مهما كانت الرواية جيدة فاني دائما اجد خشية في ان ابدي الحماس الزائد في اعطاء توصية بقرائتها، ويعلق في ذهني بعض الملاحظات التي تدفعني لتقديمها بشكل موضوعي ، ولكن هذه السياسة فشلت مع رواية اليوم .. التي لا يمكنني الا وان اتكلم عنها بحماس زائد ..
وكما هو صعب حفظ اسم الكاتب البرازيلي "خوسيه ماورو دي فاسكو نسيلوس" فانه من الصعب ان تنسى تجربة قراءة روايته "شجرتي شجرة البرتقال الرائعة" ..
في الفن والادب يستطيع بعض المبدعون ان يصلوا الى نقاط في اعماق كل واحد منا لم يكن قد اكتشفها بعد، عمق لم يكن الواحد منا يدرك بانه موجود .. يأتي مثل هذا الكاتب وتعيش احداث مثل هذه الرواية لتساعدك في التعرف عليه في نفسك ..
الاحداث فيها ليست خارقة ، رواية على لسان طفل صغير عمره 5 سنوات يعيش عيشة بائسة يروي لك تفاصيل حياته اليومية ..
ولكن تركيبة هذه الشخصية ، عبقرية خالصة .. و كما تقول مترجمة العمل عن بطل القصة " في رأسه شيطان وفي قلبه عصفور" ، يذهلك الحوار كل الوقت ويستوقفك دائما ما يقول هذا الطفل الصغير لتتأمل وتفكر .. وتشعر بهذا الاحساس العميق مرة بعد مرة ..
قرأت بعض المراجعات عن الرواية التي كتبت في العام 1976 واصبحت اليوم تدرس في مناهج التعليم البرازيلية وفي بعض الجامعات الاوربية كما فهمت .. ، تتكلم هذه المراجعات عن قدرة الكاتب في نقل معاناة طفل فقير ، عن تعنيف الاطفال ، عن الفقر في البرازيل ..
والحقيقة ان كل هذا لا يهم .. اهمية الرواية ابعد من هذا .. اعمق من هذا .. اهميتها تكمن في انها تساعدك على اكتشاف نفسك اكثر .. على اكتشاف الانسان لاماكن في النفس البشرية لم يكن قد تعرف عليها قبلا ..
كيف ركّب "خوسيه ماورو دي فاسكو نسيلوس" هذه الشخصية التي تجمع بين البراءة والذكاء والحكمة والشر في ان واحد لا احد يعرف ..
في التعريف عن الكاتب الموجود في الويكيبيديا يرد بان الرواية تجسد قصة ذاتية للكاتب ممزوجة بالخيال .. وهذا يفسر الصدق الواضح الموجود فيها ، والاهداء الموجود في بداية الرواية يؤكد بان شخصيات الرواية حقيقية واذا عدتم وقرأتم الاهداء عند انتهائكم من قراءة الرواية سيصيبكم الحزن بعد ان تدركوا دور كل شخصية منهم فيها ، وما كانوا بالنسبة لبطل القصة ( الكاتب) ..
الكاتب البرازيلي ولد في العام 1920 وتوفي في العام 1984 .. كانت القصة الاولى التي اقرأها له وربما الاشهر له ولكن اعتقد بانها لن تكون الاخيرة .. فالابداع الذي وجدته فيها .. لا يمكن ان يكون مجرد صدفة ..
نضال معلوف