تعلمت بانه في منطقننا لكي تفهم حدث معين يجب ان تعود للسياق، للخلفية.. فمنطقتنا لم تستقر بعد ولم يتح لنا المجال ان نطوي الصفحة ونتخلص من اعباء الماضي.. فماذا يمكن ان نقول في هذا المجال بالنسبة لما حصل بين الامير حمزة والملك عبدالله..
وهنا من الضروري ان نذكر بان الاردن هو ايضا دولة نشأت نتيجة القسمة التي حدثت بعد سايكس بيكو، وكان عبارة عن جائزة ترضية للامير عبدالله ابن الشريف حسين..
اذا اردت متابعة التقرير مصور .. اضغط هنا
والقصة باختصار بان الشريف حسين تحالف مع الانكليز ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى، ونتيجة خسارة العثمانيين للحرب انفرطت الدولة العثمانية.. وتوهم الشريف بان مناطق الحجاز والشام والعراق وفلسطين ولبنان ستكون في حكمه ويكون واولاده ملوكا عليها..
واعلن الامير فيصل نفسه ملكا على سوريا التي كانت تضم لبنان وفلسطين والاردن، وفي نفس الوقت اُعلن (او تم النداء) بالملك عبدالله شقيقه ملكا على العراق..
ولما لم يسمح الانكليز لفيصل باقامة الدولة السورية وطرد من سوريا.. اعطوه حكم العراق واصبح هناك مشكلة بالنسبة للامير عبدالله.
فتم اقتطاع "متصرفتين" (الكرك والسلط) من سوريا، واطلق عليهما اسم امارة شرق الاردن في العام 1921 ووهبت للامير عبدالله ليحكمها.
وبقيت الامور اشبه بحكم محلي بمتصرفيات وقائمقاميات.. الى العام 1946 اعلن عن قيام المملكة الاردنية الهاشمية.
طبعا هذه الاراضي هي اراض جرداء ليس فيها اي ثروات تذكر او مياه، محكوم عليها بالتبعية، وقامت اساسا على المساعدات المادية الانكليزية التي كانت بداية تغطي كل النفقات، وكأن الامارة (شرق الاردن) دائرة ادارية انكليزية..
وكما كل بلد من بلدان المنطقة كان له سيناريو ادام التحكم الاجنبي فيه بفعل ضعف الدول الحديثة الناشئة وعدم اكتمال النضوج السياسي فيها ليصبح هناك مؤسسات تعبر عن ارادة الشعوب فيها..
فان الاردن لم يكن خارج هذه المعادلة، التي بالعموم هي ضبط اداء "الادارات" في المنطقة وتوجيهها بما يضمن استمرار مصالح القوى الكبرى المتحكمة.
وهذا الكلام ليس من باب التقليل من شأن الاردن فشعب الاردن هو شعب سوريا ولبنان وفلسطين، وتاريخنا واحد، وعلى ما يبدو مستقبلنا واحد.. وانما هو عرض للوقائع كما جرت تماما على الارض لنفهم ما يجري اليوم..
في بداية القرن لم يكن هناك فصل بين شعوب المنطقة فكلها كانت جزءا من الدولة العثمانية، كانت العشائر والعوائل متوزعة منها من هو في مناطق الاردن اليوم ومنهم من هو في الشام.. كما يوجد اليوم عائلات افراد منهم في حلب واخرون في حمص او الحكسة..
حتى عندما دخل الفرنسيون كثير من القادة والمسؤولين الذين كانوا في الدولة السورية الاولى هربوا مع الامير فيصل واستقروا في الاردن وشغلوا مناصب رفيعة في عهد الامارة واصبحوا عوائل معروفة هناك..
فنحن شعوبا واحدة وهذه قناعتي..
ولكن من حظنا النكد اننا اصبحنا غنيمة حرب عظمى دفعت ثمنها القوى العظمى ما دفعت، وبتنا "حقا مكتسبا" لهم (تعزز هذا في الحرب العالمية الثانية) لا يمكن التفريط فيه بسهولة..
فكانت السفارات والاجهزة التي لم تفقد نفوذها عندما خرجت القوات العسكرية من بلادنا حريصة ان يبقى الحكم تحت سيطرتها ويراعي مصالحها تماما دون الاكتراث الى مصالح الشعوب.. ويبقى مصير الحاكم في يدها.. ومن يجرؤ ويصحو ضميره ويحسب بان حكمه مرتكز على الشعب وثابت بفعل ارادة الناس.. تقوم هذه الدول بقلب الطاولة على رأسه او هز العرش الذي يتربع عليه..
وهكذا دائما في كل بلد وبحسب ظروفه يبقى الحاكم تحت التهديد بعدو او اعداء، تمتد يد الدول المسيطرة الى الحاكم بالدعم وتثبيت الحكم، وتمتد يد اخرى "للخطر المنافس" كي يبقى حيا لا يموت..
لن اكرر كلاما سمعتموه كثيرا في الاعلام عن اصل وفصل الامير حمزة، هو اخ غير شقيق وولي عهد سابق عزل في العام 2004، ومن خلال نشاطه في الاشهر الاخيرة يمكن ان نقول بان هذا النشاط غير عادي، اعلاميا ومن خلال السوشيال ميديا على الاقل.. اصبح بالنسبة لي الامير حمزة يشكل مشروع.. مشروع بديل لعبدالله.. قبل ان يحدث ما حدث..
تفاصيل المشروع ومن وراءه لا تصدقوا بان احد يمكن ان يمتلك معلومات مؤكدة حوله.. ودائما في مثل هذه الحالات يستخدم الاعلام للتغطية والتضليل.. ربما لن تكشف الحقائق الا بعد سنوات طويلة، عندما تنشر الوثائق..
ولكن الاكيد بان مثل هذه الحوادث مؤسفة.. لماذا مؤسفة؟..
لانها تدل على عهد بعدم الاستقرار.. تدل على ان يد من الخارج امتدت اما لتقلب العرش او لتهزه وفي كلا الحالتين ستصل الى ما تريد.. وهو حدث سيضعف الاردن وسيادته على قراره.. ويزيد في مشاكل المنطقة ككل..
في كل الانقلابات التي حصلت في منطقتنا.. النتيجة واحدة اما يستبدل الحاكم بحاكم يفهم الدرس بشكل افضل عندما ينجح الانقلاب، او يفشل الانقلاب ويصحوا الحاكم الموجود ويعود لرشده ليدرك ان من يثبته على عرشه هي قوى خارجية لايمكن ان يستقل عنها.. ويفتح صفحة جديدة للتفاهم مع القوى الاصيلة التي تتحكم بالامور..
ماذا يريدون من الاردن ومن الملك عبدالله.. هناك الكثير من الملفات المفتوحة التي لا مجال لسردها هنا.. ولكن في العموم مطلوب منه ان يأخذ موقعه تماما في اطار المشروع الذي ينفذ في المنطقة بدون ان يسأل حتى عن الاسباب او عن ماهية مستقبل المشروع..
وليس بالضرورة ان يحميه هذا ويحمي الاردن.. فالمخطط الجهنمي ماض في منطقتنا وكنت قد تساءلت في مرات عديدة سابقة.. عن من التالي!؟..
نضال معلوف
لمتابعة قناتي على اليوتويب .. اضغط هنا