كورونا.. الفيروس الذي اغلق الكوكب.. الى اين؟

26.03.2020 | 14:54

تصيب الانفلونزا الموسمية اكثر من 50 مليون شخص وتتسبب في وفاة ما يقارب 60 الف شخص سنويا، وهي ارقام تفوق بكثير الارقام التي سجلها كورونا حتى اليوم في كل انحاء العالم.. لماذا اذا نعتبر ان كورونا وباء مرعب!؟

واذا حاولنا بحسبة بسيطة ان نقدر عدد ضحايا الانفلونزا الموسمية في الولايات المتحدة سنكتشف بان الرقم هو 330 وفاة يوميا وهو الى الان يفوق بكثير عدد وفيات كورونا، واذا اخذنا هذا المقياس على مستوى العالم فانه بحسب التقديرات لتقارير مجلات طبية مختصة عدد وفيات الانفلونزا الموسمية سنويا هو 650 الف وفاة ما يعني وفيات يومية بمقدار 1800 وفاة.

الاصابات والوفيات بالانفلونزا الموسمية في الولايات المتحدة لهذا الموسم (54 مليون اصابة و59 الف وفاة)
 


فيما ان عدد ضحايا كورونا وصل الى 18 الف وفاة وسجل عدد مصابين لتاريخ 23 اذار 2020 بمقدار 375 الف (ارتفع هذا العدد خلال فترة اعداد هذا المقال) وهي ارقام تبقى اقل بكثير من الارقام المسجلة للانفلونزا الموسمية الى تاريخ اليوم.

الاصابات والوفيات بكورونا على مستوى العالم لتاريخ 23 اذار، 375 الف اصابة و17000 وفاة تقريبا (الرقم يرتفع باستمرار)


 

تخيلو معي لو ان وسائل الاعلام تفرغت (مثلما تفعل الان) لنقل اخبار الوفيات بالانفلونزا الموسمية، سيتحول هذا المرض الذي نتعايش معه الى امر مرعب هو الاخر يفسد علينا حياتنا بشكل كامل.

فاذا هل عملية تخويف الناس من كورنا مبررة؟

 

الحقيقة الجواب هو نعم!

ومبررات الاجابة بنعم هو ان هذا الفيروس مازال مجهولا وان عدد الاصابات والوفيات المحدود اليوم يرجع الى الاجراءات الصارمة التي اتخذتها الدول في مواجهته والحد من انتشاره.

لا احد يستطيع ان يقدر فيما لو ترك هذا الفيروس بدون اتخاذ الاجراءات الصارمة التي اغلقت كوكب الارض اليوم ماذا ستكون النتيجة، ولا احد من القادة او الزعماء يستطيع ان يخوض هذه المغامرة ويتحمل النتائج.

اذا كان لا بد من كسب الوقت للتعرف على هذا الفيروس وقياس النتائج التي يمكن ان تتأتى من انتشاره، وضمن حقيقة انه فيروس قوي شديد العدوى واكثر قدرة على القتل من الانفلونزا الموسمية، كان لا بد ان تعمل الدول على تثبيته وابطاء دورة انتشاره.

فعملية الاغلاق التي تمت يمكن تشبيهها بمشاهدة فيلم بالحركة البطيئة لكي نكسب الزمن ونجمع اكبر معلومات ممكنة عن الفيروس واضراره، ليستطيع العالم ان يتخذ القرار المناسب في كيفية مواجهته.

 

فماذا لدينا من حقائق حتى الان..

كما ذكرت خطورة هذا الفيروس بانه شديد العدوى وبحسب بعض الدراسات الاولية التي نشرت في تقارير لمجلات متخصصة، فان نسبة العدوى يمكن ان تصل الى 1:3 بينما في حالة الانفلونزا الموسمية هي 1:1.3 اي انه اشد بمقدار ثلاثة اضعاف على الاقل.

ويجب ان نتذكر دائما في الحديث عن الارقام بما يخص هذا الوباء بانها ليست نهائية وغير دقيقة ويمكن ان تكون النسب اكبر من تلك التي رصدت اليوم، وهذا ينطبق على نسبة الوفيات التي تقدر ايضا بشكل متفاوت بين 1.4 الى 4% بحسب البلدان التي انتشر فيها الوباء وطريقة التعامل معه.

من الحقائق التي ظهرت ايضا ان 80% من الاشخاص الذين يصابون بهذا الفيروس تظهر عليهم اعراض متوسطة او بسيطة ويتغلبون عليه بدون مساعدة طبية، فيما 20% يلجأون الى المشافي.

معظم ضحايا كورونا هم من الاشخاص الذين يتخطون الـ 65 عاما وبالاخص هؤلاء الذين يعانون من امراض اخرى او من وضع صحي سيء.

