الثورة السورية: قصة نجاح ودرسٌ للعالم ...بقلم : محمد محمود الهلال

الثورات على مرِّ التاريخ كانت دائمًا شعلة الأمل للشعوب التي تطمح للحرية والخلاص من الاستبداد. لكن الثورة السورية، التي انطلقت في عام 2011، تميّزت عن معظم ثورات العالم بقدرتها على مواجهة قوى الظلم والاستبداد، رغم التحديات العصيبة والمؤامرات التي أحاطت بها. لقد كتبت الثورة السورية فصلًا جديدًا في تاريخ الحرية، وأثبتت أن إرادة الشعوب لا تُهزم مهما اشتدت المحن.

 

الثورة السورية لم تكن مجرد انتفاضة شعبية ضد نظام استبدادي، بل كانت حركة شعبية شاملة، اختلطت فيها التضحيات الفردية بالجماعية، وامتزجت فيها القيم الوطنية مع الكرامة الإنسانية. خلافًا لكثير من الثورات التي انتهت بتغيير شكلي للسلطة أو بقيت أسيرة الفوضى، فإن الثورة السورية حققت انتصارًا عميقًا بإسقاط نظام بشار الأسد، الذي كان رمزًا للطغيان والفساد لعقودٍ طويلة.

 

نجاح هذه الثورة ليس فقط في إسقاط النظام، بل في بناء واقع جديد يعيد الكرامة للشعب السوري. هذا النجاح جاء نتيجةً لصمود الشعب السوري أمام تحديات غير مسبوقة. من قصفٍ وحصارٍ وتشريدٍ، إلى استخدام النظام لأبشع وسائل القمع كالسلاح الكيميائي والمحارق. ورغم كل ذلك، أثبت السوريون أن الشعوب التي تحمل مشاعل الحرية لا تنطفئ جذوتها.

 

الثورة السورية واجهت تداخلات دولية وإقليمية ضخمة، حيث دعمت قوى كبرى النظام المستبد بالمال والسلاح، ومع ذلك نجحت الثورة في الصمود والانتصار. القتال لم يكن فقط على أرض سوريا، بل كان صراعًا مع منظومة دولية حاولت وأد الثورة بشتى الطرق. الثورة السورية لم تكن محصورةً في فئةٍ أو طائفةٍ معينة، بل كانت صوت الشعب السوري بكل أطيافه. هذه الوحدة التي جمعت السوريين تحت شعار الحرية والكرامة جعلت الثورة مثالًا على تجاوز الانقسامات، وبناء وطن قائم على العدل والمساواة.

 

سقوط دمشق، عاصمة الأمويين، في يد الثورة، كان نقطة تحول كبيرة. فالعاصمة التي كانت رمزًا للاستبداد أصبحت رمزًا للحرية والانعتاق. "فتح دمشق" لم يكن فقط حدثًا عسكريًا، بل لحظةً تاريخيةً أكدت أن الشعوب قادرة على استعادة عواصمها مهما طال زمن القهر. لقد نجحت الثورة في الإطاحة بنظام الأسد، الذي حكم سوريا بقبضة حديدية لأكثر من خمسة عقود، وحررت البلاد من قبضة الطغيان. أصبحت الحرية واقعًا ملموسًا في سوريا الجديدة. من حرية التعبير إلى حق المشاركة في صنع القرار، تغيّرت مفاهيم الحكم وأُعيدت الكلمة للشعب. الثورة السورية أصبحت ملهمةً لشعوب المنطقة والعالم، مؤكدةً أن الشعوب قادرة على التغيير رغم كل التحديات.

 

الثورة السورية كانت درسًا للعالم بأسره. أثبتت أن الكرامة لا تُباع، وأن الحرية لا تُشترى. أن الشعب الذي ينهض ضد الظلم قادر على تجاوز أعتى العقبات. إنها درسٌ لكل الأنظمة الاستبدادية بأن الزمن الذي تُكمّم فيه الأفواه قد ولّى، وأن الشعوب لا تنسى حقوقها مهما طال الزمن.

 

اليوم، وبعد انتصار الثورة، تقع المسؤولية على عاتق السوريين جميعًا. إعادة بناء سوريا هي التحدي الأكبر، وهي فرصة لكل سوري في الداخل والخارج للمساهمة في كتابة هذا الفصل الجديد من تاريخ الوطن. الثورة ليست مجرد ذكرى، بل هي مشروعٌ مستمر يتطلب العمل، والتكاتف، والإصرار على بناء دولةٍ حرةٍ تليق بتضحيات الشهداء.

 

إن الثورة السورية ليست فقط حدثًا في الماضي، بل هي نبراسٌ يُنير المستقبل، ورسالةٌ لكل الأجيال بأن الكرامة والحرية هما أساس بناء الأوطان. سوريا الجديدة، التي خرجت من رحم الثورة، هي سوريا التي نستحقها جميعًا.

 

*الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع

*ارسل مساهمتك على الايميل [email protected]

 

 

 

 

 


المواضيع الأكثر قراءة

SHARE

close