الفراغ والإحباط هما متلازمتان لطالما رافقتا معظم شبابنا في العالم العربي، فما نعيشه اليوم في سوريا وغيرها من الدول العربية، ليس إلا سلسلة طويلة عاشها أجدادنا قبلاً عندما كانوا في ريعان شبابهم.
فلماذا كتب على هذه المنطقة لعنة الضياع والتخبط، وحرم على شبابها متعة الأمل بمستقبل أفضل في أوطانهم ...؟؟؟
في العام 1956 نشرت صحيفة الحضارة الدمشقية مقالة على شكل رسالة موجهة من طالب سوري شاب هو جورج جبور، عبر فيها عن حرقة قلب الشباب العربي من أوضاعهم وحمل مسؤولية ما آلت إليه أمور المنطقة، وخصوصاً في فلسطين إلى الأمم المتحدة، تماماً كما يحس به الكثير من الشباب العرب في تلك الآونة، ودارت الأيام وشاءت أن يعين الشاب الذي انتقد الأمم المتحدة سابقاً بمنصب رئيس الرابطة السورية لدى الأمم المتحدة، فما تلك الرسال التي كتبها ذلك الشاب في ذلك الوقت ...
جاء في نص تلك الرسالة مايلي:
أيها الأمين العام ..
عندما تنزل من الطائرة وترسم على وجهك طيف ابتسامة، اعذرنا إذا لم ترتسم على وجوهنا أمثال ذلك الطيف.
عندما تغادر الطائر الميمون، وتنتشر في عينيك ملامح الهناء اعذرنا إذا لم تنتشر في عيوننا تلك الملامح.
لأننا استقبلنا منذ زمن سلفك ورسم على وجوهنا أطياف الابتسام، ونشرت في عيوننا ملامح الهناء وأكرمناه واحتفينا به وعلقنا على صدره أوسمة التقدير، ولكن قناعه انكشف وإذا بنا نرى وجهه الحقيقي، وإذا به وجه صهيوني لئيم ولايزال – أيها الأمين العام - في حلقنا من مأساة الأمل شجى وفي حناجرنا غصة ...
فاعذرنا ... اعذرنا إذا لحظت منا البرودة والفتور.
عندما يمضي بك روادك إلى خيم تتلاعب بها الرياح وتعبث بكيانها الزوابع، فلا تتحدث عن السلام، بل عن الحق المهضوم، وعن الباطل المسلح، وتحدث عن رأيك في الحقد، الحقد المرير الذي يسيطر على الملايين من العرب، وتحدث عن البؤس المخيم على مليون عربي شردتهم عن أراضيهم أطماع الاستعمارية والصهيونية الباغية.
أيها الأمين:
عندما تقف على أحوال المليون عربي لا تهز كتفيك في لامبالاة وعدم اكتراث، فكر في البؤساء لأنك تمثل الإنسانية، ولأنك مسؤول عنهم فهم حفنة من البشر.
وعندما تضيق بنظرات الازدراء والتحقير تنهال عليك فاعذرنا لأن الهيئة التي تتولى أمانتها لم تكن أمينة على الحق ... حقنا نحن العرب.
اعذرنا ... إذا لم تمهد طريقك بالورود ولم تفرش دربك بالزهور، ولم تعطر الأجواء بأريج الفل والزنبق، فليس في أيدينا ورود وأزاهير وليس فيها فل او زنبق.
اعذرنا إذا لم تتحدث قلوبنا بغبطة إليك ولم يظهر في نفسونا الانشراح، إذ أن نفوسنا وقلوبنا تنضح بالحقد.
وعندما تركب الطائرة الميمون لابأس أن تنسى جراحاتنا وأحزاننا، لأننا لم نعد نؤمن بجدوى الأدوية إن لم تكن من صنع أيدينا.
الطالب جورج جبور – جريدة الحضارة الدمشقية – 28/01/1956.
نحن على يقين أن هذه الرسالة تناسب مختلف الأزمان والعصور، فطريقة الأمم المتحدة والعالم أجمع لم تتغير بتعاطيها مع الشعوب العربية حتى يومنا هذا، وللأسف بدلاً من أن يساعد العالم على اقتلاع خيام اللاجئين الفلسطينيين وإرجاعهم لأوطانهم، أضافوا إليها خياماً جديدة أدنى من مستوى الخيام التي سبقتها، أضافوا لها خيام للملايين من اللاجئين السوريين.
والحقيقة تقال، ماذا سيبقى لوطنٍ لا أمل لشبابه فيه ولا حياة، لقد عرف العالم أجمع كيف يلقننا دروساً بالانهزام والإحباط، ولقد أتقنا أيضاً ألا نستفيد من الدروس والعبر، فبات التاريخ بالنسبة لنا مجرد انكسارات ولكن بأرقام مختلفة , اليس كذلك ؟