منذ زمن بعيد و الشعوب العربية تستمع إلى خطابات نارية مجلجلة مزلزلة مدوية يكون مطلعها: أيها الشعب العظيم!
و تطرب شعوبنا و تنتشي بهذه المقدمة، و تقشعر أبدانها لسماع هذه الكلمات. وتصدق الشعوب نفسها بأنها عظيمة وتلتهب أكفها بالتصفيق وحناجرها بالهتاف.
و كأن كل مقومات الأمن و الرخاء و السلام استقرت جميعها عند كافة الشعوب العربية. وأن نسبة العلماء في كافة الإختصاصات قد زادت عن حاجة الشعوب العربية وبدأت بتصديرها إلى غيرها من الدول لينهلوا من علومنا وليحصلوا على آخر اختراعاتنا.
و كأن الصناعات العربية ازدهرت و وصلت إلى أعلى مراحلها وتنافس صناعات الدول العظمى، وأن الأسواق العالمية تغص بمنتجاتنا الصناعية والزراعية و تثبت وجودها بقوة بمواصفاتها و أسعارها، و بلا منازع.
وكأن الإنسان العربي خصص وقت فراغه الثمين للقراءة والمطالعة والأعمال الخيرية، و ذلك بعد أن قضى على البطالة و الفقر و المرض والأمية و الجهل و التخلف بشكل كامل، و لم يعد يلهث وراء لقمة العيش و رغيف خبز النخالة ليل نهار.
بل إن الشعوب التي تفتخر و تتباهى بأنها صنعت أكبر سندويشة فلافل، وأكبر صحن تبولة، و أكبر منسف رز، و أكبر سيخ شاورما في العالم؛ ليست عظيمة.
الشعب الذي يملك أبناؤه قطع سلاح خفيفة و ثقيلة أكثر من عدد سكان دولته بعدة أضعاف؛ ليس عظيماً.
الشعب الذي يطرب و يتمايل و يتأوه و يستمتع بمناظر أغنية (الشبشب ضاع وده كان بصباع) ؛ ليس عظيماً.
الشعب الذي لا يعرف من الصناعة سوى صناعة العلكة؛ ليس عظيماً.
الشعب الذي يخاف أن يكتب و يخاف أن يقرأ؛ ليس عظيماً.
الشعب الذي يتناحر أبناؤه فيما بينهم، وكل فرد يعتبر نفسه الأول والآخر؛ ليس عظيماً.
الشعب الذي يعاني معظم أبنائه من إنفصام في الشخصية؛ ليس عظيماً.
أيها الشعب العربي العظيم : لست عظيماً.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews/