لم تتغير شعاراته ولا خطابه الإنشائي التقليدي الجامد يوما واحدا رغم أن العالم كله تغيّرَ واختلفت معالمهُ) ، فقد اشتعلتْ التحليلات وتزاحمَ المحللون على شاشات الأقنية الفضائية ولم يبقى شيئا لم يقولوه في تحليلاتهم وآرائهم وتنظيرِهم .. ولذلك لن أغوص في التحليل كثيرا حتى لا أكرِّر ما قيلَ في هذا الصدد .. ولكن أودُّ الإشارة إلى مايلي:
*أولا: إن المثل الشعبي يقول: (ثوب العيارة ما بيدَفِّي) .. فلا الاحتماء بروسيا وإيران هو الحل، ولا الاحتماء بالولايات المتحدة والسعودية وتركياهو الحل ..الحل الوحيد هو أن يحتمي جميع السوريين بِسَماء سورية، ويتقون الله ببلدِهم وشعبهم ويضعون الأرجل على الخطوة الأولى للحل السلمي كما رسمها القرار الأممي 2254 المعطوف على بيان جنيف في شهر حزيران 2012 الذي وضعه الروسي والأمريكي، دون إهمال وتأخير ومناورات والغوص في التفاصيل وتفاصيل التفاصيل!.. فمن يقدِّم تنازلا فهو لا يقدمه للطرف الآخر وإنما يقدمه لأجل سورية!.


ثانيا: انقذوا ما تبقّى من سورية ومن شعبِ سورية، فيكفي كل ما حصل حتى اليوم، وما ألمَّ بشعب سورية من مآسٍ أدمعتْ عيوننا وأدمتْ قلوبنا، ولم ترضي سوى العدو الإسرائيلي!.


*ثالثا: سورية اليوم في أخطر المراحل وفي مهبِّ تسونامي الرياح والعواصف الدولية وإن استمر هذا الحال، فسورية في خطر أن يجرفها هذا التسونامي، وتتفتّت ككيان دولة، إلى عدة كيانات، ومن ثمّ تتفتّتْ الكيانات إلى مزيدٍ من الكيانات، وإن لم يحصل الحل السياسي بأقرب وقتٍ فسورية مرشّحة لأسوأ وضع، وستصبِح حالها أسوأ من حال أسوأ دولة عاشت ، وتعيش حرب أهلية!.


*رابعا: لا يستهين أحدا بخطة الرئيس ترامب (الانفعالي والمزاجي) في تأسيس تحالف دولي ضد نظام الحكم في سورية!. فنظرتهِ لنظام الحكم في سورية أشبه بنظرة أسلافه الجمهوريين من آل بوش وكراهيتهم لنظام الحكم في ظل صدّام حسين، والأمر في منتهى الخطورة إن كان سيتعامل لاحقا مع سورية كما تمّ التعامُل مع العراق ومع ليبيا، لا سيما أن الطائرات الأمريكية تملء أجواء المنطقة، وهم يقيمون قواعد عسكرية في شمال وشرق سورية وموجودين ميدانيا فوق الأرض السورية شمالا !..


* لن يمنح وجود الروسي حصانة، وها هو الدليل أمامنا في الشعيرات!. فالصواريخ الروسية مرّت من فوق القواعد الروسية في الساحل السوري، بل من فوق صواريخ إس 400 المنصوبة في الساحل السوري، ولم يفعل الروس شيئا سوى إحصاء عدد هذه الصواريخ، خوفا من اشتباك نووي مع الولايات المتحدة، كما صرّح أحد المحللين الروس!. وسيبقى الخوف من الاشتباك النووي قائما في كل الأوقات، ولذلك ستكتفي روسيا بمنحها الضمانات بعدم تهديد قواعدها ومصالحها في سورية!.


*خامسا: هناك في سورية مشكلة سياسية بالأساس، قبل أن تظهر مشكلة الإرهاب، وحلُّ هذه المشكلة سوف يُسهِّل ويُسرِّع في القضاء على الإرهاب، مما يقتضي من الجميع الإسراع في إنجاز الحل السياسي!. فسورية وشعبها هُم من يدفعون الأثمان، وهنا سنُذكِّر، ماذا لو أخذ الرئيس ترامب بالخطة الثانية التي قدّمها له البنتاغون والمخابرات الأمريكية، وهي ضرب كافة المطارات السورية؟. أمَا كان بإمكانهِ ذلك؟. وأمَا كان مصيرها جميعا كمصير مطار الشعيرات، وهل كان بمقدور الروسي والإيراني سوى اتخاذ ذات الموقف، وهو الإدانة وعبارات التعبير عن الأسف، ودعوة مجلس الأمن للانعقاد!.


* فروسيا ليست بوارد الاشتباك مع الولايات المتحدة والمجازفة بحربٍ معها مهما بلغت الأمور في سورية!. وإيران تريدُ رأسها اليوم وهي تدرِك مدى تربُّص ترامب بها، ولا ينتظر سوى حجّة بسيطة!. وإنْ ما قام ترامب بأية ضربةٍ لقوات إيرانية، أو منشآت إيرانية، داخل إيران أو خارج إيران، فسوف يضع إيران في موقف محرجٍ للغاية... فإن ردّت على الضربة فقد تشتعل أراضي إيران بالجحيم، وإن لم تردُّ فإن هيبتها سوف تسقط نهائيا!.


*سادسا: اأنقذوا سورية، أو ما تبقّى من سورية، واذهبوا حالا نحو الحل على اساس القرار 2254 وليحصل الانتقال السياسي، ولا تفسحوا المجال لأن يحصل في سورية ما حصل في العراق أو ليبيا!. المنطقة اليوم أمام رئيس أمريكي جديد هائج لا حدود ولا ضوابط لسلوكه، ومَعَ الرئيس الايراني كل الحق ان يقلق من هذا الرئيس بعد قصف قاعدة الشعيرات، فقد يفعل اي شيء في اي مكان..الشرُّ بين عينيه، وينتقد علنا سلفه اوباما لانه بنظرهِ فرّط بهيبة الولايات المتحدة ويعتقد هو اليوم ان مهمته هي إعادة امريكا عظيمة ثانية، يعني لا يقبل التحدي ولا الاستفزاز من احد.. ويَعتبر أن الوقت الضائع من الدور الأمريكي في المنطقة بعد ثمان سنوات من حكم أوباما، صعَدَ خلالها الدورين الروسي والإيراني بشكلٍ غير مسبوق، أن ذاك الوقت الضائع قد انتهى!. وها هي الولايات المتحدة تعود لتمارس وتستأنف دورها من خلال قصف قاعدة الشعيرات، وهذه ليست سوى رسالة عنوانها (لقد عُدنا ونحنُ هنا) وزمن أوّل قد تحوّل، وأنه من غير المسموح أن تبقى روسيا وحدها تحتكر البازار السوري وتبيع وتشتري كما تشاء!. وهذا إحراج كبير للرئيس بوتين!.


نعم : هذا هو الرئيس ترامب الذي صفق له البرلمان الروسي حين انتخابه، وقالت مسئولة سورية بخصوصه: أن الشعب الأمريكي أرسلَ برسالة عظيمة وهامة للعالم (طبعا نتيجة انتخابه لـ ترامب) !.


*وأخيرا أدعو الجميع إلى رفعِ شعار (سورية أولا) والعمل بشرفٍ وأمانةٍ وإخلاص لإنقاذ سورية من مصيرٍ شبيه بمصير العراق أو ليبيا أو الصومال .. فهذا هو حلُم الإسرائيلي أخيرا.. وأطالب كافة (الغرباء) سواء عربا أو أجانب، بمغادرة الأراضي السورية، وكل من لا يحمل الجنسية السورية فهو غريب وعليه أن يرحل!.


*ومن جديد أدعو كافة الديمقراطيين العلمانيين السوريين، من المعارضين والمؤيدين، والمحايدين، أن يشبكوا أياديهم ببعض ويشكلون تيارا سوريا وطنيا ديمقراطيا علمانيا، لأنّ هؤلاء هُم من يشبهون سورية التي نتطلع إليها مستقبلا، بعيداعن الآيديولوجيات الدينية ، وبعيدا عن كل أشكال الاستبداد والاحتكار للسلطة!.


TAG: