مساهمات القراء

الفنانون والسياسة: عندما يتحول الجهل إلى تنظير ...بقلم : محمد محمود الهلال

25.02.2025 | 18:35

في الآونة الأخيرة، باتت بعض الأصوات غير المختصة تتعالى في المشهد السياسي السوري، حيث نرى فنانين ومشاهير، لا يملكون أي خبرة سياسية أو إدارية، يدلون بتصريحات حول مستقبل سوريا، وكأنهم مؤهلون لاتخاذ قرارات مصيرية تمس البلاد والشعب. بل إن بعضهم وصل إلى حد الادعاء بأنهم لايمانعون الترشح للانتخابات الرئاسية، وكأن إدارة دولة بحجم سوريا مجرد مشهد تمثيلي يمكن التدرب عليه في كواليس المسرح أو استوديوهات التصوير. وكأن الحكم مجرد دور سينمائي جديد ينتظرونه. يتجاهلون أن القيادة تحتاج إلى عقود من الخبرة السياسية والإدارية، لا إلى شعبية قائمة على أدوار درامية. يتعاملون مع السياسة كما لو كانت مشهدًا يمكن إعادة تصويره وتصحيحه، غير مدركين أن القرارات السياسية تمس حياة الملايين ولا يمكن تحمل عواقبها الخطيرة لمجرد أنهم اعتقدوا أنهم مؤهلون لمجرد أنهم معروفون.

 

هؤلاء الذين لم يشاركوا يومًا في أي عمل سياسي حقيقي، فجأة تحولوا إلى "محللين استراتيجيين"، يتحدثون عن الاقتصاد والفقر وكأنهم خبراء ماليون، يلقون باللوم على السياسات الاقتصادية دون أدنى معرفة بتعقيدات الواقع الاقتصادي العالمي وتأثيراته على سوريا. آخرون صاروا "خبراء في التعليم"، ينتقدون المناهج التربوية والإصلاحات، متناسين أنهم لم يشاركوا أبدًا في أي مبادرة أو نقاش جاد حول تطوير التعليم، بل كانوا مجرد ممثلين يعيشون في عالم افتراضي بعيد عن هموم المواطن الحقيقية.

وعندما ننظر إلى ماضي هؤلاء، نجد أن معظمهم كانوا صامتين عندما كان النظام الفاسد في أوج قوته. لم يجرؤوا على انتقاد الظلم، لم يتحدثوا عن الفساد، ولم يدافعوا عن الشعب عندما كان بحاجة إلى صوت يدعمه. كانوا يعيشون في رفاهية، يجنون الأرباح من الأعمال الفنية التي لم تكن معظمها إلا عالمًا خياليًا بعيدًا عن الواقع القاسي الذي يعيشه المواطن السوري. وعندما جاءت لحظة الحقيقة، اختار معظمهم الرحيل إلى الخارج، مستفيدين مما جمعوه في ظل الفساد، وبقي الشعب يواجه المحن وحده.

الآن، وبعد أن استقروا في الدول الأجنبية وعاشوا في الأمان والرفاهية، عادوا إلينا في ثوب "المناضلين" و"الخبراء"، يوزعون النصائح ويتحدثون عن مستقبل سوريا وكأنهم كانوا جزءًا من النضال الشعبي. أين كانوا عندما كان الشعب السوري يعاني؟ لماذا لم نسمع صوتهم عندما كانت البلاد تغرق في الفوضى؟ لماذا لم يستخدموا شهرتهم حينها للحديث عن معاناة الناس؟

نقول لهم بوضوح: إن كنتم تريدون الخير، فليكن ذلك من خلال أفعال حقيقية. وإن كنتم ستستمرون في استغلال شهرتكم لنشر الجهل وخلق الفوضى، فالأفضل أن تتابعوا صمتكم كما فعلتم في الماضي. سوريا بحاجة إلى عمل جاد، إلى قيادات حقيقية تفهم تعقيدات الحكم والمسؤولية، لا إلى ممثلين يحاولون لعب دور الزعيم الوطني .

السياسة ليست مجالًا للتمثيل، وإدارة الدولة ليست دورًا سينمائيًا يمكن التدرب عليه. من أراد الحديث عن السياسة، فليتعلم أساسياتها أولًا، وليدرك أن مستقبل سوريا لن يُصنع من وراء الكاميرات أو على منصات التواصل الاجتماعي، بل من خلال العمل الجاد والتضحيات الحقيقية. نحن لا نحتاج إلى شعارات جوفاء ولا إلى نجوم يبحثون عن أضواء جديدة في عالم السياسة. فليبقوا في مجالهم، وليتركوا إدارة الدولة لأهلها، لأن سوريا ليست بحاجة إلى مزيد من الارتجال

 

---------------------------------------------------------------

*الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع

*ارسل مساهمتك على الايميل [email protected]

 


TAG: