في سطور قليلة سوف اكثف خلاصة وعيي وادراكي لما عايشته يشكل شخصي ومن خلال مجتمعي لـ46 عام من عمري حتى اليوم في سوريا .
منذ سني وعيي الاولى عايشت التذمر والتهكم من سلطة البعث الهدامة لكل ما هو جميل في سوريا من تكريس عبادة الأشخاص إلى قمع الحريات إلى إفشاء ثقافة الجهل والتعمية واللتي قادت فيما بعد إلى الشعور باللامبالاة عند معظم السوريين ومن ثم تفشى الفساد على مبدأ إذا كان البلد ميتا فالحي ابقى من الميت .
السياق الذي ذكرته عشته في مراحل الدراسة المدرسية والجامعية والمهنية وقد حاولت ما استطعت الا أتلوث بأدوات ومفردات تلك الحقبة غير أن الظلام كان طاغيا لدرجة أن من كنت تصف له النور كان يستغربه .
بدأت الثورة السورية بعد سلسلة من ثورات الربيع العربي لم تكن ثورة جياع برأيي بل كانت ثورة على طبيعة النظام الفاشل وامتطى الثورة كل من رغب بالنيل من الحكم من محاور دولية وغيرها لم استطع يومها الانخراط في صفوف الثورة ليس لأسباب مذهبية ابدا ولكن لعدم اتضاح الرؤية عندي وللخوف الذي كرسته ممارسات السلطة القمعية ، سرعان ما تحولت الثورة إلى حرب ولم اشك ابدا ولا للحظة أن النظام هو من حولها فهو ببساطة لا يستطيع الوقوف أمام الجموع السلمية لكنه قادر على مجابهة المجاميع المسلحة أو هكذا كان يعتقد .
على كل حال مثلي مثل ملايين السوريين التزمت بيتي مع كل طلقة رصاص كل قذيفة كل دبابة كل طائرة وضاعت الحقيقة بين روايات السوريين ووسائل الإعلام المتناقضة وعم الخراب وكبر الجرح حتى يئست من البلد بكل أطيافه لعدم قدرتهم على صياغة رواية أو رؤية واحدة متماسكة
كان النظام هو الملام الأول لكن ظهر جليا في فترة ما بعد 2015 أن سوريا بحاجة لعقد اجتماعي جديد يعمل على صياغة وطن لكل السوريين بعد انهار الدم التي سالت طبعا هذا لم يكن ممكنا كون من يحكم سوريا شخص مصاب بجنون العظمة ومما زاد الأمر سوءا النفاق والأرتزاق الذي مارسه السوريون الذين بقوا تحت سلطة حكمه.
بعد العام 2015 أصبح من شبه المستحيل أن تجد شخص محترم في منصب إداري مهم أو قيادي مهم وحتى معظم ضباط الجيش أصحاب القرار أصبحت أشكالهم ممسوخة تشبه اشكال الشواذ بما يشبه غلمان السلطان في تاريخنا القديم.
لقد فرغ بشار الأسد بشكل ممنهج البلد من الكفاءات ووضع في الصف الأول عصبة من العبيد لجمع الاتاوات كل حسب اختصاصه وهو ما زاد الضائقة المادية التي رزح تحتها السوريون حتى يومنا هذا.
ازداد جنون العظمة لدى بشار الأسد عاما بعد عام وقد ساعد ذلك خلو الساحة من أي رجل يمكن أن يعارضه أو يوقظه أما القطيع الذي كان يحكمه فقد كان ملهيا بالبحث عن الفرص التي تتيحها دولة الفساد ، لم يكن هذا السياق مرتبطا بطائفة أو مذهب أو قومية بل عم الجميع بلا استثناء طبعا الشرفاء من كل الأطياف ازداد تهميشهم وفقدوا اي قدرة على التأثير الا في الدائرة الضيقة لكل منهم .
ومرت السنين والروسي والايراني يقبضون الاتاوات التي يجمعها لهم بشار الأسد وزبانيته والمجتمع السوري يدفع ثمن ذلك من كرامته الإنسانية وقوت يومه وعم الظلام ...
وفي لحظة تاريخية ضمن سياق تغيير المشهد الجيوسياسي في المنطقة امتطت جبهة النصرة حصان حرب الحرية ثار الغبار ولم ينقشع حتى مع هروب المجرم ، الغبار ما يزال معلقا في الجو حاجبا عني القدرة على روية المشهد بوضوح ، كانت تجربة ادلب هي الانضج على الساحات السورية لجهة القيادة الموحدة وانضباط الفصائل ،غير أن هذا الأمر حدث في فترة وجيزة بما يشير إلى تظهير واضح من قبل التركي للجبهة كما أن التمثيل السياسي السابق للمعارضة من ائتلاف وغيرها ومن جيش حر والمدعوم سابقا من معظم اللاعبين الدوليين جرى تهميشهم بشكل واضح لاظهار النصرة كلاعب وحيد وقوي . سيطرت قوات ردع العدوان على حلب ثم حماه واعلن وقف إطلاق نار من الدوحة قبيل دخولهم حمص القى أثرها مقاتلوا الجيش السوري سلاحهم بما يشبه الحلم ليتوقف حمام الدم ويسقط النظام بهروب الخنزير من البلد سارقا ما استطاع أخذه معه مجسدا أوضح صورة يمكن تصورها للخسة والنذالة عبر التاريخ ، كان لهذا السيناريو فائدة كبيرة على السوريين لجهة ايقاف الاقتتال وخاصة أن من كان يمكن أن يبقي على سلاحه في مواجهة الفصائل عرف الأسد على حقيقته فانكفأ يحاسب نفسه على الخديعة الكبرى التي عاش فيها .
