بعد ان اعلنوا "التحرير" وإعادة الاعمار قلت لزوجتي يا " جميلة" وضبي الحاجيات ( وهي قليلة ) لنعود للمدينة .. لقد عوض الله صبرنا خيرا.
وفي رحلتنا من مخيمات الغرب الى مدينتا في اقصى الشرق ، الرحلة التي استغرقت اكثر من 4 ايام لاننا كنا مضطرين ان نمر على كل صنوف الحواجز التابعة للروسي والايراني والكردي والاميركي والجيش الحر وميليشيات المقاومة .. الخ .. ولكننا لم نشعر بالتعب ولم نتذمر فشعورنا بالسعادة والحماس كان يطغى على كل شيء ..
"يا جميلة لقد عوض الله علينا
محمد ومصطفى اللذان استشهدا في سبيل ان نعود سالمين الى منزلنا ،
الثروة التي فقدناها لاننا رفضنا ان نحول رصيدنا الى الدولار ..
البيت الذي اضطر جيشنا الباسل ان يدمره فوق رؤوس الارهابيين الذين تحصنوا فيه
5 سنوات من التشرد والسفر من منطقة الى مخيم الى مخيم ..
الحمد الله يا جميلة .. لقد حرروا المدينة ويعيدون اعمارها .."
وصلنا لمدخل المدينة الخلفي مساء ذاك اليوم .. كان الوقت غروب وبالكاد تعرفنا على ملامح الشوارع المدمرة ..
احسست بعدم الارتياح الذي تشعر به جميلة .. واستبقت سؤالها بالقول
" نعم يا جميلة ربما لم يصلوا في اعادة الاعمار الى هذه المنطقة ولكنهم سيعيدون لنا منزلنا قريبا"
وصلنا الى بيتنا الذي فقد معظم جدرانه ومن الواضح بان كل شيء فيه قد سلب ..
وضعنا حاجياتنا وخرجت استطلع المكان ..
بضع عوائل عادت مثلنا مبعثرة في اكثر من بناء مهدم ..
عدت الى جميلة .. " لا بأس يا جميلة فقد قال لي الجيران بان الماء والكهرباء وباقي الخدمات ستعود الى هذا الشارع قريبا .. هكذا قال رئيس الوزراء وهو هنا في المدينة شخصيا ليتابع قضايا اعادة الاعمار "..
هبط الليل موحشا يسوده الصمت الا ما خلا من بعض وشوشات تأتي من بعض البيوت المجاورة التي لا حيطان لها ..
بدأت اشعر بالحرج .. الحقيقة مع كل الاخبار التي اتت عبر الاعلام ، وعدت جميلة بحال افضل من هذه الوحشة التي نحن فيها الان ..
فجأة لمحت اضواء تومض في السماء وتتحرك بشكل عشوائي وتدور ملونة وتناهى الى سمعي صوت موسيقا ..
مسكت يد جميلة وتوجهنا باتجاه الضوء والضوضاء .. استغرق الامر اكثر من ساعة لنقطع اقل من كيلومتر بسبب تراكم الانقاض حتى وصلنا الى الساحة ..
هرج ومرج واضواء وموسيقا ..
سحبت جميلة وسرت باتجاه الجمع رجال ونساء مزيج غير متجانس بين فقراء المدينة المنكسرين بثيابهم الرثة و وجهوهم المتعبة وبين زوار العاصمة المنتصرين بوجههم المتوردة وابتسامة الظفر العريضة متأنقين "مرتبين" .. متراصين يتوجهون برؤوسهم نحو الساحة حيث تستطع اضواء الكاميرات المبهرة وتسلط الضوء على لفيف المسؤولين المتواجدين هناك ..
اعترض مسيرتي باتجاه المركز "مايكروفون" كبير تحمله يد نسائية اقترب الى اقل من 5 سنتيمترات من وجهي .. وزعق صوت حاد في اذني .. "ما شعورك بالانتصار" ..
وانا انظر الى المايكروفون الذي اصبح قبالة انفي تماما واعود لانظر الى المذيعة ذات الشعر المنكوش فتراها عيني المحولتان اثنتين .. وقبل ان اجيب سطع ضوء مبهر في عيني .. لم اعد ارى معه شيئا ..
تمتمت ببضع كلمات غير مفهومة وقبل ان استطيع استعادة تركيزي ، تحولت عني المذيعة .. وزعقت في وجه رجل اخر " ما شعورك بالانتصار " ..
تركتها وتوجهت نحو الاضواء حيث الوزراء ورئيسهم اريد ان اسألهم متى يعيدون تشييد بيتي .. متى تعود اليه الكهرباء والماء ..
وما ان وصلت الى بعد عدة صفوف وميزت وجه رئيس الجماعة الذي شاهدته اكثر من مرة في التلفزيون .. حتى بدا التقدم باتجاهه أمرا مستحيلاً فقد اصبحت انا وجميلة ملتصقين تماما بباقي الجموع وكأننا كتلة واحدة لا سبيل الى ان نتحرر منها ونمضي بمفردنا ..
وفجأة .. بدأت هذه الكتلة تهتز والأيادي تتشابك الكتف للكتف والجمع يتحرك على مهل في مسار دائري .. سألت شابا "ناعما" يبدو من العاصمة جانبي .. ما الذي يجري ماذا هناك ..
اندهش الشاب من سؤالي وقال الا ترى وآشار برأسه الى الاعلى ..
نظرت الى الامام الى حيث يشير برأسه .. وظهر امامي ذاك الحذاء الكبير في قاعدة التمثال .. ورحت ارفع رأسي على مهل الى الركبة فالحوض الى الاكتاف والرأس الذي عرفته من فوري .. يا الله انه صنم الزعيم .. ! وارتسمت على وجهي ابتسامة واسعة لا ارادية ..
وبدأت اهز اكتافي مع "الهزيزة" وتتحرك قدماي على وقع الموسيقا .. وكم تفاجأت باني شاهدت الوزراء ورئيسهم على بعد شخصين مني "يهزون" مثلي ..
احسست بان رأسي يستطيل واذناي تزدادان طولا .. نظرت خلفي وكأني لمحت ان في مؤخرتي ذنب ..
راح الايقاع يتصاعد والهز يصبح "نطيطا " ورحت ارفّس مع رفس الدبيكة وننهق جميعنا فرحين " بالروح بالدم نفديك يا زعيم" ..
سيريانيوز