* لم أقطع بضعُ عشرات الأمتارٍ عن بيتي حتى قرأتُ إعلانا كبيرا يقول : انتخبوا مرشّحكم لمجلس الشعب (فلان ابن فلان) كي ننهضَ بسورية معا !!. هذه كانت جُملة الدعاية الانتخابية لأحدهم (أو برنامجهِ الانتخابي) تحتَ صورهِ الكثيرة المُلصَقَة على أسوار الجامِع في الحي !!. ولكن يبدو أن تلك الإعلان الانتخابي لم يَرُق للكثيرين فكانت كل صورهِ المُلصَقة على السور الخارجي للجامع مُمزّقةً ، ليس بِفعلِ عاصفة الهواء وإنما بِفعلِ الأيدي الغاضبة التي امتدّتْ إليها ومزّقتها !!.
*حينما كانت سورية تبدو في أوجِ أمنها واستقرارها (الذي بدا أنهُ كان مُصطنعا بينما كان الجمرُ يتّقدُ تحت الرماد) لم ينهضوا بسورية ، ولم يكُن هناك من يثقُ بانتخابات مجالس الشعب ولا يعيرها أية مصداقية ، وكان الكبير والصغير يعرفُ أنها مسرحيات فُكاهية فقط وأن الأسماء التي سوف تتعيّن في مجلس الشعب مُحدّدة مُسبقا من طرفِ الجهات والأجهزة المختصة وأنّ كل فترة الدعاية الانتخابية ليست سوى نوعا من الاحتفاء المُسبَق من طرف المُرشّحين بتعيينهم قبل أن يتم الإعلان عن ذلك رسميا تحت عنوان نجاح قوائم الجبهة ليصبحوا أعضاء (مُنتَخَبين) في مجلس الشعب!. ثم تُستكمل بقية الفصول المسرحية !.
*لن يختلفَ اليوم عن الأمس إلا بطريقة الإخراج والديكور الجديد لذات المسرح ، وذات المسرحية ، وأعضاء المجلس باتوا يعرفون أنفسهم !. ومن بينهم من هو في السُلطة منذ عام 1970 ومن منصبٍ إلى منصبٍ ، واليوم قد اقتربَ للتقاعُد بعد أن مدّدوا له حتى عُمْرِ السبعين عاما في الوزارة التي يشغل بها معاون وزير ، وقبل أن يذهب إلى بيتهُ عيّنوهُ عضوا في "مجلس الشعب القادم" !!. عِلما بأنهُ مشهورٌ بقمعهِ لِكلِّ صوتٍ كان يرتفع في صفوف الحزب أو التنظيم الشعبي الذي كان يرأسُهُ ، وينتقد(أي ذاك الصوت)الفاسدين وسلوكياتهم وممارساتهم في مؤسسات الدولة ، وتحويلها إلى مزارِع !! فكيفَ سيُدافعُ هكذا شخص عن مصالح شعب !!. لم يأتوا بأي وقتٍ بمجلسٍ ليُدافع عن شعب ، وإنما لِيُدافع عن سُلطةٍ وحُكم !!.
*ماذا قدمت هذه المجالس في تاريخها للشعب لجهة خلق دولة مؤسسات والقضاء على عقلية المزارع وثقافة المزارع والفساد والإفساد وانعدام القانون وتكافؤ الفرص ومحاسبة المسؤول الظالم والداعس على المعايير في مؤسسته ، والعقول المبرمجة في المؤسسات على عصبيات طائفية ومذهبية وجهوية وشخصية، ومحسوبيات وواسطات، وعلى صعيد وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، وتحسين ظروف المعيشة ومحاربة البطالة والغلاء ، وعلى صعيد القرارات السياسية المتعلِّقة بالسلمِ أو بالحرب ووووو ماذا قدمت هذه المجالس على كافة هذه الأصعدة ؟؟. هل قدمت شيئا ؟. اترك الجواب للجهابذة بينهم ، ومُحبِّي الأضواء ، شرطَ أن يخبروننا كيف كانت أوضاعهم المعيشية قبل أربع سنوات وكيف باتت اليوم ، رغم تراجع الأوضاع المعيشية لكافة المواطنين السوريين ، باستثناء ....... !!.
*إنْ كان دورُ البرلمانات هو فقط صياغة القوانين فلا حاجة لوجودها أصلا ، ولا حاجة لكافة تكاليفها ومصاريفها ، فيمكن تشكيل لجنة من خيرة الكفاءات القانونية في أي بلدٍ لتقوم بصياغة القوانين بالتعاون مع كافة الجهات المعنية!!.