فمثلا لو قتل الأسد في قصره على يد الفصائل لاعتبر البعض وخاصة من العلويين أنه بطل قاتل حتى النهاية .
ارتاح غالبية السوريين لهذا المآل واستبشروا خيرا بالمستقبل لكن اسرائيل أبت إلا أن تشعرنا بالقهر بتدمير ترسانة الجيش السوري بضربات جوية منسقة مع الروس دمرت كل القوى الجوية و الصاروخية والبحثية ، تلك الترسانة التي استنزفت من قوتنا وقوت آبائنا وأبنائنا حتى كانت، ولم يفعل بها ذلك الخائن شيئا سوى قتلنا بدل أن يقتل بها أعداءنا ، أو على الأقل يحفظ كرامتنا بها .
زاد قهرنا الكشف عن مجازر ومآسي مورست في سجون الطاغية كانت متوقعة لكل من فهم عقلية الاستبداد التي حكمت بها سورية غير أن ظهورها للعلن عمق جراحات السوريين كما تم تدمير الكثير من الممتلكات العامة وأخرى خاصة مع بعض الأحداث الطائفية والتي انتهى بعضها بسفك دماء بريئة من قبل جماعات مسلحة لا تنتمي إلى قيادة العمليات العسكرية . أظهرت قيادة العمليات العسكرية انضباطا إنسانيا وأخلاقيا طمئن السوريين وظهر السيد أحمد الشرع كرجل دولة حقيقي حاملا هم سوريا الدولة التي تجمع السوريين كافة على مشروع الحياة الكريمة ودولة العدل والمساواة.
تصدر المشهد طغيان متوقع للإسلام السياسي مما أشعر باقي الأحزاب والاطياف والطوائف أن حلمهم بالحرية قد يسرق منهم من جديد ، كما وظهر اعتماد مبالغ به على شخصيات من إدلب في قيادة مؤسسات الدولة فتخوف البعض من قرداحة ثانية لكننا نأمل أن يكون هذا فقط ضمن الفترة الانتقالية وحكومة الإنقاذ.
قبل أن اتحدث عن المستقبل تخيلت لو أن والدي سرد تجربته في سوريا لكان حدثنا عن آثار النكبة والعدوان على مصر والوحدة مع مصر والانفصال والتأميم ودخول الحداثة للحياة وفترة الانقلابات العسكرية والنكسة وانقلاب الأسد الأب وحرب تشرين والاستنزاف وكامب ديفيد وحرب لبنان وأحداث حماه والحصار الاقتصادي وغيرها .....ولو تحدث جدي لكلمنا عن العصملي و الفرنساوي والثورة السورية والاقطاع والمجاعة وظهور الأحزاب القومية واليسارية والدينية وصراعها على السلطة وغيرها من أحداث ...
هنا أشير أن هذه البلاد ترزح تحت ويلات وعذابات منها لسبب داخلي ومنها لسبب خارجي منذ مئات السنين وكانت دوما كرامة الإنسان هي المعيار الأخلاقي والديني لرقي الشعوب وما عدا ذلك فكلها افكار شعبوية تدس في المجتمعات كل يسهل قيادتها ..
المستقبل ...
يبدو الاسلام السياسي الأقرب لقيادة سوريا في المرحلة المقبلة لكني لن اقبله دون دستور جامع وانتخابات حقيقية وإذا نجح في هذين الامتحانين سوف احترمه لكن سأبقى ضده سياسيا وليس طائفيا لأني اجد الاسلام السياسي شعبوي وليس نخبوي ولأنه فشل في أكثر من مرحلة تاريخية في إظهار الانتماء الوطني الحقيقي
أما حلمي فهو باختصار
قانون مدني متحضر وقضاء محترف يكفل حرية التقاضي وإعلام حر يكون رقيبا على هذا كله وبرغم بساطة حلمي أجده بعيدا جدا جدا عن التحقق لأن شعبنا تهمه الشعارات أكثر من الممارسات ولأن التاريخ يخبرنا أن دون ذلك الحلم مسار طويل من ممارسة الديمقراطية والحرية نحن السوريون حديثوا العهد بها ..
عاشت سوريا
محمد طراف 18/12/2024
*الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة على سياسة الموقع
*ارسل مساهمتك على الايميل [email protected]