أنجليزيتها "المكسرة" لم تحل دون أن تتلقف "سيريانيوز" رسالتها بكل وجعها، فكلمات الأم المكلومة وصفت حرقة قلبها ومصابها: "ارجوكم ساعدوني(..) سرق مني اطفالي واخذهم الى سوريا (..) أعيدوا ابني وابنتي..افعلوا ما بوسعكم للوصول اليه واعادة اولادي..ارجوكم!!".
لم نكن نملك جوابا لكن استغاثة الأم مارغريتا القبرصية كان كفيلا بتحركنا على الفور للتقصي خلف إحدى حكايات استغلال الحرب والفوضى في سوريا، بعد رسائل عدة وصلت إلى بريد "سيريانيوز" تقول فيها الام "فجعت بخطف أبنائي على يد أبيهما المجرم المطلوب بتهمة تجارة المخدرات والسرقة، اذ توجه بهما من مكان اقامتنا في قبرص إلى سوريا، وأرسل لي صورهما، كان طفلي يراسيموس ذو الـ6 أعوام يحمل سلاحا، وابنتي اوليمبيا ذات الاعوام الـ5 تبكي".
الخاطف هو الأب عبد الرحمن الجاسم (31) سوري الجنسية من ادلب، كان مقيما في قبرص منذ حوالي العشر سنوات، عاطل عن العمل ومطلوب للشرطة القبرصية للاتجار بالمخدرات وتهم اخرى، والمخطوفان طفليه من أمهم مارغريتا كيورتي (37 سنة)، هي معلومات أولية انطلقنا منها للوصول إلى الخاطف والطفلين بعد التقصي عن عائلة الخاطف والتمحيص في الصور القليلة المنشورة على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك واصدقائه، بالاضافة الى المعلومات التي استطعنا الحصول عليها من الزوجة، تمكنا أخيرا من تحديد مكانه في ريف إدلب الشرقي، منطقة أبو الضهور- البراغيتي الخاضعة لسيطرة "جبهة النصرة" فرع القاعدة في سوريا.
المكالمة الأولى التي تلقتها الأم مارغريتا من زوجها وخاطف أبنائها كانت بعد يومين من اختفائه وولديها، وقال فيها الاب الخاطف، بحسب الام، "انا مع الولدين في سوريا، إذا أردتي أن تكلميهما حولي لي المال"، وارسل صور للولدين معه يؤكد ذلك، تبع ذلك ارسال صورة للولدين تظهر الطفل حاملا للسلاح والطفلة تبكي، تحتفظ سيريانيوز بنسخة عنها.
رحلة الأب "المجرم" الذي اكدت وثائق تحصلت عليها "سيريانيوز من "الانتربول" ادراجه على قوائمها، بدأت إلى سوريا عبر رحلة بالقارب من قبرص الى تركيا ومنها الى ريف إدلب مسقط رأسه، بحسب ما ابلغ الطفلان أمهما لدى محادثتها لهما لمرة واحدة، وهو الأمر الذي تحققت منه سيريانيوز.
مارغريتا تزوجت من عبد الرحمن منذ 8 سنوات في قبرص ولديهما طفلان، وهو ملاحق من قبل الشرطة القبرصية بسبب تجارته للمخدرات ومتهم بسرقة منزل،والآن عبد الرحمن مطلوب لـ"الإنتربول" بتهمة اختطاف طفليه دون موافقة الزوجة، الا أن هروبه الى سوريا جعل وصول "الانتربول" إليه شبه مستحيل في ظل سيطرة جبهة النصرة على المنطقة التي وصلها في أبو الضهور بريف إدلب، ، كما تم إدراج اسمه في قائمة المطلوبين من قبل السلطات القضائية في قبرص للمحاكمة.
رغم أن محاولات "سيريانيوز" التواصل مع الأب الخاطف لم تفلح، بسبب عدم رده على أي من الاتصالات أوالرسائل العدة عبر تطبيقي "الواتس اب" و"الفايبر"، إلا ان معلومات تزودت بها سيريانيوز عبر اهال من المنطقة اشارت الى ان الاب الخاطف "مولود في منطقة ابو الظهور- البراغيتي بريف ادلب الشرقي، وتقطنها عشائر مسلحة بايعت جبهة النصرة عند اندلاع الحرب في سوريا، وهو ينحدر من احداها كما يمتهن اقرباء له عمليات السطو والخطف لطلب الفدية منذ اندلاع الأزمة في سوريا، بعد ان كان لهم باع في قطع الطرق ونهب المسافرين".
ورجح الأهالي أن يكون الأب الخاطف "منضما الى إحدى الفصائل المسلحة خاصة بعد نشره صورا على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك حاملا السلاح"، كما رصدت "سيريانيوز" صورا لأخيه في سيارة تابعة لـ"لواء الصديق" التابع لـ"فيلق الشام" أحد مكونات "جيش الفتح"، وهو الاتحاد العسكري الذي ينضوي تحت جناحه عدد من الفصائل المعارضة بينها جبهة النصرة.
ومن غير المرجح أن يستطيع "الانتربول"، وهو أكبر منظمة عالمية للشرطة تكافح الجريمة والارهاب في العالم وتضم 190 دولة بينها سوريا، تحرير الطفلين جراء الإنفلات الأمني في البلاد منذ اندلاع الأزمة السورية قبل نحو 5 أعوام، ما يجعل الوصول إلى أي مجرم مطلوب مهمة شبه مستحيلة خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل معارضة متشددة.
وفي وقت لا توجد اي دلائل على نية الوالد تجنيد ابنه في الحرب بسوريا، الا ان ارساله صورة لابنه حاملا سلاحا اثارت مخاوف لدى الام خاصة في ظل احصاءات قدمها مركز توثيق الانتهاكات في سوريا لعام 2014، تشير الى خطف اكثر من 270 طفل وطفلة من قبل اطراف وفصائل تحارب في سوريا وعلى رأسها تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بهدف تجنيدهم للقتال، بينما بلغ عدد القتلى من الاطفال المجندين حوالي 223 طفلا.
وبحسب القانون الدولي، فإن تجنيد واستخدام الأطفال دون 15 سنة للعمل بوصفهم جنودا أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني وطبقا للمعاهدات والأعراف، كما تصفه المحكمة الجنائية الدولية بـ"جريمة حرب"، فضلا عن تحديد قانون حقوق الانسان سن 18 سنة الحد القانوني الأدنى للعمر بالنسبة للتجنيد ولاستخدام الأطفال في الأعمال الحربية.
رسائل الأم المفجوعة مستمرة دون استسلام او يأس،تسأل عن اي طريقة تستعيد بها ابنائها، وما زلنا لا نملك أي إجابة، لكن الأمل ما زال يحدو الام ان يكون لدى أي فصيل معارض بالمنطقة شيئا يقوله، ليعيد لها ما تبقى من حياة بعودة ابنيها الى حضنها حيث لا حرب ولا موت ولااقتتال.
سيريانيوز