* قبل أربع سنوات (أي في الانتخابات السابقة) كنا نسمع بعض أعضاء المجلس الحالي يتحدثون بلهجة عالية، أنهم
سيفعلون كذا وكذا وكذا وأنهم إن لم يتمكنوا من تحقيق ذلك فسوف يقدمون استقالاتهم حالا !! فلا هُم حققوا ما وعدوا به ولا هم استقالوا !! بل سمعنا عن بعضهم قصصا لا تسرُّ الخاطر !!.
* هناك من صدّقوا أعضاء المجلس الحالي حينما كانوا في مرحلة التسويق لأنفسهم ، فأرسلَ بعضهم شكاوى ضدّ مسئول جائر وظالم ، بالأدلّة والبراهين ، وكيفَ حول وزارته إلى مزرعة وأدارها بشكل مخزٍ ومعيب بحق الدولة ، وبدا أنهُ من أكبر أعداء أبناء الوطن وأبناء شُهَدائِه ،ومُخرِّب بالدولة ، واعتمَدَ نهج الشخصنات والكيد وتغييب كل المعايير ، وعلى مبدأ هذا خْيَارْ وهذا فقُّوس ، مع تحيُّزٍ واضحٍ لأبناء مدينته وكأنه لا أحدا خبيرا في تلك المؤسسة سواهم حتى يبرم معهم العقود بعد أن تقاعدوا على عُمرِ السبعين ، ثمّ يُبقيهم بالعقُود وبكامل الصلاحيات ، ومن مُهمّةٍ خارجيةٍ إلى أخرى ليقبضوا باليورو!.. فلا يكفي ما يقبضهُ أولادهم وأقاربهم الذين جاؤوا بهم من فوق الأساطيح !.حتى أنه تجاوزَ كل الخطوط الحُمر ، وتصرّفَ بطريقةٍ غير مسبوقة في تاريخ سورية ، بل في تاريخ أية دولة بالعالم حينما جعل من سائقهِ الجاهِل لثمان سنوات الآمر والناهي في الوزارة ، وبعد كثرة الشكاوى لكل جهات الدولة اضطر أن يبعدهُ ، ولكن إلى أين ؟؟
إلى مكانٍ يتقاضى به كل شهر ما يعادل مليوني ليرة سورية من ثروة الشعب، خِلافا للقانون ، وهو لا يحمل أدنى المؤهلات العلمية ولم يُقدّم لاْ هوَ ولاْ أبيهِ ولا واحدا من أبنائه أو أخوته نقطة دم لأجل الوطن ، بينما شباب وصبايا الوطن الذين يحملون الشهادات الجامعية لا يجدون عملا بعشرة آلاف ليرة سورية بالشهر ، وليس بمليوني ليرة بالشهر ، ومعظمهم لهم أقارب شهداء لأجل الوطن ، الذي يُضحِّي فيه البعض بالدماء ويقطف البعض الآخر أثمان تضحياتهم ودمائهم !!! ولكن ماذا كانت نتيجة تلك الشكاوى ؟؟ حِبرا على ورقٍ !.
*أقولُ لهم جميعا ، ولكل مسئول بهذه الدولة ، إنّ كلَّ من يُديرُ مؤسستهُ بذات عقلية ذاك المسئول وظُلمهِ وتمييزهِ ، وتحيُّزهِ ، فهو أكبرُ عدوٍّ لأبناء الوطن ولشهدائه ، وأوّلُ مُخرِّبٍّ في هذه الدولة !! وكل مسؤول بالدولة ، ومُنظمّة ونقابة، عرِفَ بممارساتهِ وسكتَ عنه فهو مُرتكِب كما ذاك المسئول !!. نعم الظلمُ لا يدفع البشر للشوارع فقط ، بل يدفعهم للانتقام من الظالمين الذين يقطعون عن سابق عمدٍ وإصرار بلقمة عيش أبناء الشهداء ، هكذا بوقاحة منقطعة النظير ، وفقط لتصفية حسابات شخصية ، مُعتبرين مؤسسات الدولة مُلكا لأبي الذين خلّفوهم !!.
*لقد نصحتُهم أن لا يشكُون أمرهم لمجلس الشعب فهذا مجلس خُلّبي واسما بلا مُسمّى ، ولكن أحدهم قالَ لي ، دع قلبي يطمئنُّ ، على مبدأ : ألَمْ تؤمن ؟ فقال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي !! والحمدُ لله إطْمَئنّتْ قلوبهم أخيرا واقتنعوا أنه لا يمكن انتظار خيرا لهذا الشعب من هكذا مجالس شعب !!.
