-
روبرت فيسك : تدهـور العلاقة من جديد بين لبنان وإسرائيل . ترجمة : محمد نجدة شهيد
كان رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اللواء هرتسل هاليفي يتحدث عنها قبل أيام قليلة .. حرب جديدة في لبنان ، مهدداً بأنها ستحوله إلى "بلد اللاجئين" . بيد أن هـذا التشبيه ليس دقيقاً تماماً لأنك عندما تفكر في الأمر ستجد أن لبنان يستضيف من قبل حوالي 350 ألف لاجئ فلسطيني من الأراضي التي يدعوها هرتسل الآن إسرائيل ، بالإضافة إلى مليون لاجئ آخر من سورية . وهـذا يُشكل في المجموع نحو خُمس سكان لبنان . قد نعذر اللبنانيين عـن التثاؤب . ولكن ألم نواجه مثل هـذا الأمر من قبل؟
حسناً ، نعم ، في الواقع لقد واجهنا مثل هـذا الأمر من قبل . ولكن دعونا أولاً نذكر السياق العام لهـذا الكلام المعتاد . كان هرتسل يتحدث في مؤتمر هرتسيليا الذي عقد يوم 14 حزيران الماضي في إسرائيل حيث يقوم رؤساء الأركان ورؤساء الاستخبارات العسكرية بشكل سنوي بتحذير الإسرائيليين من قوة النيران الهائلة التي يُمكن أن تطلق عليهم من قبل حزب الله ، والقاعدة ، وداعش ، والدول العربية التي لا يوجد معها معاهدة سلام ، وإلى آخره من قائمة طويلة . كان هرتسل يتحدث بمناسبة الذكرى العاشرة لحرب لبنان الأخيرة ـــ حرب لبنان الثالثة وفقاً للإسرائيليين الذين يجب عليهم توضيح سبب نشوب خمس حروب في لبنان (1978، 1982، 1994، 1996 ، 2006) هـذا إذا أرادوا الالتزام بالوقائع . ولكن أنت تعلم ماذا أقصد بذلك .
قال هرتسل في المؤتمر أنه إذا كان حسن نصر الله ، الأمين العام لحزب الله ، " يعرف حقاً حجم قدراتنا ، ومعلوماتنا الاستخباراتية ، واستعداداتنا ، فإنه لن يخاطر أبداً في دخول حرب أخرى " . قد تكون الحرب المقبلة في طور التشكل والحدوث مثل تجمع الغيوم قبل الهبوب ، ولكن إسرائيل " سوف تتعافى منها ويتم إعادة إعمارها ". وقد يكون في هـذا القول إشارة إلى حرب تموز 2006 التي تلقى فيها الجيش الإسرائيلي ضربات قوية ، وادعى حزب الله في نهايتها بتحقيق " نصر إلهي" من دون أن يوضح كيف تحقق هـذا النصر الذي نجم عنه مقتل 1200 لبناني معظمهم من المدنيين .
وأضاف هرتسل أن تسليح حزب الله الآن يُعتبر أفضل من أي وقت مضى منذ أن بدأت دمشق بتصنيع الأسلحة خصيصاً للحزب . ويبدو هـذا التصريح مجرد ادعاء بعيد الاحتمال لأن النظام السوري هو في أمس الحاجة إلى أسلحة جديدة للجيش داخل البلاد . ولكن هرتسل يؤكد أنه في حال وقوع حرب أخرى سيصبح لبنان " بلداً لللاجئين من الصعب أن يتعافى وسيفقد حزب الله قاعـدة دعمه السياسي".
ولكن مهلاً . ألا يبدو مثل هـذا الهراء مألوفاً بعض الشيء بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في الشرق الأوسط ويحتفظون بأرشيف جيد لأعداد الصحف القديمة . دعونا نعود إلى صحيفة جيروزاليم بوست في عددها الصادر بتاريخ 25 كانون الثاني 2006 ـــ منذ ما يقرب من عقد كامل ــــــ حيث نجد قائد المنطقة الشمالية اللواء جادي ايزنكوت ، يحذر من أن حزب الله قد " زاد بشكل كبير من حجم ترسانته الصاروخية " الأمر الذي يمنح الجيش الإسرائيلي حق " معنوي" ، كما قال ، لمهاجمة مقرات حزب الله بالقوة المفرطة داخل 160 قرية لبنانية في الجنوب إذا تعرض الجيش لهجوم من قبل الحزب . وقبل يومين فقط ، ادعى وزير الدفاع ايهود باراك بأن حزب الله بات يمتلك 42 ألف صاروخ جاهزة للإطلاق ، وأن إسرائيل سوف تستهدف في أي حرب قادمة مقرات الوزارات الحكومية .
دعونا الآن ننطلق بسرعة كبيرة إلى الأمام إلى العام 2013 ، وهـذه المرة مع اللواء المتقاعد سامي ترجمان ، قائد المنطقة الجنوبية والذي يُلقي عادة التهديدات هنا وهناك . فقد أعلن أن أي حرب قادمة مع لبنان ، " سوف تكون حرب صعبة تتطلب مشاركة عدد كبير من الوحدات ، وهجمات واسعة جداً في الليل والنهار. ستكون حرب صعبة جداً على مواطنينا ، ولكنها ستكون أصعب من ذلك بكثير بالنسبة للطرف الآخر".
والآن ننتقل إلى العام 2014 حيث يقوم قائد سلاح الطيران الإسرائيلي ، اللواء أمير إيشيل ، بتكرار إطلاق التهديدات بشكل مبتذل . وهـو يقول مهدداً بأن حزب الله يقوم الآن بإخفاء "الآلاف" من مقراته ضمن " مباني سكنية " في الجنوب ، حيث تقوم إيران وسورية من وقت لآخر بإعادة تسليح الحزب مع التركيز على زيادة حجم الترسانة الصاروخية .
ويبدو كل هـذا حتى الآن أمر معروف ؟ ولكنه أضاف شيئاً آخر وهو أن لدى حزب الله طوابق كاملة داخل مباني سكنية جاهزة للحرب ، " يعيش فوقها وتحتها مدنيين ليس لدينا ضدهم أي شيء ــ مجرد دروع بشرية . وهـذا هـو المكان الذي سيكون مسرحاً للحرب القادمة . المكان الذي سيتعين علينا القتال فيه من أجل وضع حد للحرب والانتصار فيها . وكل من يظل داخل هـذه الطوابق سيتعرض بكل بساطة للقصف .." . وحسب آخر احصاء لترسانته الصاروخية ، يوجد لدى حزب الله حوالي مئة ألف صاروخ ، وهـذا يشكل زيادة ملحوظة خلال أربع سنوات فقط.
وغني عـن القول ، فإن حسن نصر الله ، " المريض بجنون العظمة " وفقاً للجيش الإسرائيلي ، يتبجح أيضاً في المقابل . ففي عام 2011، تجاهل في نهاية المطاف تهديد آخر لباراك ، الذي كان قد طلب للتو من الجنود الإسرائيليين أن يكونوا على أهبة الاستعداد "لغزو واحتلال" لبنان من جديد . ورد عليه يومها نصر الله بقوله " إذا هاجمت إسرائيل لبنان ، فقد يتلقى المجاهدون الأوامر لتحرير الجليل ".
وقام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بدوره بالرد على حسن نصر الله ، الذي لا يعرف مقره تحت الأرض إلا عـدد قليل ذو ثقة ، بقوله " كل من يدفن نفسه في مخبئ تحت الأرض ، يجب أن يبقى في مخبئه" ، ـــــــ على كل فإن سلفه عباس الموسوي اغتيل في يوم 16 شباط 1992 في سيارته في جنوب لبنان بصاروخ مروحية إسرائيلية .
وأطلق نصر الله أيضاً تهديدات أخرى هـذا العام عندما قال أن أي حرب على لبنان سنخوضها بلا سقف ولا خطوط حمراء . وهـدد باستهداف خزانات غاز النشادر السامة القابلة للانفجار التي تستخدمها المصانع البتروكيماوية قرب حيفا إذا ما هاجم الطيران الإسرائيلي الضاحية الجنوبية لبيروت ـــ كما كان يهدد باراك بذلك عدة مرات من قبل ـــ حيث يسكن عشرات الآلاف من أنصار حزب الله ، وقال " إن انفجارات صواريخنا جنباً إلى جنب مع انفجارات خزانات غاز النشادر قرب حيفا تعادل التعرض لهجوم نووي ".
ولكن أليس من الغريب القول بأن الحدود اللبنانية الإسرائيلية شهدت وبشكل ثابت طوال العقد الماضي أهـدأ فترة وأكثرها سلماً في تاريخها مقارنة بالخروقات المستمرة التي كانت تحدث عبر الحدود خلال الربع الأخير من القرن السابق . نعم ، لقد كان تشرشل بالطبع على حق عندما قال في حفل غذاء أقيم في البيت الأبيض يوم 26 حزيران 1954 بأن الحرب الكلامية ــــــ الثرثرة ــــــ أفضل دائماً من الحرب الفعلية .
ولكنني أتساءل هنا عما إذا كان الإسرائيليون ـــ نعم ، ونصر الله أيضاً ـــ لا يثرثرون أبداً . وأنا أعلم أنه يُمكن لهؤلاء أن يقولوا دوماً بعد ذلك "حسناً ، لقد حذرنا من قبل" . ويكمن الخطر هنا في حقيقة أن الإسرائيليين وخصومهم يحضّرون منذ الآن أعذارهم عن جرائمهم القادمة ضد المدنيين في الشرق الأوسط .
وأخيـراً ، من هم الذين سوف يحتجون إذا أو عندما ترتكب هـذه الفظائع ؟ بالتأكيد ليس منهم الذين غزوا العراق وتلوثت أيديهم بدماء ما يقرب من نصف مليون من المدنيين الأبرياء ؟ لقد تشكلت كل السوابق في الماضي بهـذه الطريقة . وهي نفسها اليوم التي تزود الجميع بتهديدات وبأعذار ذات مصداقية لجرائم الحرب . صحيفة الانديبندنت . الخميس 23 -6- 2016
https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts