ظهر في الآونة الأخيرة خطر جديد يهدد حياة الشعوب ولا سيما المواليد منهم ، وهو الفايروس المعروف باسم "زيكا" ، والذي اجتاح اكثر من 24 دولة ومنطقة في نصف الكرة الأرضية حتى الآن بحسب منظمة الصحة العالمية, ما أدى الى ازدياد المخاوف في مختلف أنحاء العالم حول انتشاره ، ما دعا "الصحة العالمية" الى إعلان حالة طوارئ صحية عامة.
وهذه المرة الثالثة التي تعلن فيها الصحة العالمية حالة الطوارئ منذ عام 2007, حيث كانت المرة الأولى بسبب انتشار وباء انفلونزا الخنازير في العام 2009, والمرة الثانية كانت عند انتشار وبائي "الإيبولا" وشلل الأطفال في 2014, وهذه هي المرة الثالثة بسبب فيروس "زيكا" في 2016.
ظهر فيروس زيكا للمرة الأولى في أفريقيا في أربعينيات القرن الماضي وظل غير معروف في الأمريكتين حتى ظهوره في أيار الماضي في منطقة تعاني من الفقر بشمال شرق البرازيل, وسجل الفيروس ما يقارب الـ 1,5 مليون إصابة في البرازيل حتى الآن, ما دفع المنظمة الأممية لتشكيل فريق طوارئ لمواجهة تفشي المرض، الذي يربط العلماء بينه وبين ولادة آلاف الأطفال برؤوس صغيرة في البرازيل.
ما هو فيروس "زيكا"؟
"زيكا"، بحسب خبراء منظمة الصحة العالمية، هو فيروس ينتقل عن طريق بعوضة "الزاعجة المصرية"، التي تحمل أيضا حمى الضنك والحمى الصفراء، واكتشف لأول مرة في أفريقيا في أربعينيات القرن الماضي، لكنه ينتشر الآن في أمريكا اللاتينية.
واكتشف فيروس زيكا أول مرة في القردة عام 1947 في غابات زيكا بأوغندا, ومن هنا جاء سبب تسمية الفيروس بهذا الأسم, وسجلت أول حالة إصابة بشرية في نيجيريا عام 1954، وعلى مدى عقود لم يكن الفيروس يمثل تهديدا كبيرا على صحة الإنسان، وتجاهله المجتمع العلمي إلى حد كبير.
لكن البرازيل رصدت الحالات الأولى من الإصابة بالفيروس في أيار من عام 2015، ومنذ ذلك الحين، أصيب ما بين 500 ألف و 1.5 مليون شخص بالفيروس في البرازيل حتى الآن، وانتشر الفيروس بعد ذلك إلى أكثر من 24 دولة في المنطقة.
وبحسب المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية مارجريت تشان فإن أربعة مليون شخص في أمريكا، سوف يكونون مهددين بخطر الفيروس “زيكا".
ويَنتقل فيروس "زيكا" بِواسطة البَعوض خلال فترات النَهار، وقد تَم عَزل جزء كبير من الفيروس والتعرف عليه من جِنس "البعوض الزاعج"، مِثل "البعوضة الزاعجة المصرية", وَقد أظهرت الدراسات أن فيروس زيكا يُمكن أن ينتقل بين البَشر عن طريق الاتصال الجنسي أيضا, ويشار الى أن السلطات الأمريكية أعلنت يوم أمس الثلاثاء في ولاية تكساس تسجيل أول حالة للإصابة بفيروس زيكا في الولايات المتحدة, وأوضحت أن العدوى على الأرجح انتقلت عبر اتصال جنسي وليس بسبب لدغات البعوض.
كما ظهرت بعض الحالات التي تؤكد إمكانية انتقال الفيروس عبر المشيمة، مما يؤثر على الجِنين الذي لَم يولد بَعد، وَقد وُجد أنه من المُمكن أن ينتقل الفيروس من الأُم المُصابة إلى الطَفل أثناء الوِلادة، وَلكن هذا الأمر نادِر الحُدوث بحسب الدراسات.
وعن أعراض المرض، يقول خبراء منظمة الصحة، إن حدوث حالات وفيات جراء الإصابة بالفيروس أمر نادر، و80% من حالات الإصابة لا تبدو عليها أية أعراض، ومن ثم يصعب فحصهم، لكن من بين الأعراض التي تم رصدها ارتفاع متوسط في درجة الحرارة، والتهاب في العين، والصداع، وآلام المفاصل، وحكة في الجلد.
وأضافوا أن هناك أدلة متزايدة على وجود صلة بين الفيروس وصغر حجم الرأس، حيث اشارت الدراسات الى أنه إذا أصيبت امرأة حامل بفيروس زيكا، فإنها معرضة لخطر كبير بأن يولد طفلها بعيب صغر الرأس الخلقي وهو مرض نادر لكنه مدمر، يجعل الأطفال يولدون بجمجمة صغيرة جداً، وتلف شديد في الدماغ.
ويقدم الخبراء نصائح عدة للوقاية من الإصابة بفيروس زيكا منها:
- وضع كريمات طاردة للبعوض بصفة دورية, ينبغي وضعها بعد الكريمات الحماية من أشعة الشمس وليس قبلها، حيث يمكن أن تعمل تلك الكريمات كطبقة واقية .
كما ينبغي للدهانات الطاردة للبعوض أن تكون آمنة على صحة الحوامل، على الرغم من ذلك لابد من استشارة أطباء الولادة قبل استخدامها.
- ارتداء الأكمام الطويلة, يتفق الخبراء على النصيحة المتمثلة في ارتداء سراويل طويلة وفضفاضة وأكمام طويلة. كما ينبغي أن تكون الملابس سميكة على نحو يحمي الشخص من لسعات البعوض.
كما توجد أيضا ملابس مخصوصة تحتوي على مادة "بيرمثرين"، وهي عبارة عن مبيد صناعي يدخل في تركيب نسيج الملابس، وذلك قد يتوافر فقط في دول معينة.
- وقاية المنزل من البعوض, حيث ينصح الخبراء بالنوم في أماكن يتوافر بها "موانع للوقاية" قدر الإمكان، مثل أبواب مغلقة ونوافذ محكمة الإقفال فضلا عن الشبكات السلكية للنوافذ التي تحمي من دخول البعوض. وخلال الليل يمكن أن توفر الناموسيات حماية إضافية.
- الحذر من النباتات الموضوعة في أواني حيث يعتبر الماء بيئة تكاثر مثالية بالنسبة لها.
- إحكام اغلاق القمامة, فمن الممكن أن تصبح النفايات المنزلية أيضا ساحة لتكاثر البعوض بسبب المياه المتراكمة.
ويحذر الخبراء أولئك الذين يعيشون في الأماكن الخطرة بضرورة إتباع تدابير احترازية حينما يتعلق الأمر بالتعامل مع القمامة، والتي ينبغي أن توضع في أكياس بلاستيكية مغلقة.
- رش المبيدات الحشرية.
- استخدام أجهزة مكافحة البعوض في المنزل.
- تجنب السفر بالنسبة لأولئك الذين يعيشون خارج المناطق المتضررة، حيث ينصح الخبراء بتجنب السفر إلى هذه المناطق, لذلك حذرت السلطات الصحية في أكثر من دولة بأمريكا اللاتينية ودول الكاريبي النساء من خطورة الحمل في الوقت الحالي بسبب مخاوف زيادة تشوهات الأطفال جراء الإصابة بفيروس "زيكا".
كما ينبغي اتخاذ تدابير إضافية في حالة إصابة شخص بغية تجنب تعرضه لمزيد من لسعات البعوض خلال الأسبوع الأول من المرض، بحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها, ويأتي ذلك لأن الفيروس في الدم قد ينتقل من شخص مصاب إلى شخص آخر عن طريق لسعات البعوض.
ما هي التحذيرات الخاصة بالحوامل؟
قامت مديرة قسم مراقبة الأمراض المعدية في وزارة الصحة البرازيلية بتوجيه نصيحة إلى النساء في أسوأ المناطق المتضررة بهذا الفيروس، لتأجيل الحمل على قدر الإمكان في الوقت الحالي، لكن، هناك أماكن أخرى كانت التحذيرات فيها أكثر جدية. ففي الأسبوع الماضي، حث مسئولو الصحة في السلفادور كل النساء في سن الإنجاب بأن يأخذوا خطوات في منع الحمل حالياً، لتجنب حدوث حمل هذه السنة والسنة القادمة.