*هذه المجالس لم يُعِر لها احد أدنى اعتبار حتى في الظروف التي كانت الحالة الأمنية في البلد مستتبة وكل السوريين يعيشون داخل وطنهم والجميع قادر أن يشارك بالانتخابات إذا شاء ، فى كل أرجاء الأرض السورية ، فكيف بنا اليوم ؟؟.
*لم تُعَبِّر هذه المجالس في أي يوم عن إرادة شعبية وكانت كلها تعيينا على أسسٍ معروفة للجميع قائمة على المحاصصات والمحسوبيات والدعم والواسطات من الجهات المعنية ، وليس من القاعدة الشعبية !.
*فما معنى أن يكون هناك مجلس شعب وهو أعجز من أن يدافع عن واحد من أبناء الشعب في وجه مسئول ظالم !!. ما معنى مجلس شعب لا يستطيع أن يدافع عن لقمة ابن مخطوف وابن شهيد يقطعها مسئول ظالم ولئيم ؟. هل تستحق هكذا انتخابات تأجيل البحث في الحل السياسي يوما واحدا ؟؟. الأسماء للمجلس الجديد- القديم معروفة لدى الجهات المعنية فَلِمَ تأجيل مباحثات جنيف ؟؟. وعلى هناك من يعتقد أن الناس كانت تُصدِّق في أي وقت تلك الطنِّة والرنِّة عن انتخابات مجلس الشعب ، والتي كانت دوما تأتي بِمجالس فارغة كما الطُبُول التي كانوا يُحيون بها المهرجانات ؟؟.
*كفانا مهازل واستهتار بالبشر.. فإما برلمانات حقيقية وفعلية وليست صورية وشكلية، وإلا بَلا كل هذه المصاريف على هذه المسرحيات الفُكاهية التي مللنا منها ونحن نشاهدها على مدى أربعة عقود ، مللناها ومللنا الفرجة عليها !!.
*كفانا لعِباً بهذا الوطن وهذه الدولة ،واستهزاء بالناس واستخفافا بالمسئولية !! ويجبُ فسحُ المجال والفرصة للرجال الذين يرفعون الصوت ضد كل خللٍ وممارساتٍ غير مؤسساتية، ولديهم المقدرة والجرأة على اتِّخاذ القرار والمبادرة وإمكانية التطوير، ليأخذوا دورهم ، رأفة بهذا الشعب ومستقبل الوطن !! لا يجوزُ التأخير في نقلِ البلد نحو الديمقراطية والتعددية والانتخابات الحرّة الشفافة النزيهة بمشاركة كافة أبناء الوطن من معارضين وغير معارضين ومستقلين على أساس البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والزراعية والصناعية وغيرها ، وبعد تحييد كافة مؤسسات الدولة ، وبعد تأسيس الإعلام الحر (صحافة – فضائيات - جرائد) ، فضلا عن تأسيس نقابات ومنظمات حرّة لا تتبع حزبا معينا ولا تتلقى تعليماتها من جهة معينة !!.
* انحدرت البلد من تصنيفات العالم الثالث إلى تصنيف الدولة قبل الأخيرة بالعالم من حيث التعاسة والبؤس ، بسبب هذا النهج الذي سادها على مدى عقود والذي كان الشرط الواضح (ولكن غير المُعلن) بهِ لاستلام المنصب والمركز والتعيين في مجلس الشعب أو غيرهِ ، هو أن تكون طرطورا تقول نعم حسب ما تأتي الأوامر ، وتقول كلا حسب ما تأتي الأوامر أيضا !. كيفَ للرجال المؤهّلة والقادرة، ذات الأصوات العالية والصادقة والغيورة والجريئة أن تجدَ طريقها إلى مواقع النفوذ طالما الطريق أمامها غير سالكٍ بسبب تَرَاكُم هذه النوعيات من المخلوقين !.
*متى سنرأف بهذا الوطن !! متى سنرأف بهذا الشعب الذي بات يتسوّل على حدود الدنيا كلها!!. كمْ تجعلنا مناظر السوريين وهم يغرقون بالبحار وينامون بالعراء على الحدود بين الدول الأوروبية ، ويبتلعون المهانات من هنا وهناك ، ويرمون لهم بالسندويش كما لو كانوا من غير البشر ، ثم يتسابقون ليلتقط واحدهم سندويشة في منظرٍ مُخزٍ لكل سورية ولكل سوري ووو كم تجعلنا هذه المناظر نشعر بالعار والخزي من أنفسنا !!
