درس في الديمقراطية الحقيقية

نشرت المضحك المبكي هذه المادة وقد قدمتها على انها حكاية تاريخية واقعة ومشهورة  في تاريخ انكلترا اختارت نشرها  كدرس جدي في الحياة الديموقراطية الصحيحة، "التي ينقصها منها الشيء الكثير بالرغم من ادعائنا باتقانها ومعرفتها." على حد تعبير الصحيفة ..

نشرت المضحك المبكي هذه المادة وقد قدمتها على انها حكاية تاريخية واقعة ومشهورة  في تاريخ انكلترا اختارت نشرها  كدرس جدي في الحياة الديموقراطية الصحيحة، "التي ينقصها منها الشيء الكثير بالرغم من ادعائنا باتقانها ومعرفتها." على حد تعبير الصحيفة ..

قيل، ان الملكة فكتوريا كانت امام مرآتها ذات يوم عندما اعلموها وبوجود المستر غلادستون زعيم الاحرار ورئيس وزرائها، وبرغبته في التشرف بمقابلتها.. ولم تكمل الملكة زينتها بل اسرعت الى حجرة المكتب وهي تتمتم طول الطريق، لا بد انه جاء الي بمشكلة دستورية جديدة اكتشفها هذا الصباح.

ودخلت القاعة، وتقدم المستر غلادستون من الملكة وقبل يدها، وفي عصبية زائدة ردت عليه تحيته.. ثم قالت، هل من شيء خطير يامستر غلادستون؟

فقال لها، ليس خطيرا يا مولاتي، وانما جئت بخصوص تغيير وصيفتكم..

فدهشت من هذا الجواب وقالت له، وصيفتي؟ ولماذا؟ هل سقطت في الانتخابات هي الاخرى حتى تخرج من خدمتي؟

ولم يشأ غلادستون ان يعلق على تهكم الملكة حتى لا يفلت منه زمام الموقف وقال لها:

لا، ولكن ارجوا ان تتنازل مولاتي عنها لتختار غيرها...

قالت له لعلك وجدت في الدستور تقليدا يؤيد ذلك؟

قال لها، لا، بل وجدت الدستور يحتم على ذلك ويصر عليه، فان الوصيفة بحكم صلتها الوثيقة بجلالتكم تطلع على ادق الاسرار الامبراطورية ولا بد ان تكون موضع ثقة الوزارة..

قالت له، ولكن، الا يكفي ان تكون موضع ثقتي؟

قال لها، كان يكفي يا مولاتي لو لم نكن في حكم ديمقراطي..

قالت له، ولكني مطمئنة اليها ومرتاحة الى خدمتها..

قال لها، ستطمئن الامبراطورية اكثر وترتاح لو تغيرت هذه الوصيفة.

وسكتت الملكة طويلا وكأنها تبحث في ذاكرتها عن قنبلة تلقيها بلسانها لتنفجر في وجه رئيس الوزراء العنيد، واخيرا قالت له، وجسمها ينتفض من الغيظ:

مستر غلادستون، اتعرف انك نجحت اكثر مما يجب؟

قال لها، في اية ناحية نجحت يا سيدتي؟

قالت له، في ان تجعلني افكر في التنازل عن العرش.

ولم يرد المستر غلادستون على هذا الجواب، وسيطر صمت طويل الى ان قطعه بقوله.

ارجو عندما تغادر الوصيفة القصر ان تعلمنا عن مقرها الجديد كما ارجو يا مولاتي ان يكون عندنا اسم الوصيفة الجديدة قبل صدور رغبتكم السامية باختيارها..

وقالت الملكة، اني لا اقبل هذا.

وقال لها هو، اذا ارجو ان تقبلي شيئا آخر، وهو استقالتي من الوزارة.. وغدا سأرى جلالتكم لاسمع رأيكم النهائي، اما بقائي في الوزارة واما بقاء الوصيفة في القصر.

وخرجت الملكة غاضبة وخرج رئيس الوزراء شامخا بانفه.

ولم تستطع الملكة ان تتحرر لحظة واحدة من الاثر القاسي الذي تركته هذه المقابلة في نفسها، وبدأت ترى في التقاليد الديمقراطية اسوار سجن يحيط بها من جميع الجهات.

ولم يقبل المساء عليها الا وكانت قد قررت شيئا، وشيئا خطيرا.. قررت ان تترك القصر، فانها لم تعد تطيق هذه التقاليد التي تلاحقها حتى في حجرتها الخاصة تنتزع منها وصيفتها.

ودخلت عليها الوصيفة فوجدتها مضطربة فسألتها عن سبب اضطرابها، فقالت لها لا شيء، ولكن كوني على استعداد للرحيل، فقد نرحل غدا. الى حيث لا نرى وجه ذلك العجوز غلادستون.

ولم يطرق النوم عيون الملكة تلك الليلة لاضطرابها، وفي الصباح دعت وصيفتها وقالت لها هلى اعددت العدة للرحيل؟

قالت لها، اجل يا مولاتي.

قالت لها، اذن ارحلي وحدك ولا تنسي ان تبعثي لي بعنوانك الجديد..

وجاء من يقول للملكة ان غلادستون ينتظر التشرف بالمقابلة، وقابلته، وقرأ في عينيها ارقها وقلقها، فتقدم منها وقال لها:

الم يقع اختيار مولاتي على الوصيفة الجديدة بعد؟

فقالت له، ومن اعلمك باني لم اقرر الاحتفاظ بوصيفتي؟

قال لها، لأني اعلم ان مولاتي تضع دائما مصلحة بلادها فوق كل شيء..

قالت له لقد انتصرت فعلا يا مستر غلادستون.

فاجابها رئيس الوزراء وهو يبتسم بل الدستور هو الذي انتصر يامولاتي.

اعداد : سيريانيوز

صدرت مجلة المضحك المبكي في دمشق عام 1929، وهي مجلة سياسية كاريكاتورية اسبوعية من اشهر المطبوعات السياسية الساخرة في الوطن العربي، ويمكن اعتبارها هي من اسس الكوميديا السياسيّة على الساحة السورية ( وربما العربية). اصدرها الصحفي حبيب كحالة ( 1898 – 1965 ) وهو درس التجارة والاقتصاد في الجامعة الاميركية في بيروت. أنشئ كحالة في بداية الثلاثينات من القرن الماضي مطبعة حديثة بدمشق لطباعة المجلة، وكانت تقع في شارع الملك فؤاد الأول، استمرت هذه المجلة في الصدور إلى عام 1965 ، وقامت "الجهات المعنية" بإغلاق المجلة وإلغاء ترخيصها وذلك عام 1966


المواضيع الأكثر قراءة

SHARE

close