بعد دخول اتفاقات "وقف اطلاق النار" حيز التنفيذ وبدء انتشار القوات التركية في "ادلب" انضم اعداد اضافية للمظاهرات التي خرجت في عدة بلدات في ادلب وريف حلب الغربي تحت شعار "يوم الغضب السوري" ، للتعبير عن "الغضب" تجاه "جرائم النظام المستمرة ضد الاهالي".
ومن هذه المناطق بلدة "اتارب" في ريف حلب الغربي التي خرجت فيها مظاهرة كبيرة الجمعة في اطار التذكير باهمية التظاهر السلمي الذي ظهر في بداية "الثورة" بحسب الصحفي المقيم في الريف الغربي لحلب جمعة علي.
وخرجت اتارب عن سيطرة النظام منذ ايار في العام 2012 وانتهت كل مظاهر انتشار عناصره فيها.
وعن كيفية ادارة المدينة لشؤونها منذ ذاك الوقت يقول جمعة ، لقد "تم تشكيل مجلس محلي منتخب للمدينة هو المسؤول عن تقديم الخدمات الطبية والاغاثية والتعليمية اضافة الى الشرطة".
وقام جمعة بإنتاج تقرير مصور عن واقع الحياة في المدينة خلال الفترة الماضية كنموذج لقدرة السكان على ادارة شؤونهم الخاصة.
واشار جمعة الى انه كل 6 اشهر تجري دورة انتخابية جديدة لاختيار اعضاء هذا المجلس الذي يتراوح عدد اعضاءه بين 20 الى 25 شخص.
وريف حلب الغربي واحد من المناطق الكثيرة التي بدأت بتطبيق تجربة "الحكم المحلي" بعد خروجها عن السلطة المركزية في دمشق وغياب أي سلطة للنظام فيها.
فقد خرجت اكثر من 50% من المناطق في سوريا من سيطرة النظام واضطرت تلك المناطق لكي تدبر شؤونها بنفسها منذ بداية الاحداث في العام 2011.
اكبر تلك المناطق هي ما يعرف باسم مناطق "الادارة الذاتية" ويطلق عليها الاكراد اسم منطقة "روج افا " وتضم ثلاثة اقاليم بحسب التنظيم المحلي الذي اقرته قوات سوريا الديمقراطية وهي قوات يشكل معظم افرادها الاكراد وتلقى دعما كبيرا من الولايات المتحدة.
وتضم المنطقة ثلاثة اقاليم هي "الجزيرة" وتشمل محافظات القامشلي والحسكة ، و"الفرات" وتشمل "الرقة" و"ديرالزور" والاقليم الثالث هو "عفرين" في الشمال الغربي.
وتطبق في هذه المنطقة تجربة اطلق عليها اسم " الادارة الذاتية" تبدأ من وحدات صغيرة تدعى "الكومينات" تعنى بالامور الخدمية للمناطق ضمن البلدات والمدن من خلال لجنة منتخبة ، وتشكل لكل بلدة او مدينة "مجلس محلي" مرتبط بالادارة المركزية ومسؤول عن "الكومينات" ضمن الحدود الجغرافية للمدينة.
وفي السنوات الاخيرة مع "استعصاء" وجود حل سياسي يوجد نظام سياسي مركزي يلقى قبول السوريين واستمرار النزاع المسلح ، توصلت الدول المرتبطة بالصراع في سوريا الى اتفاق لتأسيس مناطق اطلق عليها اسم " خفض التوتر" او " خفض التصعيد".
وهذه المناطق يتم تحديد مساحته الجغرافية من قبل الدول المذكورة وهي بشكل اساسي الولايات المتحدة روسيا وتركيا وايران ويعمل على وقف اطلاق النار فيها وتأسيس مجالس محلية لحكمها لتعزيز استقرارها وتهيئتها للمشاركة في حل سياسي قادم لم تتضح معالمه بشكل كامل بعد.
واهم هذه المناطق التي اتفق على حدودها الجغرافية بناءا على معطيات الامر الواقع هي "ادلب" وتضم بالاضافة الى حدود المحافظة المعروفة جزءا من اراض ريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي.
وقد عقد الاتفاق الذي وقع عليها وفد النظام ايلول الماضي في الجولة السادسة من مفاوضات "الاستانة" عاصمة كازخستان، وبموجب هذا الاتفاق ستنتشر قوات تركية وروسية وايرانية في المحافظة لضمان وقف اطلاق النار فيها.
ومنذ توقيع الاتفاق شهدت المنطقة في ادلب خطوات متسارعة لاعادة تعزيز مفهوم الادارة المدنية بعد ان تدخلت الفصائل المسلحة ادارة هذه المناطق بشكل مباشر او غير مباشر ، وتم البدء بدمج الادارات المحلية مؤخرا (المدنية والعسكرية) في جسم واحد تابع للـ "حكومة المؤقتة" التي يمثلها الائتلاف السوري لقوى المعارضة الذي شُكل في بداية الاحداث كممثل رسمي للمعارضة السورية.
واتارب واحدة من هذه المناطق التي تسعى اليوم لانجاح تجربة "الحكم المحلي" ضمن اطار مدني على اسس ديمقراطية بعد ان بدأت القوات التركية بالدخول الى المنطقة وانشاء نقاط فيها لضمان استقرارها ومنع الاشتباكات فيها.
يقول الصحفي جمعة علي بحكم معرفته بطبيعة حياة الناس هناك ، فان الاهالي رحبوا بدخول القوات التركية لمعرفتهم بان هذا الامر سينهي "الحرب" و"القتل" و"الدمار" في مناطقهم التي لم تسلم من قصف "النظام" طوال السنوات الماضية.
ويمثل انجاح هذه التجربة " الادارة المحلية" سياق عام في سوريا اليوم تعمل الدول الضامنة على تعزيزه في مناطق اخرى مثل منطقة " درع الفرات" التي تقع كاملة تحت السيطرة التركية من جرابلس في الشمال الى عفرين ، وكذلك محافظة درعا التي دخلت في اتفاقات مناطق "خفض التوتر" بين اميركا وروسيا .
وظهرت مؤخرا مبادرة في "السويداء" التي تقع تحت سيطرة النظام لاقامة حكم يقترب كثير من شكل "الادارة الذاتية" لضمان امن المحافظة وسلامة اهاليها في ظل الاوضاع المضطربة التي تعيشها منذ بداية الازمة.
ما يمكن ملاحظته في الاتارب اليوم بحسب "جمعة" بان البلدة بدأت باستعادة طبيعة حياتها اليومية لتعود الاسواق وحركة الناس الى الشوارع وتمكين افراد الادارة المحلية من الاضطلاع بمهامهم لتحسين نوعية حياة الناس هناك.
سيريانيوز