وجهة نظر مع نضال معلوف
كنا عايشين..
اجتاح وسم كنا عايشين وسائل التواصل الاجتماعي في الايام الماضية مرفقا بصور ومعالم من الدول التي لجأ اليها السوريين مهجرين من بلدهم واسماء لمناطق ومرافق وشوارع في سوريا للمقارنة بين مستوى المعيشية خارج وداخل سوريا.
اكتشف السوريون بأن ما لديهم - وكانوا يعتقدون بأن ما لديهم لا يحصل عليه غيرهم بسهولة - موجود في كل بلاد العالم، بل اكتشفوا بأن ما لديهم هو الحد الادنى مما يتوفر للساكنين في البلدان الاخرى.
اسطورة "الانجازات" من ورق سقطت بالضربة القاضية، اسطورة "البلد يلي طعماكن ورباكون وعلمكن" انتهت، واكتشفوا واندهشوا بان هذا امر طبيعي وبأن كل دول العالم توفر لمواطنيها - بالحد الادنى - ما كان يعتبر انجازا غير مسبوق لاجيال بين السوريين تبين أنه مجرد وهم وخديعة.
كنا عايشين..
بالطبع بالمقارنة مع ظروف اليوم، كنا عايشين.. ولكن هل كان هذا المصير الذي وصلنا إليه اليوم محتوم؟
انا سأشارك بالحملة ولكن لن ارفق صورا لمعالم مذهلة بالنسبة لي في أصغر مدينة في البلد الذي أعيش فيه، لن اقارن المباني والشوارع والمرافق.. لن افعل ذلك..
ساقول ما لفت نظري هنا.. وكان مدهشا على طول السنوات العشر الماضية؟
لفت نظري دورية الشرطة التي تمر كل ساعة من أمام بيتي لم تغب ساعة واحدة منذ عشر سنوات، عمال النظافة الذين اصدفهم وانا اقوم برياضتي الصباحية يكنسون الشوراع والحدائق والمرافق وكأنهم يعتنون ببيوتهم، لم يغيبوا يوما حتى في اصعب الظروف حتى في أيام الحظر بسبب كورونا، لم تكن يوما المدينة قذرة مهملة كما كانت حال الشوارع دائما في بلدي.
لفت نظري سيارة القمامة التي تأتي الساعة 7:45 دقيقة ويمكن ان اعتمدها منبها للاستيقاظ.. لفت نظري الخدمات المتوفرة وسهولة متابعة الاجراءات والمعاملات..
لفت نظري الدولة.. فهمت ماذا يعني دولة وبلدية ومؤسسات..
كنا عايشين..
بكل الاحوال الرمد أحسن من العمى.. وربما يوما ما كنا سنصل إلى ما وصل اليه غيرنا.. ويصبح عندنا دولة ومرافق وابنية عالية وشوارع نظيفة..
عندما يصل شخص الى السلطة يصل بأعين مفتوحة متفحصة يراقب كل شيء ولديه الحساسية ليلتقط كل الاشارات ويحاول ان ينجح في مهامهه وينجز ما يجب ان يكون على اكمل وجه.
لو فرضنا بان هذا الواصل الى السلطة صاحب اخلاق محب لبلده وطني لديه الارادة ليبني ويطور.. ولكن تخيلو معي انه في لحظة ما لم يعد يلتقط الاشارات التي ترشده.. لم يعد لديه اي معيار ليدرك ما اذا كان الذي يفعله صحيح ام خاطئ.
الوضع تماما مثل شخص يقود سيارة وهو صاح متحفز ينتبه لمؤشر السرعة لاشارات الارشاد على الطريق الى الاصوات الصادرة من سيارته ومن السيارات الاخرى يرى المطر فيقوم بتشغيل المساحات.. ينزل عليه الضباب فيخفف السرعة.. وهكذا..
تخيلوا لو ان هذا الشخص قام بقيادة السيارة وهو اعمى واطرش لا تصله اي اشارة من اي نوع كان؟..
مهما كان هذا الانسان خارق، حسن النية، طيب القلب، محب، عظيم، رائع.. في النهاية سيكون مصيره ومن معه محتوم..
ليلتقط من هو في موقع المسؤولية الاشارات يجب ان يكون في مجتمع حي قادر على اطلاق الاشارات، اشارات الارشاد والتحذير، وحتى قادر على ان يقوم بالمحاسبة في حال وقعت المخالفات.
قادر على تطبيق نظام الحكم الذي وصلت اليه البشرية نتيجة تطور العلوم السياسية، فصل السلطات، التعددية الحزبية، تداول السلطة، دولة القانون والمؤسسات..
ويندرج في هذه المحددات بالاطار العريض موضوع الحريات، حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الاختيار، الانتخاب تحت سقف القانون وبما ينص عليه الدستور..
في هذا النظام الذي مرة اخرى كان نتيجة تطور العلوم والاستفادة من الاف السنين واستخلاص عصارة التجربة البشرية، سيبقى المسؤول صاح وعلى الطريق الصحيح وان غفل سيتم تنبيهه وان هم بارتكاب الخطأ يتم تحذيره وان اخطأ يحاسب لكي لا يعيد الكرة.. وان ارتكب جرما تتم محاسبته واقصاءه..
ليس هدف الديمقراطية شتم الرئيس، هذا اثر جانبي امر لا يأخذ بالحسبان امام الفوائد الهائلة التي يوفرها هذا النظام، لا يهم اذا تم شتمه وانتقاده او انتقاد اي مسؤول او السخرية من اي جهة..
الدول لا تأبه لهذا الامر.. تتجاوزه لتبقي على قدرتها في تحقيق المصلحة العامة..
كنا عايشين..
معنى الحديث ما وصلنا اليه اليوم امر محتوم عندما يعتقد المسؤول عن البلد انه قادر على القيادة على "العمياني" وانه يمتلك من القدرة والموهبة ما يجعله نصف آلهة او آلهة كاملة بحيث اذا انحرف عن المسار.. وخرج عن الطريق.. لديه من القدرة بحيث يلحق به الطريق ويكون الطريق حيث يسير..