ربما كان من المفاجئ للكثيرين كيف توجهت الامور بسرعة نحو سيطرة النظام السوري على مساحات واسعة من الاراضي التي كانت خارجة عن سيطرته في الاشهر القليلة الماضية ، ولكن هل الامور حقيقة كما تبدو عليه؟
ومحاولة فهم الذي جرى هنا يأتي في اطار استشراف ما الذي ستؤول اليه الامور في سوريا في المستقبل القريب.
يأتي بالاضافة الى سيطرة النظام وحلفائه على كل هذه المساحات ، اجتماع النظام مع وفد مجلس سوريا الديمقراطية الذي يمثل قوات سوريا الديمقراطية والتي تسيطر بدورها على ثلث مساحة سوريا بما فيه المواقع التي تضم ابار النفط ، واشاعة ان هذه القوات ستسلم النظام تلك المناطق وتحل نفسها وتندمج في الجيش النظامي.
كذلك اعادة القوات الاممية الى الجولان وانتهاء "ملف حدود اسرائيل" والوصول الى تفاهمات حول ابعاد القوات الايرانية الى العمق السوري.
كل هذا وكثير من التفاصيل ربما تدلل على ان النظام اعاد السيطرة على الامور في سوريا بشكل شبه كامل.
ولكن اذا راجعنا تصريحات الهام احمد الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية ، والتي ادلت بها خلال لقاء تلفزيوني مع محطة (ارتي) ، والتي قالت فيه بشكل واضح بان كل ما اشيع عن لقاء ممثلي مجلس سوريا الديمقراطية بالنظام جاء ضمن الاطار العام وهو مرتبط بالحل السياسي النهائي في سوريا.
ومن الممكن اذا استمعنا للقاء بانتباه من هذه الشخصية الوثيقة العلاقة مع قوى فاعلة خارجية ، وهي شخصية مركزية لقوى داخل سوريا تعمل بشراكة تامة مع الولايات المتحدة وتنسق مع باقي الاطراف الدولية، يمكننا ان نزيح بعض الغموض عن ما جرى في الاشهر القليلة الماضية.
وباختصار يفهم من حديث الهام احمد بان تسليم المناطق في الشمال وادماج قوات سوريا الديمقراطية في منظومة الدفاع في سوريا ، هي امور تأتي تحصيل حاصل في سياق الوصول الى الحل النهائي.
ماذا يعني هذا الكلام ؟
يعني بانه اذا وصلت العملية السياسية الى نظام حكم لا مركزي ديمقراطي يعطي للاهالي حق الادارة الذاتية لمناطقهم ويكرس الحقوق السياسية للقوميات والاقليات بناءا على دستور جديد يتم وضعه بمشاركة كل الاطراف السورية ، وبرعاية اممية وضمانة القوى الفاعلة، فان هذا بالتأكيد سيكون بمثابة اعادة كل المناطق الى الدولة السورية والوصول الى نظام ادارة ينسق بين القوى اللامركزية اداريا وربما عسكريا.
وضمن هذه الرؤية ومع الوصول الى مرحلة الحل النهائي ، فان مجلس سوريا الديمقراطية لن يتغير في واقعه شيئا على العكس فان مشروعه الذي ينادي به منذ بداية الازمة سيكون قد اصبح موضع تنفيذ ، ويكون ايضا قد نجح في تطويع الحل السياسي والقوانين الجديدة لتمرير هذا المشروع واقراره.
واذا انتقلنا الى احداث اخرى بانتباه فربما ستقودنا الى ذات الاستنتاج.
دور الشرطة العسكرية الروسية ميدانيا في كل المناطق التي انسحب منها مسلحو المعارضة وتحكمها بشكل كبير في ادارة المناطق.
ودور روسيا ايضا في عودة اللاجئين وفتح مراكز الاستقبال وتقديم الضمانات لسلامة هؤلاء وعدم تعرضهم للملاحقة ، كل هذه الخطوات التي ستأتي في اطار الوصول الى الحل السياسي النهائي.
تصريحات ايران التي تشير الى امكانية سحب قواتها العسكرية من سوريا في حال الوصول الى "الاستقرار" في اطار الحل السياسي النهائي.
موضوع ادلب ايضا الذي باتت تضم كل معارضي النظام والتي لا يمكن ان تبقى هكذا "دويلة" منفصلة .. ولا بد انها ستعود الى دولة سوريا التي يتم تشكيلها اليوم ..
اذا كل الامور مرتبطة بالوصول الى الحل النهائي ، والذي بات من المؤكد بانه لن يكون الحل الذي يقرره ويرسمه النظام السوري وحده ..
ومن هذا المنظور يمكن ان نرى ما جرى خلال الفترة الماضية هي عملية "تثبيت" للاوضاع الميدانية في سوريا من خلال اتفاقات الدول الفاعلة وفرض الاستقرار عليها ، ليس هذا وحسب بل وضمان عدم انفلات الامور فيها في حال حدوث أي تغيير حقيقي في نظام الحكم..
نظام الحكم الذي ستحدد ملامحه من خلال المسار السياسي ، وعمل اللجنة الدستورية التي ستصيغ دستورا لسوريا ليس من قبل النظام بشكل منفرد ، ولكن هذه المرة سيفرض على النظام قبول شركاء معارضين في عملية مضبوطة ومثبتة باتفاقات دولية وواقع ميداني مسيطر عليه من قبل الدول الضامنة ..
لن نكون متفائلين كثيرا بان كل ما يجري قد يبشر بتغيير شكل الحكم في سوريا بما يتناسب مع تطلعات الشعب السوري ، ولكن من المؤكد اليوم بان كل ما يجري ، وكل الجهود التي تبذلها الدول الكبرى والقوى الفاعلة في سوريا ليس هدفها اعادة الامور الى ما كانت عليه قبل عام 2011 ، وتثبيت حكم الاسد في سوريا الى امد غير معلوم .. ما يجري بدون ادنى شك هي عملية تغيير ستتكشف حدودها تدريجيا مع الاشهر القليلة القادمة.
نضال معلوف