التطورات الاخيرة في سوريا قد لا تعجبنا .. ولكنها باتت ضرورية ..

28.12.2018 | 20:43

تتوالى الاحداث باتجاه اعادة سيطرة النظام على الاوضاع في سوريا ، الاتصال مع المحيط ودفع العلاقات باتجاه التحسن ، اعادة فتح السفارات ، استعادة مساحات اضافية من الاراضي الخارجة عن سيطرته ..

طبعا لا يمكن تجاهل الاحباط وخيبة الامل عند معظم معارضي النظام ، فبعد كل هذه الاثمان الباهظة التي دفعت سواء على مستوى البلد او على المستوى الشخصي لافراد وعائلات دُمرت حياتها بالكامل سواء بالتشريد او القتل او الهجرة ، مناطق واسعة في سوريا لم يعد من الممكن ان تعود كما كانت ، عشرات آلاف الاسر تغيرت حياتها بشكل جذري .. بشكل لا يمكن معه استعادة حياتها السابقة ..

تقريبا الوطن مدمر ، اقتصاديا واجتماعيا ، وزادت الاحداث في التمثيل في جثة الحياة السياسية فيه ..

كان من المأمول لدى معظم السوريين ( ومنهم المؤيدين ) بانه مقابل هذا الثمن الذي دفعناه كسوريين ان ننجز التغيير باتجاه الافضل ، حياة سياسية تؤسس لحقبة جديدة يمكن معها ان يزدهر الاقتصاد وتتحسن حياة المواطن على كل السبل.

ولكن مع الاسف ايا من هذا لم يحدث ، يمكن التأكيد بعد هذه السنوات الثمانية بانه لا يوجد رغبة دولية في احداث اي تغيير في سوريا ( ولا في غيرها من دول المنطقة ) وعلى ما يبدو بان شعوب المنطقة هنا محكوم عليها بان تعيش وهي فاقدة ارادة تقرير المصير ، والارادة الحرة التي يمكن ان تصنع مستقبل افضل لدول تأخرت كثيرا عن ركب الحضارة والمدنية في العالم.

ومع تمسك النظام بالسلطة وباحكام قبضته على البلد ومن فيها ، وفشل كل المحاولات لاحداث التغيير وتحول الصراع "لقتال" بين اطراف على حساب مكونات المجتمع وعلى حساب تردي حياة الناس في كل المناطق واتجاهها من السيء للاسوآ ، كل هذا يجعل القبول بالامر الواقع امرا فيه حكمة وفيه عمل يحقق مصالح الناس ويخفف من معاناتهم.

صحيح ان اعادة فتح السفارات يعني اعادة تعويم النظام وتكريس خسارة المعارضة في المنظور السياسي ، وان اعادة فتح المعابر وبث الحياة في اوصال شريان قطاع الاعمال ، يعني زيادة موارد النظام ايضا وتعزيز موقعه في سوريا وكذلك موقعه الاقليمي وعلى الخارطة الدولية ، ولكن هذا لا شك سينعكس بشكل او باخر على حياة المواطنين الذين عانوا ما عانوه ، وليس في مصلحة احد ان تستمر معاناتهم في اطار انسداد الافق لاي حل يحقق ما خرج الناس اساسا من اجله.

لم يخرج الناس في سوريا لهدف الانتقام او الثأر من النظام ، وليس في استمرار "العراك" على انقاض البلد شيء من تحقيق امال المواطن السوري وتطلعاته.

8 سنوات كافية لكي نقتنع بان عملية التغيير في سوريا هي اكبر من ارادة سكانها ، وهذا لا يعني بان التغيير غير ممكن ، ولكن علينا ان نبدأ عملية اخرى غير هذه العملية التي نعيشها اليوم.

حسابات اليوم يجب ان تنطلق من مصلحة الناس ، وعلى اعتبار بان التغيير السريع بـ"ثورة" بـ "انتفاضة" بـ "حركة شعبية" .. بغض النظر عن التسمية ،  لم يحقق اهدافه بالسرعة المأمولة وتحول الى ثغرات في جدار الوطن تسرب منها كل صاحب مصلحة وكل من يحمل اطماع للتواجد في ارضنا لتحقيق مشاريع ترتبط بمصالحه الخاصة وبامتداد نفوذه خارج الحدود على حساب مصالح الناس في سوريا وعلى حساب مستقبلهم ..

واصبح سير الاحداث في كل المناطق والتطورات لا تصب على الاطلاق في مصلحة السكان ، بل تقوم على حسابهم ويدفعون هم وحدهم الاثمان ، وتحول النظام السارق الفاسد والمستبد الى انظمة تحت مسميات عدة تشبهه واحيانا تتفوق عليه في الاستبداد والاجرام والفساد ..

ما العمل اذاً ؟

هل العناد هنا يحل المشكلة هل الاصرار على "الانتصار" "والدربكة" باقدامنا على انقاض البلد الى ما شاء الله يحل المشكلة ..؟

وصل الوضع في سوريا الى حالة من "الجمود" بحيث ان مصالحنا توقفت وباتت كل الاطراف التي لها مشاريع في ارضنا تعزز مواقعها وباتت تستخدم الاهالي لتحقيق هذه المشاريع ، التي في معظم الاحيان لا ناقة لنا فيها ولا جمل ..

كل هذا الكلام لا يعني ان نرفع الراية البيضاء للنظام ، ونمشي في ركب تعزيز مواقعه ، ولكن علينا ان نقبل بعودة الحياة الى طبيعتها قدر الامكان ، لا يمكن للناس تحمل هذا الوضع الى الابد ، ولا يمكننا ان نقيّم التطورات ونتخذ القرارات على اساس ان هذا يحقق مصلحة النظام او لا يحققه .. يجب ان نأخذ منذ اليوم مصالح الناس بعين الاعتبار ..

فالمعركة يمكن ان تستمر باساليب عدة ، وعلى العكس عندما نتخلص من الاذرع التي باتت تمتد عميقا وتصل الى احشائنا ، يمكننا ان نتحرك مرة اخرى لتحقيق مصالحنا لا مصالح الغير ..

اليوم لا اعتقد بان "الميليشيات" على انواعها تعمل لمصلحة السوريين ، ولا اعتقد بان اميركا تعمل لمصلحة السوريين ولا تركيا ولا ايران ولا روسيا .. كل يعمل لتحقيق مصالحه الخاصة ويتعامل بمسألة وجوده في سوريا كرحلة عمل .. كاقامة في "فندق" يستمر فيها طالما انه يستطيع دفع التكاليف وحصد بعض الارباح ، ولكنه مع اول خسارة (او تلويح بالخسارة) سيدير ظهره ويرحل حتى دون ان يدفع الحساب ..

ليست دعوة للتنازل للنظام اذا ، ولكنها دعوة للتوقف وتثبيت الوضع الراهن ، واعادة الحياة الى طبيعتها قدر الامكان في كل المناطق ، وعدم التردد في ابرام اي اتفاق و اتخاذ اي خطوة من شأنها تسهيل حياة الناس وتحسينها.

لم يعد الوضع يحتمل تصفية الحسابات ، ولا يحتمل ايضا استمرار الصراع على اساس الثأر والتعنت.

اذا اردنا ان نغير بالسياسة بشكل يحقق مصالح الجميع ، يجب ان نوقف كل شيء اليوم ونعيد ترتيب الحسابات ورسم خطط جديدة تحافظ على ارادة التغيير ولكنها تأخذ بعين الاعنبار ايضا مصالح الناس وواقع معيشتهم.

 

نضال معلوف

 

 

 



Contact
| إرسال مساهمتك | نموذج الاتصال
[email protected] | © 2022 syria.news All Rights Reserved