الصراع على حجز مكان على المتوسط ممتد عبر التاريخ، لما له من اهمية استراتيجية تصل قارات العالم القديمة مع بعضها البعض، والفينيقيون أول من عرف هذه الاهمية وازدهرت حضارتهم من خلاله وصدروها لكل العالم عن طريقه.
وفي سوريا يعتبر مرفأ اللاذقية الميناء التجاري الابرز وأحد أهم الفروع الرئيسية للحياة الاقتصادية، يتم عن طريقه استيراد وتصدير معظم حاجات البلاد غير النفطية.
و يعود تاريخ المرفأ للحقبة الفينيقية ومملكة اوغاريت، وازدهر خلال الحكم السلوقي نتيجة العناية التي حازتها المدينة خلال حكمهم، ونشطت من خلاله السفن التجاري نحو تركيا، اليونان ومصر.
وتقلصت أهميته حتى تحول إلى مرفأ للصيد خلال الحكم العباسي، كما لم تبد الدولة العثمانية أي اهتمام به، وكانت أغلب السفن التجارية تقصد مرفأ بيروت ومرفأ إسكندرونة.
وفي عهد الانتداب الفرنسي وتحديداً في عام 1925 تمت توسعة الحوض الصغير الذي لم يكن أهلاً لاستقبال السفن الكبيرة، وفي عام 1931 أنشأ الرصيف الشمالي بطول 276م وعمق 4.5 م فيه إذ كان سابقاً من دون أرصفة، ولم يتحول إلى مرفأ رئيسي، إلا بعد الاستقلال، وبقرار سيادي سياسي أكثر منه اقتصادي.
وبعد استقلال سوريا ولبنان، بدأت العلاقة بين البلدين بالتوتر بسبب شعور السوريين بالغبن من هيمنة الرأسمال اللبناني على اقتصادهم، فقد كانت الحكومة اللبنانية ترفض الوحدة الاقتصادية الكاملة وتصر على الإبقاء على الوحدة الجمركية فقط التي تخدم مصالح التجار اللبنانيين وحدهم، وكانت الجمارك المشتركة مرؤوسة دائما من اللبنانيين الذين رفضوا تداول رئاسة الهيئة بين البلدين، بالإضافة لتمتع اللبنانيين بميزة حصرية الوكالات الأجنبية لكل من سورية ولبنان.
ولأن المرفأ المشترك كان في بيروت، فلم يكن في سوريا مرفأ مستقلا، وعند تشكيل خالد العظم حكومته الثانية (16 كانون الاول 1946) ، حل الوحدة الجمركية مع لبنان وأنشأ مرفأ اللاذقية، وبدأت الحكومة ببناء مخازن المحروقات، ووسعت شبكة الطرق الحديدية وأقامت مشاريع للري، خلال 6 أشهر.
ورأى العظم ضرورة أن يكون لسوريا مرفأ تسيطر به على سياسة التصدير والاستيراد، كما أن الفائض الممكن تصديره من الناتج الزراعي والصناعي السوري متمركز في شمال وشرق البلد، لذا فإن إقامة مرفأ في اللاذقية سوف يختصر أكثر من نصف المسافة إلى بيروت.
أما تأسيسه الفعلي فيعود للمرسوم رقم 38 الصادر في 12 شباط 1950 القاضي بتأسيس شركة مرفأ اللاذقية التي تتبع القطاع العام وأوكل إليها بناء مرفأ حديث لاستقبال السفن التجارية، تحت إشراف وزارة النقل وألحقت به ثلاث شركات هي شركة التوكيلات الملاحية والمديرية العامة للموانئ والمؤسسة العامة للنقل البحري.
وقامت الحكومة بين عامي 1953 و1956 ببناء مكسر بطول 1432 مترًا يحمي الحوض بمساحة 55 هكتار، كما بني الرصيف الثاني عام 1958 وتم إنشاء صوامع للحبوب سعتها 35 - 40 ألف طن.
وسع المرفأ مرتين عام 1981 و1984 وبموجب هذه التوسيعات أصبح يحوي أربعة عشر مربطاً لرسو السفن إضافة إلى أحد عشر رصيفاً، بطول إجمالي 2190 وبنهاية المرحلة الثانية من التوسع أصبحت طاقته 15 مليون طن.
وحالياً فإن المرفأ ذو سعة التخزين مقدرة بحوالي 620 ألف حاوية، موزعة على 23 رصيف، وقد بلغ عدد السفن التي أمته عام 2007 ما يقارب1800 سفينة، بلغت إيرادات المرفأ عام 2011 حوالي 2.4 مليار ليرة.
كما كان للمرفأ دور في الاحداث السياسية فعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر، أضرب عمال الميناء ورفضوا تفريغ أو تحميل البواخر البريطانية والفرنسية، وفي تشرين الثاني 1957، استقبل الميناء أحد أفواج الجيش المصري ليدعم سوريا من تهديد تركي محتمل، وبعد ذلك بسنوات رفض الميناء أن يستقبل فوج آخر من الجيش المصري، جاء ليمنع الانفصال.