مساهمات القراء

حوارات حول الحرية ... بقلم : وائل أبو سلمى

29.01.2025 | 22:12

يسألني صديقي الطيب : ما هي الحرية ؟ و أنا بدوري أتساءل : لماذا هذا السؤال الآن ، و ما هي خلفيته؟ يجيبني : لقد صُدعتْ رؤوسُنا بذلك المفهوم ، فكل شخص لديه توصيف و معنى يختلف عن آخر ،

النخب تقول إن الحرية أن تفعل ما يحلو لك ، على ألا تؤذي غيرك ، و كل أديان الأرض تقول إن الحرية المطلقة هناك في النعيم الأبدي بعد الموت ، و ليست في هذه الحياة ، أو إنها في نهاية المطاف ، و عليك أن تسعى و تؤمن نفسك بالعبادة و الطقوس كي تستحقها ، إنها الجنة .

و تأتيك الفلسفة بالإرادة الحرة و ما إلى ذلك ، حتى فقدنا البوصلة ، و ضقنا ذرعاً بهذا التشتت و الضياع ، فماذا علينا أن نفعل !

لقد عشنا - كسوريين - أكثر من خمسين عاماً كالعبيد مسلوبي الحقوق ، تحت حكم ديكتاتورية عز نظيرها في تاريخ البشرية قاطبة ، تمثلت بالبعث و الطواغيت من عائلة الأسد ، و ما فعلت بنا تلك العائلة المجرمة ، من انقسامات و اصطفافات سياسية و دينية و مذهبية ، حتى بات هذا التشظي في الأسرة الواحدة ، و ها أنت ترى كم استمر نضالنا و كفاحنا في ثورتنا لاسترداد حريتنا و كرامتنا المسلوبة ، زادت على عقد من الزمن عذاباتنا ، و مآسينا و آلامنا ، و تشردنا تائهين في أصقاع الأرض ، مطرودين من بلادنا ، و من أية أرض تطؤها أقدامنا ، صحيح أننا لقينا من منحنا مأوى  هنا و آخر هناك ، تحت ضغوطات المصالح الدولية و الإقليمية ، إلا أننا مهددون دائماً بالترحيل ، و غير مرحب بنا تقريباً أينما ولينا وجهنا ،

و كم كان الموت مجانياً يا صديقي ، بحار تبتلعنا و تلفظنا موتى على رمال الشطآن ، و براميل تمطرها السماء على رؤوسنا تنثرنا أشلاء ، أو تدفننا تحت أنقاض أعمارنا أفنيناها نبني سقفاً يأوينا و نسنده بأرواحنا المتعبة ، يحمينا من برد و حر الدنيا . هل يكفي هذا أم أزيدك ؟ نعم أسألك و أسأل نفسي : ما هي الحرية ؟

و أقول له : لا يا صديقي ، أنا من سيزيدك من الشعر معلقات  و ملاحم ، لكن انتظر قليلاً ، تناول قهوتك و انت تنظر من تلك النافذة ، إلى كل هذا المدى السماوي ، اهدأ قليلاً يا صديقي الطيب .

بادىء ذي بدء ، أتساءل إن كنت جاداً في طرح هذا السؤال ، و إن كنت تدرك عمقه ، لأن مبحثاً كالحرية هو بمثابة الدخول إلى أدغال الحيوانات المفترسة بكل ما ينتظرنا من أخطار ، إن لم نكن جادين و حذرين أيما حذر ، بكامل انتباهنا ، و بكل ما أوتينا من طاقة للحياة ، هذا المبحث يا صديقي ليس مفهوماً كما أسلفت ، و لا لعبة نتسلى بها لملء الوقت ، بل هو أهم ضرورة في حياتنا ، بعد أن عشنا كل تلك المعاناة التي ذكرتها ، و مازلنا نعيشها ، كل هذا الضياع و التيه و المآسي ، و لكي نرى حقيقة الحرية ، هل تمانع أن نذهب معاً برحلة نستكشف فيها بأنفسنا ما هي ؟ لأنها طاقة غير ملوثة ، و المرء يحتاجها ليرى الحياة على حقيقتها ، كما هي عليه بجمالها و روعتها و عمق ثرائها و طزاجتها ، و يعيش سعيدا  هانئاً ، بسلام و طمأنينة .

 

في رحلتنا هذه يا صديقي الطيب ، سنخترق حدود المألوف ، سنغرد خارج السرب ، سنحطم الصندوق ليس فقط نفكر خارجه ، لا نريد أن نكرر ما قالته الفلسفة ، أو الآداب الإنسانية ، و لا الأديان ، و لا العلم حولها ، لأننا إن فعلنا ذلك ، و كأننا دخلنا أدغالاً فيها من المفترسات ما يرعب ، فمن الضروري جداً أن نبدأ أحراراً ، بعد أن نرمي عن كاهلنا كل تلك الأحمال مما أنتجه الفكر البشري ، يجب أن تكون الحرية ذاتها ، الخطوة الأولى و هي الأخيرة على أية حال ، فهل هذا ممكن ؟ هل نستطيع نحن الناس العاديين ، غير الحاصلين على شهادات عليا في هذا و ذاك ، و بالكاد قرأنا كتبنا المدرسية ، و لا نذكر غير نشيد ماما ماما يا أنغاما ، و باسم و رباب ، هل نستطيع الغوص في أعماق الحرية لنفهم ما هي و ننعم بها ؟ من المؤكد أن النخب لا تستطيع ، لأنها هناك في أبراجها العاجية ، تعيد تدوير نفسها عبر التاريخ ، بأشكال مختلفة ، و بأدوات كل عصر و مفاهيمه ، و هي مرتهنة لفكرها و نظرياتها ، التي لم تسمن و لم تغنِ عن جوع على مر العصور ، فهل نستطيع ذلك نحن البسطاء ؟ إذا كان جوابك بلا ، و هذا غير ممكن ، دعنا ننهي الحديث و نستمع لأم كلثوم أو عبد الوهاب ، لأنك أقفلت الطريق ، و إن كان جوابك بنعم ، نستطيع أن نرمي عن كاهلنا كل تلك الأعباء و الأثقال مما أنتجه الفكر البشري حول الحرية و غيرها من أشياء الحياة ، ستكون النتيجة نفسها ، فدعنا إذاً نشاهد مسلسل باب الحارة ، أو أي شيء تقترحه لنملأ الوقت ، و أقول ذلك بهدف البحث و الاستكشاف .

- حسنا  ، ماذا تقترح إذا  ؟ لأنك جعلت الأمر معقداً للغاية ، فأنت لا تريدنا أن نسترشد بشيء ، لا الفلسفة و فلاسفتها ، و لا الآداب و أدبائها و لا العلوم و علمائها و لا الفكر و المفكرين ، و لا الدين و رجاله ، لقد وضعتنا في صحراء قاحلة طاحنة ، تحت شمسها الحارقة ، و بقلب صمتها المرعب ،

كيف نبدأ رحلتنا إذاً ؟ اسمع يا صديقي ، لماذا نسترشد بهذا و ذاك ؟ الكل سيجيبك من زاويته الضيقة المحدودة ، التي أفنى عمره يدرسها و يحاضر بها ، و نظرياته و آرائه الشخصية ، و ربما يكون كل ذلك بعيداً كل البعد عن حقيقة الأمر و واقع الحال ، مهما كان عميقاً و بليغاً في طرح نظرياته المضللة ، أقول ربما ، فالنظريات و الفرضيات لا علاقة لها بالواقع فهي قديمة و بالية لا تصلح لطزاجة " الآن " لأن الآن و ما يحصل هو الواقع و هو الحقيقة ، و هو متغير دائماً على مدار اللحظات ، أما النظريات فهي من الماضي ، حتى لو كانت قبل ساعة واحدة ، و استرشادك بالماضي يجعلك تنكر الحاضر ، و إن واجهت ذلك النخبوي بشيء حقيقي ، سيقول لك : " من أنت ؟ و ما هي مؤهلاتك العلمية لكي تناقشني في هذا ؟ " أي أنه يمارس عليك سلطة المثقف النخبوي ، و عليك أنت السمع و الطاعة ، و هذا أيضاً ينطبق على رجال الدين و رجال السياسة و رجال العلم و كل ما يخطر على بالك من النخب . لذلك لا بد من أن نبدأ أحراراً من كل ما أنتجه الفكر البشري بكل أشكاله ، فقد عفا عليه الزمن . هل بدأت تستشف شيئاً عن ذلك الشيء المسمى حرية ؟ فيا صديقي الطيب ، أقترح أن نبدأ بأننا لا نعرف شيئاً عنها ، و هذا لعمري هو التواضع الحقيقي ، بعيداً عن عنجهيات النخب الثقافية و رجالاتها ، و بهذا نكون قد بدأنا بنزاهة غير ملوثين . الآن ، ما هي الحرية ؟ يتبع ....

 

---------------------------------------------------------------

*الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع

*ارسل مساهمتك على الايميل [email protected]


TAG:

ادارة العمليات العسكرية: تنصيب الشرع رئيساَ للمرحلة الانتقالية وإلغاء العمل بدستور 2012

اعلنت ادارة العمليات العسكرية تولي أحمد الشرع، رئاسة البلاد وتمثيلها رسمياً خلال "المرحلة الانتقالية"، وحل جميع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق ومجلس الشعب وإلغاء العمل بدستور سنة 2012.

بيدرسن: هناك اجماع دولي لدعم سوريا.. ويجب تحقيق الانتقال السياسي الشامل

اعلن الموفد الاممي الى سوريا غير بيدرسن، اليوم الاربعاء، ان هناك اجماع دولي، لدعم سوريا، خاصة فيما يتعلق بمسألة العقوبات المفروضة على البلاد، مؤكداَ على ضرورة الانتقال السياسي الشامل، و مشاركة جميع الفئات في العملية السياسية ، وتشكيل جيش وطني يضم جميع الفصائل.

الهجرة والجوازات: البدء باصدار جوازات جديدة.. والتسجيل على الفوري .. وتعديل السعر قيد الدراسة

اعلنت ادارة الهجرة والجوازات في وزارة الداخلية بحكومة تصريف الاعمال، انه تم البدء باصدار جوازات سفر جديدة، بعد فتح باب التسجيل عليها، مشيرة الى ان التسيجل في الوقت الحالي على الجواز الفوري فقط، فيما سيتم فتح التسجيل على المستعجل والعادي خلال فترة قصيرة.