ميخائيل ليرمنتوف ، اسم له هيبته خاصة عندما نعلم بان كتابا مثل دويستويفسكي وتولستوي تأثروا بهذا الشاعر الروسي الشاب ، وماذا اذا علمنا بانه مات في سن الـ 27 عاما !؟
بطل من هذا الزمان القصة الوحيدة التي كتبها حول ضابط روسي في جيش القوقاز "بتشورين " ونالت شهرة واسعة في الربع الثاني من القرن التاسع عشر ، وما زالت حتى اليوم ..
اهمية هؤلاء الكتاب وليرمنتوف في روايته هذه منهم ، انهم يلامسون نقاط عميقة مظلمة في داخل كل واحد منا غالبا اننا لم نكتشفها ابدا داخلنا ، او ان كنا قد اكتشفناها ولا نجرؤ على ان نجاهر بها لا لانفسنا ولا للاخرين ..
هذه النقاط التي تدلل على "الشر" داخل الانسان ، وان الانسان مخلوق غير مثالي فيه صفات سيئة وقد يمارس سلوك "دنيئ" ، وداخله صراع دائم بين الخير والشر .. ينتزع هذا كله الكاتب ويقدمه لنا مكشوفا بشفافية مذهلة ..
بت اعتقد بان اكثر الناس شرا هم هؤلاء الذين يعتبرون انفسهم بانهم اكثر الناس مثالية وان الانسان الناضج الخير لا بد ان يكتشف الشر فيه لكي يتعامل معه وربما ان حاول يستطيع ان يسيطر عليه او يخفف منه ..
الانسان الذي يعتبر نفسه مثاليا يكون جاهلا لمقدار الشر الذي يوجد داخله وعادة لا يعترف به ويوجد له المبررات ويتحايل عليه عندما يقع منه على غيره ليظهر هذا الشر بمظهر الخير بدون وعي تام منه .. لانه يرفض قطعيا وهو الانسان المثالي ان يأتي بافعال شريرة ..
الانسان الذي يعتقد نفسه مثالي .. هو انسان لم يتعرف على الشر داخله وبالتالي ليس له سيطرة عليه وهكذا لا يستطيع محاربته او منعه ..
على العكس مثل بطل قصة ليرمنتوف ، شخص يعرف نفسه حق المعرفة ويعرف الشر فيه اكثر ما يعرف من الخير فيها وهو واقع في صراع دائما واع معه ، ومن خلال هذا الصراع يستطيع تحديد افعال الشر التي قام بها وضبطها وربما السيطرة عليها ..
مع ان القصة جاءت في خمسة فصول حول حياة بطل القصة "بتشورين" غير مرتبة زمنيا ، الا انها الحقيقة ستحرك في اعماقكم اجزاءا ساكنة غير مكتشفة وتثير في عقولكم حراك قد يفضي الى اعترافات خطيرة ولكنها شائقة ومثيرة ..
فقط اتمنى على من يريد قراءة هذه القصة ، ان يبتعد على اي نوع من انواع الالهاء ( ثرثرة ، تلفزيون ، موبايل ) حتى يساعد الكاتب ان ينقله الى عالمه الغريب وولكي يستطيع القارئ ان يعيش الحالة التي رسمها الكاتب العبقري ..
ربما لا ننجح كلنا في الوصول الى ما ذكرت .. ولكن المحاولة تستحق العناء ..
تقديم : نضال معلوف