كم تجعلنا نخجل من التاريخ الذي درسناهُ في المدارس ، ومن مناهج الثقافة القومية والعروبية ، ومادّة التربية الوطنية ، فاعتقدنا أننا لوحدنا أصحاب العزّة والكرامة في هذا العالم وإذ بنا نصحو فجأة لنكتشف أن كل ذلك كان كذبا وأننا آخر الشعوب في هذا العالمْ ، وها هي الحقيقة أمامنا كما عين الشمس وهي أصدق من كل كتب التاريخ وكتب الثقافة القومية والعروبية !.
*هل هي كلّها فِعلا المؤامرة والإرهاب ؟؟.. كلّا إنها ليست كلها المؤامرة ولا الإرهاب (رغم وجوده)، إنها مسألة أخرى مكشوفة ومعروفة للكبير والصغير !! إنها مسألة من سيحكُم مَن ومَن سيقبض على السلطة !! فالإرهاب عرفناهُ البارحة، والمؤامرات على سورية كنا نسمعها دوما ويشرحها لنا المسئولون منذ كُنّا صِغارا ، ولكن الصراع على السلطة كان قائما في كل الأوقات ، ولم يتوقّف في أي زمنٍ ، وكل ما في الأمر أن هذا الصراع دخل مرحلة جديدة هذه المرّة اتّخذت كل الأشكال التي شهدناها منذ بضع سنوات، مع كل التدخلات الخارجية التي خبرناها والتي استدعتها الأطراف المُتحاربة ، ولم تأتي من تلقاء ذاتها !!.
ولو سارت سورية دوما على طريق الديمقراطية والتعددية والتداوُل والحريات العامّة ، لَما كانت هناك حاجة لكل الصراع على السلطة الذي شهِدتهُ سورية عبر تاريخها ، والذي ضربَ في مراحل عديدة حتى قلب الحزب الذي استلم السلطة منذ آذار 1963 !!. فنحنُ كُنّا دوما أكبر مؤامرة على أنفسنا !!.
*آنَ لهذا العقل أن ينتهي فنحن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين !!. حتى البهائم لم تعُد تتناطح من أجل أن تحظى كل واحدة لوحدها بكل كمية العَلَف في المعلَفْ!!.
*أعرفُ أن هذا الكلام لن يُرضي الكثيرين ، ولكنني أعرفُ أيضا أنه سيلقى احترام وتقدير وتأييد وتصفيق كل وطني وذي ضميرٍ حي ، وهذا ما يهمُّ!!.
*لن يتمكّن أحدٌ في سورية بعد هذه الدماء والدمار ، أن يحكم إلا من خلال نهج ديمقراطي تعددي وتداول على السلطة وفق انتخابات ديمقراطية حرة يشهد عليها العالم !! وإلا فإن سيل الدماء ماضٍ ، ودمار ما تبقى من الوطن ماضٍ !! وعلى الجميع أن يعُوا هذا المعادلَة !!. فأليسَ من الأفضل اختزال الزمن وتوفير المزيد من الدماء والدمار واتفاق الجميع حالا على هذه الأسس والمبادئ ؟؟. أم أن مشاريع الفيدرالية والتقسيم باتت تُدغدغُ رؤوس الجميع ؟!.
ولكن هل هناك دويلة في سورية ، في حال تقسَمتْ لا سمحَ الله ، قابلة للحياة والاستمرار !!. بل ألنْ تنشأ حروب تطهير عرقي أو ديني داخل كل دويلة ،، وبعدها حروب عشائرية لن تنتهي ، وأخطر من حروب ملوك الطوائف في الأندلس !!. هل سيقبل مُكوِّنُ أية دويلة أن يعود ليحكمه ذات الشخصيات المشهورة التي حكمتْ الدولة السورية والتي لا يستطيع أيٍّ منها أن يفخر بمسيرته وعِفّته أو نزاهته وسيرته !!.
*وبهذه المناسبة أوضِّحُ لِمن يسألُ دوما عن موقفي ، ولم يفهمهُ حتى اليوم رغمَ أنه واضحٌ وضوح الشمس ، إنني ألتقي مع أي مواطنٍ سوريٍ، لا على التعيين ، إن كان يؤمن بدولة مدنية (يعني عَلمانية) ، ديمقراطية ليبرالية تعددية تداولية، تحترِم الحريات العامة وحقوق الإنسان ، ويتمُ فيها تداوُل السلطة عن طريق صناديق الاقتراع كل أربع سنوات ، وتكون المُواطنَة فيها هي أساسُ كل شيء ويتساوى أمامها الجميع!!. ألتقي مع كل مواطن سوري صادق، يصبو ، ويعمل ، لأجل تأسيس سورية القانون والمؤسسات والعدَالة وتكافؤ الفُرص !!
ألتقي مع كل من يرفعُ الصوت ويقول كفانا ظُلما ومسئولين ظالمين مُخرِّبين لا يحترمون معايير ولا تراتبية ولا أقدمية ولا مؤهلات علمية ولا خبرة !! كفانا مسئولين صِغارا في العقول كِبارا بالأوزان ، يجعلُ واحدهم من مزاجهِ الشخصي وعواطفهِ المُتحيِّزة أساسا لسلوكه وممارساته اليومية في تناقضٍ صارخٍ لكل معاني الوطنية!! . كفانا عصابات ومزارع !!!.
*هكذا مسئولين هم التهديد للوطن ولا يجوز تركهم بلا مُحاسبة !!. وبذات الوقت لا يمكن أن يكون ثقةُ لديَّ مَن لم يعتبرني ثقة لديه مهما علا موقعهُ!! فلا أرى في وطني من هو أكثر مني وطنية ونظافة يدا ، ولا أكفأ في مجال عملهِ مِمّا كنتُ في مجال عملي ، ولا من يحمل مؤهلات علمية أكثر مما أحمل ، ولا من يستحقُّ أكثر مما أستحقُّ !!. أرى مناصب كبيرة بالدولة ولكن لا أرى أحدا ممن يشغلها أكبر مني ولا أكفأ واقدر مني لو كنتُ أشغلها !!.
*أعرفُ أنني كنتُ في غالبية الأوقات أسيرُ بعكس السير لأنني كنتُ دوما ممن يرفعون الصوت ويضعون اليد على الجرح ويقفون بقوّة ضد الخلل وضد عقول المزارع وضد عديمي الشعور المهني والوطني والطائفيين الحاقدين والمتغطرسين ، وكنتُ من الحريصين على أموال الدولة أكثر من حرصي على ما في جيبتي الشخصية ، ونظافة يدي أطهر من قلبِ كل من أساء لي ، وهم حفنة من القاذروات المعروف تاريخهم ولصوصية بعضهم!. ولو كنتُ من أهل اللصوصية والرشوة وتقاسمتُها مع هذا وذاك لكانت أسهُمي في الأعالي !!. فهل من أحدٍ سيسأل بعد ذلك عن موقفي !!.
*كفانا طراطير في هذه الدولة ،لا يجيدون إلا الطأطأة ، كفانا !!. كفانا احتكارا للمراكز والمناصب والوظائف في الدولة وحصرها بطبقة وأبنائها!! كفانا منافقين ومُزايدين وقد تنقلوا على مدى عقود من منصِب لمنصب وكأنَّ نساء سورية عقيمات لم يلِدنَ سوى أولئك الانتهازيون الذين صدّقوا أنفسهم أنهم ضرورة في الوطن ، وهم الأقل تأهيلا ومقدرة وإمكانات ، وحصدوا مكاسب لم يكونوا ليحلموا بها لو كانت هناك معايير وتكافؤ فُرص!!.
هذا كان قمّة التخريب في الوطن ، والواجب الوطني والأخلاقي يقتضي مُحاسبة كل من كان مسؤول عن ذلك النهج، حتى لو كان مُتقاعِدا في بيته ، أو ما زال في موقع القرار !!. الأوطانُ لا تُصْنَعُ على مقاسات المسئولين ، بل هُم من يجب أن يُصنَعوا على مقاسات الأوطان ، وهذه صناعة لا يُمكِنُ لأحدٍ أن يُجيدها ويقومَ بها إلا الشعب عبر صناديق الاقتراع !!.
*وأقول في الختام ، لا يوجدُ أمام سورية خيارات متعددة ، فإما الاتفاق على الديمقراطية والتعددية والتداول ، وإما ستصبِح سورية أسوأ دولة في التاريخ الحديث!. وسوف نحسدُ الصومال ، بل ستنتقل الصومال كَدولةٍ فاشلة إلى سورية وتُصبِح العاصمة هي مَقَدِيشو بدل دمشق التي عرفناها .. ونتذكَر حكايات جدّاتنا عن حرب " الترعة" التي حصدت أرواح كل الشباب الذين كان يقودهم المستعمِر العثماني رغما عنهم كي يحاربوا أعدائه الفرنسيين والبريطانيين ، وراحوا دون عودة ، ولم يتبقى لدى أهاليهم سوى حكايات الزمن عنهم !!. اليوم سورية كلُّها مُهدّدة لتصبِح حكاية من حكايات الزمن !..
https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts