بنات الخطا و "الشلكّات" ..  في حياة اهل الشام .. !؟

قد يبدو لفظ "شلكات" كلمة نابية في زماننا ولكنه كان لفظاً شائعاً في حياة الدمشقيين خلال تاريخهم ، وتدل الكلمة على "العاهرات" اللواتي جاء ذكرهن في اكثر من موقع في السير الشعبية المحدودة التي وصلت الينا ..

قد يبدو لفظ "شلكّات" كلمة نابية في زماننا ولكنه كان لفظاً شائعاً في حياة الدمشقيين خلال تاريخهم ، وتدل الكلمة على "العاهرات" اللواتي جاء ذكرهن في اكثر من موقع في السير الشعبية المحدودة التي وصلت الينا ..

في المذكرات اليومية التي كتبها "الشيخ احمد البديري الحلاق" ينقل لنا اربعة قصص حول "شلكّات" الشام التعبير الذي يتضمن ما كان يوصف بالعاهرات، بنات الخطا، بنات الهوى، او المومسات  ..


لمشاهدة تقرير مصور يعرض الوثائق بالفيديو .. اضغط هنا ..


اشهر هذه الروايات عن فتاة اسمها سلمون بنت هوى عاشت في منتصف القرن الثامن عشر ( 1744 ) وكان لها من الشهرة بان افتتن بها سكان دمشق واصبحوا ينسبون المتاع والالبسة اليها فيقولون هذا الاثاث "سلموني" وهذا اللباس "سلموني" وهكذا ..

ومن حظها "العاثر" صادف وجودها في احد الايام ( بحسب ما ذكر البديري ) في الشارع بحضور قاضي دمشق، وتقول الرواية بانها تهجمت عليه وهي سكرى و"مكشوفة" الوجه ، ومنعها عن القاضي اعوانه.

اجتمع القاضي مع الوالي والمتسلم ( مسؤول عن سنجق او قطاع ) والمفتي وصدرت فتوى باهدار دمها، وتم قتلها.

وتمت اذاعة الفتوى على اهل دمشق بهدر دم اي "فتاة خطا" مثلها !

القصة الثانية كانت ايضا في العام 1748 وكان على رأس الحكم في الشام والٍ اسمه اسعد باشا ، حيث اجتماع زعماء دمشق ( ديوان ) وتقدموا بشكوى الى الباشا بكثرة " المنكرات" من بائعات الهوى واجتماعهن في الازقة والاسواق وتواجدهن امام الدكاكين والمقاهي والافران .. وطلبوا ان يتم وضع حد لهذا الامر اما بترحيلهن او تحديد اقامتهن في مكان ما ..

والطريف بان اسعد باشا لم يستجب للشكوى خوفا من دعاء "بنات الهوى" عليه في الليل والنهار .. ولم يفعل لهن شيئا.

في مرة ثانية وتلبية لشكوى اخرى اوردها "البديري الحلاق" امر الحاكم ان ينفى "الشلكات" خارج البلد ، وقام بحملة تفتيش واسعة عليهن، وامر النساء ما عدا "اصحاب المكانة" بكشف وجهوههن للتعرف على بنات الخطا والقاء القبض عليهن، وبحسب يوميات "البديري" تراجعت الظاهرة لوقت من الزمن ، وما لبثت ان عادت اكثر من الاول .. فقام الحاكم بفرض غرامة عل كل وحدة منهن ( عشرة قروش) وعين رئيس حرس عليهن لضبط سلوكهن قدر الامكان.

القصة الاخيرة التي اوردها البديري في ذات الفترة ايضا .. بان فتاة هوى عشقت "غلاما" من الاتراك ، فمرض فنذرت ان شفي لتقرأن له مولدا عند الشيخ رسلان ، وعندما شفيت جمعت "شلكات" البلد و "مشين في اسواق الشام وهن حاملات الشموع والقناديل والمباخر وهن يغنين ويصفقن بالكفوف ويدققن بالدفوف، والناس وقوف صفوف تتفرج عليهن، وهن كاشفات الوجوه سادلات الشعور.. والصالحون يرفعون اصواتهم ويقولون الله اكبر" ..

ما اورده البديري حول ما يمكن تسميته بـ "البغاء" تؤكده وثائق المحاكم الشرعية التي تم نشر بعضها في كتاب صادر عن جامعة دمشق باسم "المرجع في حوادث دمشق اليومية" ..

حيث هناك العديد من هذه الوثائق التي تشير الى وجود نساء ذوات سلوك سيء او كما كان يطلق عليه "شرير" وعادة ما كان يطالب اهل الحي بطرد مثلهن خارجه ..

في وثيقة تحمل الرقم 339 من وثائق المحكمة الشرعية صادرة في العام 1729 حضر جماعة من سكان محلة القبيبات ( في منطقة الميدان التحتاني) وعددهم ثلاثة وعشرون رجلا واحضروا معهم "الحرمة بدرة" وابنتها "الحرمة آمنة" واشتكوا عليهما بانهما تسلكان "المسالك غير الحميدة" .. .. وان الام تدخل الرجال الاجانب على بنتها آمنة ..

فحكم الحاكم باخراج الفتاتين من المحلة المذكورة ..

تكررت هذه القضايا في اكثر من موضع في وثائق المحاكم الشرعية، وطردت نساء بتهم الفجور والفساد والشر في اكثر من مرة ، جراء دعاوى اقامها السكان عليهن في مناطق متعددة في الشام ..

في المصادر الغربية التي كان لي فرصة في الاطلاع على بعضها ، كتابات المستشرقين والرحالة وبعض المقالات عن المنطقة المصحوبة بالرسوم لم اجد مرجعا ( حتى الان ) يمكن الاعتماد عليه للتعرف على حياة "الليل" في دمشق ، سوى بعض الكتابات عن سهرات في بيوت مكونات المجتمع من "غير المسلمين" والتي عادة تكون مرتبطة بوجود الاجانب من الموظفين والقناصل والتي كان يتم ذكر وجود خادمات وراقصات للتسلية والترفيه عن الضيوف ، وهذا يمكن ان نفرد له مقالاً منفصلاً في وقت لاحق.

نضال معلوف

 


المواضيع الأكثر قراءة

SHARE

close