في كولومبيا التي تعد ثاني أعلى معدل للعدوى بعد البرازيل، وحيث تضاعفت حالات النساء الحوامل المصابات الأسبوع الماضي، تنصح الحكومة النساء بتأخير الحمل من ست إلى ثماني أشهر، وتجري المملكة المتحدة مسحاً بالموجات فوق الصوتية على المواطنات الحوامل العائدات من الأماكن المصابة، للتأكد من نمو الأجنة بشكل سليم.
ماذا عن جيل الأطفال المصابين بفيروس "زيكا"؟
يوجد الآن في البرازيل حوالي 4000 مولود مصاب بصغر الرأس الخلقي منذ تشرين الأول الماضي، حيث حدثت زيادة في الإصابات قدرت بعشرين ضعفاً، منذ أن تم التعرف على الفيروس، وبحسب الدراسات فإنه من المبكر التنبؤ بتأثير الفيروس على هؤلاء الأطفال حين يكبرون، ولكن وبناء على حالات سابقة فإن الأطفال الذين يعانون من صغر الرأس الخلقي أعمارهم سوف تكون قصيرة، كما أن اعتمادهم على عائلاتهم سوف يكون كبيراً.
وقال عالم الجينات الإكلينيكية في جامعة كامبريدج جيف وودز إن "هؤلاء الأطفال من الممكن ألا يستطيعوا التعرف على آبائهم، أو استقبال الشعور بالألم، كما إنهم سوف يحتاجون إلى المراقبة المستمرة، لأنهم لن يكونوا قادرين على تحديد حاجتهم إلى الطعام أو الشراب، الفيروس مثير للخوف البالغ لنا، نحن الذين لم نتأثر به، فما بالك بالعائلات التي أعطاها الضربة الأولى بالفعل؟".
وعن إمكانية أن يشكل فيروس "زيكا" خطراً على العالم العربي وأكثر الدول عرضة لخطره، قالت المتحدثة الرسمية لمنظمة الصحة العالمية في قسم الشرق الأوسط فإنه لم يقع إلى الآن تسجيل أي حالة إصابة بالفيروس في الدول العربية. إلا أن "البعوض الزاعج"، وهو المتسبب في ظهور الفيروس والناقل له، منتشر في عدة دول في الشرق الأوسط.
وأشارت المتحدثة الى أن هناك سبع دول في الشرق الأوسط، وهي مصر، السعودية، السودان، اليمن، الصومال، باكستان وجيبوتي هي الأكثر عرضة لخطر فيروس "زيكا", وعليه، فإن هذه البلدان معنية أكثر من غيرها باتخاذ خطوات حازمة للحماية من انتقال الفيروس إليها.
يشار إلى أنه لا يوجد حتى الآن لقاح أو علاج لعدوى زيكا الفيروسية في وقت تسعى الولايات المتحدة لإنتاج لقاح له.
وكانت رئيسة البرازيل ديلما روسيف قالت مؤخرا إن حكومتها لن تدخر أي موارد في سبيل تعبئة بلادها في حرب لمكافحة البعوض الذي ينقل فيروس "زيكا" الذي يجتاح الأمريكتين حاليا. مشيرة الى أنه"لن يكون هناك أي نقص في التمويل".
وأضافت روسيف ان البرازيل والولايات المتحدة دخلتا شراكة لابتكار لقاح مضاد لفيروس "زيكا" في أسرع وقت ممكن للقضاء على انتشار الفيروس المرتبط بآلاف من حالات تشوه مخ المواليد بالبرازيل.
وفي إطار السباق الدولي لابتكار لقاح ضد فيروس "زيكا" أطلقت شركة "سانوفي" الفرنسية للمستحضرات الطبية مشروعا لابتكار لقاح ضد الفيروس في أقوى التزام من نوعه حتى الآن لمكافحة هذه العدوى الفيروسية.
بدورها قالت مديرة منظمة الصحة العالمية مارجريت تشان إن الأمر يتطلب تضافر الجهود الدولية لتحسين أساليب الرصد وتسريع جهود ابتكار لقاح مع تحسين أساليب تشخيص المرض مشيرة إلى ان المسألة لا تستلزم فرض قيود على السفر أو التجارة.
ويشار الى أن منظمة الصحة العالمية تعرضت لانتقادات العام الماضي لتأخرها في التعامل مع وباء" الايبولا" بغرب افريقيا الذي أودى بحياة أكثر من عشرة آلاف شخص خلال عامين بعد ان تعهدت المنظمة بسرعة مواجهة الوباء.
سيريانيوز