فيما نسبة الذي يتحول المرض عندهم  من الفئات العمرية الاقل الى حالات حرجة، هي نسبة ضئيلة وتكاد تكون معدومة في الفئة العمرية اصغر من 19 عاما. (يبقى هؤلاء قادرين على حمل الفيروس ونقله الى الاخرين).

بالنتيجة هذا الفيروس خطر وقاتل صحيح، ولكن يمكن السيطرة عليه (وهذا مبدئيا اصبح واقع في حالة الصين وبعض دول شرق اسيا) من خلال اتخاذ اجراءات الاغلاق المؤقت وتبطيء عملية الانتشار وتحديد الحالات المصابة وعزلها.

 

فإلى متى تبقى حالة الاغلاق قائمة؟..

الاجابة على هذا السؤال تحتاج دراسة مستمرة للارقام الواردة من البلدان التي انتشر فيها الفيروس بشكل واسع، ليس بما يتعلق بالوباء نفسه ولكن بالاضرار التي تسببت فيها حالة الاغلاق نفسها.

يجب  اضافة عامل هام في سياق الوصول الى الاجابة الواقعية على السؤال وهي ان معظم الاوبئة المماثلة التي اصابت العالم قبلا مثل الانفلونزا الاسبانية عام 1918، الانفلونزا الاسيوية عام 1957، انفلونزا الخنازير 2009، كلها تباطئ انتشار العدوى فيها مع دخول الصيف وانتهى تقريبا في منتصف الفصل من العام نفسه.

فحالة الاغلاق التي اتخذتها البلدان والتي تمتد الى 4 او خمسة اسابيع ويمكن تصل الى 8 اسابيع، ستوفر فرصة للقادة واصحاب القرار لقراءة النتائج وموازنة الاضرار وقياس فيما اذا كان بالامكان تحمل تكلفة الخسائر البشرية في حال تم العمل على رفع الاجراءات الصارمة بالتدريج، خاصة وان الدول العظمى (وكذلك باقي الدول لاسباب متعددة) لا يمكن ان تتحمل تكلفة الاغلاق الحاصل اليوم الى مدد طويلة.

ولهذا من المتوقع ان تؤدي عملية الاغلاق الى ابطاء عملية انتشار الفيروس التي توفر القدرة للسيطرة عليه، بمساعدة دخول نصف الكرة الارضية الشمالي (حيث تتركز معظم الاصابات) بفصل الصيف، وتوفر البيانات اللازمة لاصحاب القرار وكذلك استكمال عمليات التهيئة والاستعداد لتحمل تكلفة الوباء في حال رفع حالة الحظر والاغلاق من كل النواحي، الصحية، الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية ايضا.

 

ولذلك يمكن ان نرى، ان اجراءات التراجع عن اغلاق البلدان تبدأ في منتصف شهر نيسان وتتتابع وصولا الى نهاية شهر حزيران من العام الحالي، وعلى الاغلب ستقود الولايات المتحدة هذه العملية لانها اكثر البلدان تضررا من عملية اغلاق البلاد.

 

اذا ماذا نفعل نحن امام هذه الحقائق؟..

الحقيقة ما يمكن ان نفعله للمساعدة في القضاء على هذا العدو القاتل هو التقيد بالاجرءات الحكومية، فالحكومات اتخذت قرارات تكلفتها باهظة (ونحن بشكل او بآخر سندفع هذا الثمن)، فلنجعل الامر يستحق العناء.

الحل الموجود اليوم كما ذكرت اكثر من مرة هو ابطاء انتشار الفيروس لاضعافه وتخفيف العبء على النظام الصحي وافساح المجال لتحديد الحالات المصابة وعزلها وجمع اكبر قدر من البيانات والمعلومات عن سلوك الفيروس لتعزيز القدرة على اضعافه وهزيمته.

وبالتالي المساعدة في هذا الاتجاه من خلال حماية انفسنا اولا ومنع انتشار العدوى في مجتمعاتنا ثانيا، وانجاح الحل الوحيد الذي اثبت نجاعته في محاصرة الفيروس (من خلال تجربة الصين وبعض الدول الاخرى)، وهو ما يجب ان نفعله اذا اردنا ان نعود لحياتنا الطبيعية في اقرب وقت ممكن.

 

في المحصلة يجب ان نفهم بان هذا الوباء خطير، وما نعيشه اليوم ظرف استثنائي لم تشهد اجيال كاملة سابقة مثله، يدعنا امام تهديد حقيقي لمستقبل البشرية، وان تجاوز هذه المحنة مرتبط بمدى انضباطنا والمساعدة في انجاح الخطوات المقررة من قبل الحكومات، الامر الذي قد يبشر بان نستعيد حياتنا في اقرب وقت ممكن.. عل هذا الوقت لا يتجاوز بداية الصيف القادم.

 

نضال معلوف

https://www.facebook.com/nedal.malouf



Contact
| إرسال مساهمتك | نموذج الاتصال
[email protected] | © 2022 syria.news All Rights Reserved