في خضم التحولات الكبرى التي شهدها العالم العربي والإسلامي على مرّ العقود، ظل الإسلام الحاضر الأكبر، ليس فقط كعقيدة دينية، بل كمصدر للإلهام الثوري ومحرّك للأمم في مواجهة الظلم والطغيان، وعمودًا ترتكز عليه رؤى بناء حضارة جديدة للمنطقة.
كانت هجرة رسولنا الكريم من مكة إلى المدينة تحمل في معانيها، أصول و أسس الفكر الثوري الإسلامي الحقيقي، الذي أراد من المدينة أن تكون نقطة انطلاق لبناء دولة ذات أصول عقائدية منطقية لا تقبل الشك، و حاضنة لجميع الناس في المدية، و بما فيهم اليهود الذين يسكنون المدينة.
الثورات التي عرفها التاريخ الحديث، وخاصة الثورة السورية، مثال حي على ذلك. فقد اتقدت جذوتها بدافع الإيمان العميق والولاء الصادق للوطن، مما جعلها تصمد على مدى أربعة عشر عامًا رغم المحن والتحديات. لم تكن هذه الثورة مجرد حدث سياسي عابر، بل كانت حالة متفردة جسّدت التداخل بين الهوية الوطنية والمرجعية الدينية، وأثبتت أن الإسلام يمكن أن يكون القوة التي تعيد صياغة مستقبل المنطقة.
حقيقة، قدمت الثورة السورية النموذج الحقيقي لصورة الإسلاميين الحقيقية بانضباطهم و التزامهم، مما يؤكد أن المسجد هو مهد الثورة السورية وأساس دولتها المستقبلية، كما جعل نبينا الكريم من المسجد النبوي مركزاً لدولة حقيقية.
أمام هذا الصمود الأسطوري لشعبنا، تهاوت كل النظريات السياسية التقليدية التي حاولت تفسير ماهية الثورات وأسبابها. لقد أثبت الإسلام أنه أكثر من مجرد دين أو منظومة روحية، بل هو النبع الذي تتفجر منه عزائم الأمم وإرادة الشعوب. إنه عمود تستند إليه المجتمعات لإعادة بناء ذاتها، وركيزة لنهضة جديدة قادرة على تجاوز حدود القوميات والإيديولوجيات.
في ظل الأزمات المتلاحقة، بدأت المنطقة تدرك أن الإسلام يحمل في طياته مشروعًا حضاريًا شاملًا. هذا المشروع لا يقتصر على تحرير الشعوب من الظلم، بل يمتد إلى بناء نظام اجتماعي واقتصادي وأخلاقي يضمن الكرامة والعدالة للجميع. و مثال حي على ذلك، دولة ماليزيا، التي جعلت الإسلام مرجعا شاملا، ينظم علاقات السكان فيما بينهم، بالرغم من اختلاف قومياتهم.
الحضارة القادمة للمنطقة لن تكون مجرد امتداد لأنظمة سياسية تقليدية أو تبنيًا أعمى للنماذج الغربية، بل ستنهض على أساس إسلامي أصيل. الإسلام بما يحمله من مبادئ العدالة والحرية والرحمة، يُعد العمود الذي يمكن أن تقوم عليه هذه الحضارة. إنه القوة التي توحّد الشعوب وتصوغ المستقبل بعيدًا عن الانقسامات العرقية والطائفية..
اليوم، ومع تعاظم الحاجة إلى بديل حضاري يخرج المنطقة من أزماتها، يبقى الإسلام أكثر من مجرد محرّك للثورات، بل هو النواة التي يمكن أن تُبنى حولها حضارة جديدة. حضارة تعيد تعريف العلاقات بين الحاكم والمحكوم، وتؤسس لنظام عالمي يُعلِي من شأن الإنسان والقيم الأخلاقية، ليظل الإسلام روح الثورات وعمود الحضارة القادمة للمنطقة.
---------------------------------------------------------------
*الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع
*ارسل مساهمتك على الايميل [email protected]