منذ ولادتي قبل 50 عاما وسوريا تعتمد على نهج اقتصادي محدد في توفير معيشة الكفاية للناس، من خلال معادلة رواتب منخفضة وتوفير السلع الأساسية بأسعار مدعومة اي مخفضة، ولكن هذه السياسة يبدو أنها انتهت اليوم..
اليوم لم يبقَ الحال هكذا، والحكومة تسحب يدها من دعم المواد، مادة بعد مادة حتى وصلت الى الخبز..
شاهد التقرير على اليوتيوب ..اضغط هنا
ولم يتغير هذا بعد اعتمادها اقتصاد السوق (الاجتماعي) بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وما زال شعار الحزب الحاكم هو "الاشتراكية"، وهذا النهج وراءه أهداف سياسية، تتلخص في عدم وصول المواطن (الغالبية من المواطنين) الى الكفاية الا من خلال الحكومة التي هي اداة بيد النظام كوسيلة للسيطرة وتثبت الحكم.
فمنذ ان كنت طفلا اشتري الخبز بأسعار مدعومة وكان لدى والدي دفتر قسائم للعائلة لشراء المواد الأساسية بأسعار مخفضة من المؤسسات التابعة للدولة، واستمر هذا حتى الان، لم تغيره حروب او حصار او أزمات.. بقي الطعام متوفرا للناس بشكل او بآخر وكان دائما والحق يقال الخبز خطا احمر، لم يطرح على الاطلاق رفع الدعم عنه.
هذه السياسة تغيرت في السنوات الاخيرة، مع توقف عجلة الاقتصاد وامتناع "الدول الصديقة" عن تقديم المساعدات، على العكس أصبحت هذه الدول تطالب بتسديد الفواتير، فواتير دعم نظام الحكم لهذه السنوات الأخيرة وسيطرت على كثير من المصالح والثروات والاستثمارات..
لم يعد النظام قادرا على الاستمرار بسياسة الدعم..
فلجأ الى سياسة اخرى هي التسويف لإلغاء هذا الدعم..
وهذه السياسة ببساطة.. خلق ازمة حول المواد المدعومة تؤدي الى فقدان المادة اولا، اتخاذ بعض الاجراءات التي تصعب الحصول عليها، زيادة المعاناة، ساعات الانتظار، قطع مسافات طويلة، تضييق من قبل السلطات.. الخ، قصور في تأمين هذه المادة، لتهيئة الناس قبول الحصول عليها بسعر اعلى.. رفع الاسعار.. واعادة الدورة..
هذا حصل في المواد الغذائية الأساسية (الرز السكر الزيت..) وفي المحروقات (البنزين الغاز المازوت) وطبعا منذ حوالي العام بدأت هذه السياسة تطبق على الخبز..
لم يعد ممكنا ان يحصل المواطن على الخبز عند الحاجة في اي وقت كما كان الحال خلال العقود الماضية، تم ضبط العملية باجراءات متتالية انتهت بتحديد الكميات وفق بطاقة الكترونية تتيح لكل عائلة ان تأخذ كفاف يومها من الخبز في حال توفر الطحين، وتم تشديد هذه الإجراءات تباعا بقرارات بمنع حصول الشخص على مخصصات لاكثر من عائلة، فيجب ان تنتدب كل عائلة فردا منها ليقف في الطابور ساعات طويلة للحصول على الخبز.. وازداد طول الطوابير يوما بعد يوم..
الذي حصل بان ليس كل الأفران تحصل على الطحين، لم يعد بإمكان الحكومة ان تؤمن الطحين المدعوم لكل المناطق، فأصبح المواطنون يسافرون كل يوم الى اقرب فرن للحصول على مخصصاتهم.. وهذا بطبيعة الحال يزيد التكاليف فالتنقل ليس بالأمر السهل اليوم في سوريا..
الإجراء الأخير في عملية التسويف لحرمان الناس من لقمة العيش كان في بدعة جديدة..
يسوقون اليوم لما أسموه "الخطة الشهرية" و"التواجد المكاني".. (تحسب أسماء الخطط المتعلقة بالأساسيات اسماء عمليات لاطلاق منصات على صواريخ للفضاء.. المهم..) وهذه الخطة باختصار تمنع السكان من الحصول على الخبز من مناطق غير مناطق سكنهم.. وهذا خطير.. لماذا؟
لان معظم سكان العاصمة اليوم مهجرين من مناطق جرى فيها النزاع وغير مسجلين في مناطق المدينة التي يعشيون فيها مجبرين وبالتالي لن يحصل هؤلاء من سكان الريف المدمر والمدن المنكوبة على حصصهم وهم بمئات الالاف.
ثانيا الطحين لا يصل الى الريف عموما بشكل منتظم وبعض المناطق اغلقت فيها الافران، وحتى في المدينة كثر من المناطق لا يكفي فيها الطحين لكافة السكان لاسباب متعددة ومعظم سكان الريف او الضواحي يسافرون يوميا الى مراكز المدن للحصول على مخصصاتهم.
هذه الشرائح هي الافقر والاكثر عوزا ستعاني للحصول على الخبز، وللذين لا يعلمون فان سعر ربطة الخبز في السوق السوداء يقارب الف ليرة سورية اي اذا كانت عائلة مؤلفة من 7 اشخاص بحاحة لربطتين خبز وهذا سيستهلك الراتب الشهري بشكل كامل.
لا اعرف من هو وراء هذه القرارات، وهل هذه القرارت بسبب العجز في تأمين الطعام للناس الذين اصبح معظمهم تحت خط الفقر، ام هي سياسة "اصلاح" اقتصادي تقودها كما اشارت مجلة "الايكونويست" اسماء الاسد لتوفير موارد اضافية لاطالة عمر النظام على حساب الناس؟!
نضال معلوف
تابع قناة اليوتيوب.. اضغط هنا