القضية أكبر من "عمايري"..

12.01.2025 | 16:32

كلنا تابعنا البث الحي لإبنة الفنان عبد المنعم عمايري تستهجن عملية ضرب مبرح تعرض له والدها من قبل رجل مسلح في دمشق.

وتابعننا الجدل الحاصل بين تأكيد الخبر وتكذيبه.

ونشر فيديو في المقابل تضمن لقطة خاطفة لعمايري بحالة غير متزنة يتحدث بصوت عال مع بعض العناصر دون أن يتعرضوا له بالضرب.

والحقيقة أن تسليط الضوء على هذه الحادثة هي فرصة لنتحدث من خلالها عن ظاهرة واسعة الانتشار اليوم في المدن السورية.

نحن شاهدنا عملية ردع العدون وجحافل المسلحين الذين خرجوا من إدلب وشاركو في آخر معركة لكنس ركام النظام وأصبحوا هم الحكام الجدد وسلطات أمر واقع في كل المدن السورية!

ربما يجب أن نطرح سؤالاً.. هؤلاء الآلاف المؤلفة الذين انتشروا في كل المدن السورية، أين يقيمون؟

تتبعت الموضوع والجواب بحسب عشرات المصادر التي تواصلنا معها في سيريانيوز هم توزعوا في منازل المسؤولين السابقين الذين فروا وبعض المنازل غير المسكونة التي هجرها أهلها أو من المسافرين خارج سوريا في بعض الحالات.

ومن خلال تتبع كيف وصلوا إلى هذه المنازل، فكانت المعلومات التي استقيناها من أكثر من مصدر، أن هناك من سارع للتعاون مع السلطات الجديدة ممن كان في أجهزة النظام السابق وحتى أصبح يعمل معهم في تسهيل أعمالهم وإرشادهم لطريقة تلبية احتياجاتهم في كثير من القضايا كونهم غرباء عن هذه المدن.

بالإضافة إلى أن هناك منازل لشخصيات معروفة ومعروف أماكنها لجهاز أمن الهيئة وتم التوجه إليها مباشرة.

ومع مرور الأيام ووجود قيادات الهيئة القادمون من إدلب في الوزارات والدوائر والمناطق، يتوفر عندهم بطبيعة الحال معلومات متزايدة بخصوص المساكن التي يمكن أن يشغلوها ليؤمنوا مكان سكن لهم ولعناصرهم.

المشكلة في هذا الأمر تنقسم إلى عدة أقسام..

-القسم الأول أن عملية مصادرة المنازل وإشغالها عملية مزاجية تتبع لتقدير الأمير أو القائد العسكري المسؤول عن المنطقة، وهذه المناطق وبسبب طبيعة تركيبة هيئة تحرير الشام -المكون الأساسي في عملية ردع العدوان التي سيطرت على السلطة-، توزع على كثير من القادة والأمراء الذين يشكلون القوة العسكرية للهيئة وهم عبارة عن عشرات الفصائل والألوية وآلاف المقاتلين المنضويين تحت لوائها.

وبالتالي فإن غياب جهة قضائية تبت في هذه الأمور وتحدد المنازل التي من الممكن مصادرتها خلق بعض الإشكالات.

-القسم الثاني هو أن هناك منازل كانت لمسؤولين ذوي شأن في الدولة وتحتوي على أدلة ووثائق غاية في الأهمية ربما، تم اقتحامها ونهبها قبل أن تؤول لمسؤول الهيئة بالمصادرة أو السكن فيها مما فوت فرصة ذهبية للحصول على معلومات واثباتات لمحاسبة المسؤولين السابقين.

رصدنا أكثر من خمس حالات في هذا الإطار منها كان قصر لونا الشبل في قرى الأسد الذي اقتحم ونهب وسرق كل ما فيه.

-القسم الثالث وهو الاهم.. هو اختلاف البيئة والثقافة بين القادمين الجدد إلى هذه المدن وبين السكان، الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مشهد آخر تماماً..

تغيرت المحظورات فجأة، لم يكن عهد الأسد أفضل ولكن ما كان ممنوعاً في عهد الأسد لم يعد بالضرورة هو فقط الممنوع في عهد السلطة الجديدة.

فوجود بيت قيادي من الهيئة في أحد المناطق يعني وجود مرافقته وبعض مساعديه وعناصره ونقاط حراسة وربما حواجز.. لزوم تأمين المنطقة أمنيا..

وباعتبار أن عناصر الهيئة حلت مكان كل مؤسسات الدولة ومنها الجيش والشرطة، فهي ليس لها إلا أن تعتمد على عناصرها القادمة من خارج المدن، والتي في معظمها هي في الأصل عناصر تتبنى العقيدة السلفية الجهادية ضمن أسسها المعروفة.

وإن كان هناك تعليمات كما هو واضح من الإدارة الجديدة باحترام الحريات الشخصية وعدم التدخل في شؤون الناس في تلك المناطق ولكن وجود هذه العناصر بشكل غير منطبط مع غياب القانون والأجهزة الشرطية وتعطل عمل المحاكم عموماً، يجعل هؤلاء سلطة عليا يجب طاعتها، وإذا أخطأت وخرجت عن التعليمات العامة فهي ضمن ما بات يعرف بـ"الأخطاء الفردية" دون محاسبة تذكر.

الضجة التي حصلت حول حادثة عبد المنعم عمايري أتت بسبب أنه شخصية مشهورة ومعروفة وعندما يتعرض للإيذاء فإن الحدث سيكون ضخما وتتناقله وسائل الإعلام، ولكن إذا دققنا النظر سنجد عشرات الحالات يومياً بسبب هذه الظاهرة.

في ذات الوقت الذي كان يتحدث به الناس عن ضرب عمايري كان فصيل يقوم بإعدام مختار منطقة دمر في تجمع "احتفالي" جماهيري واسع ، في ذات الفترة قضى وجرح عشرات النساء والأطفال في الجامع الأموي لأن السلطات هناك سمحت (مزاجيا) لفعالية غير منظمة وغير مدروسة بأن تستقطب عشرات آلاف الناس بقرار اعتباطي أيضاً.

عنصر يدخل ليوعظ مرتادي مطعم في اللاذقية وآخر يعظ مواطنين جالسين في مقهى في دمشق، وفعالية جهادية دعوية تقام في ساحة في جبلة.. أشخاص تقتل هنا وهناك لأسباب غير واضحة وفي ظروف غامضة..

الاعتداء بالضرب على عمايري ليس حالة فردية بل ظاهرة تمثل حالة غياب القانون وفراغ أمني كبير.

كما ذكرنا انتشر فيديو يظهر عمايري يتحدث بصوت مرتفع ويهاجم بعض ما بدى أنه عناصر في الحي الذي يسكن فيه، ولم يظهر المقطع أي تعدي للعناصر على عمايري.

معلومات مؤكدة حصلنا عليها في "سيريانيوز" من مصدر ذو صلة بالموضوع لم يرغب بالكشف عن اسمه لخوفه التعرض لمضايقة أمنية أكد أن التسجيل صحيح ولكنه بتاريخ سابق للحادثة بأربعة أيام.

وأكد المصدر بأن عمايري بالفعل يقوم بأفعال استفزازية ومشاكسة في كثير من الأحيان تعبر عن رفضه وعدم ارتياحه لتواجد عناصر الهيئة في المنطقة التي يسكن فيها والتي يكثر تواجد القيادين والعناصر فيها، كونها كانت منطقة أمنية يقطنها الكثير من المسؤولين السوريين السابقين في عهد الأسد.

وفي معظم الحالات تجنب عناصر الهيئة توجيه أي إهانة لعمايري وحتى أنهم تجاوزوا تعديه اللفظي عليهم في أكثر من مرة منذ استقرارهم في الحي، بحسب المصدر.

ولكنه تعرض بالفعل إلى حالة ضرب ليل يوم الخميس من قيادي في الهيئة من إدلب يسكن في منزل "حسن مخلوف" وزير سابق في حكومة عرنوس، بعد أن سمعه يتعدى بالسباب على "الذات الالهية".. فقام بضربه.

إذاً عبد المنعم عمايري تعرض للضرب من قبل قيادي في الهيئة، والهيئة تابعت الموضوع وهي تحقق اليوم في القضية.

وكما ذكرت هو حدث سيستقطب اهتمام وسائل الإعلام لا شك، ولكن هو رأس جبل الجليد لمشكلة أكبر وأعم.. تتمثل في غياب سلطة القانون، غياب لوائح المخالفات والجرائم، وتحديد الجهات التي يجب أن تلاحق المخالفين والمجرمين، والقضاة هم الذين من المفروض أن يحاسبوا عمايري أو غيره ويحكمون عليهم في حال وقوع الخطأ.

 

المشكلة بأن هناك خوف لدى السوريين بأن تتحول سوريا لغابة وتحكمها.. شريعة الغابة.

 

نضال معلوف



Contact
| إرسال مساهمتك | نموذج الاتصال
[email protected] | © 2025 syria.news All Rights Reserved