ربما نحن من البلاد القليلة التي ماضيها يكون دوما اجمل من حاضرها وهذا ما يجعلنا نقف على الاطلال دائما وفي قلبنا حسرة .. من الصعب ان تخمن ما هو هذا المكان الذي يظهر في الصورة ..
الصورة تعود لثلاثينيات القرن الماضي و هي للشارع الذي يصل بين محطة الحجاز بدمشق وأشهر أسواقها (سوق الحميدية)، شارعٌ لا يكاد يوجد دمشقي إلا ويعبره بشكل يومي، وأغلبهم لا يعرفون ما قصته ولماذا سمي بهذا الاسم...
شارع النصر يمتد غرباً من محطة الحجاز إلى سوق الحميدية شرقاً، وكانت تسمى تلك المنطقة في العصرين الايوبي والمملوكي بـ "حكر السماق" نسبة لما كان يزرع فيه من السماق، وعندما تولى جمال باشا الملقب بالسفاح قائد الجيش الرابع التركي الولاية على بلاد الشام عام 1914 أمر بتوسيع الطريق بالشكل الذي هو عليه حالياً، فهدم بعض الأبنية وقام ببناء اخرى، واطلق اسمه على الشارع، واستمر في ذلك حتى دخول القوات العربية بقيادة فيصل بن الشريف الحسين سنة 1918،حيث اطلق عليه اسم شارع النصر نسبة إلى "باب النصر" الذي كان موجوداً عند مدخل سوق الحميدية، شيده نور الدين زنكي في القرن الثاني عشر الميلادي وهدمه الوالي العثماني محمد رشدي باشا الشرواني عام 1863.
وحمل شارع النصر صفة رسمية مع بداية عام 1864 عندما كان يصل بين مبنى السرايا في العهد العثماني (مكان القصر العدلي حالياً)، حيث كان مقرا للولاة العثمانيين، وسكن الموظفين الأتراك الذين كانوا يقطنون بحي القنوات.
وفي أواخر العهد العثماني تحول السراي العثماني إلى دار المشيرية العسكرية العثمانية، وفي فترة الانتداب الفرنسي صار مقراً للمندوب السامي الفرنسي، وفي عام 1945 احترق المبنى وتهدم وشيد مكانه القصر العدلي عام 1947.
وحلت المباني والمشيدات الاسمنتية مكان الأشجار الصنوبريات والسرو، وظل الشارع حتى بداية العشرينيات من القرن الماضي يضم الأشجار الكثيفة واربع بحيرات تتوسطها النوافير من فرعي نهر بردى "بانياس وقنوات".
واحتضن هذا الشارع العديد من المشيدات الدينية والحكومية، أبرزها جامع عيسى باشا والجامع الخليلي، اللذان هُدما عند توسع الطريق من قبل جمال باشا، وجامع "تنكز" المملوكي الذي بناه نائب الشام سيف الدين تنكز سنة 1317 أيام حكم السلطان محمد بن قلاوون لمصر والشام، وتم تجديد الجامع سنة 1367 وأنشئت فيه سنة 1585 تكية للدراويش، وتم تجديدها سنة 1941 وشيد بجانبها جامع ومئذنة على الطراز المملوكي.
ومبنى الطابو الذي بني سنة 1932 على نمط العمارة الأوروبية ويشغله حالياً إحدى مكاتب وزارة الزراعة، وأيضاً مبنى مؤسسة مياه عين الفيجة المشيد عام 1942 على الطراز العمارة الإسلامية.
وأيضاً مبنى إذاعة دمشق الذي شغلته الإذاعة منذ عام 1945، بعد انتقالها من المبنى القديم في شارع بغداد وظلت هكذا حتى ستينات القرن الماضي، حيث تم نقلها إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون الجديد في ساحة الأمويين.
وأهمية شارع النصر لا تقتصر على مبانيه فقط، فموقع الاستراتيجي اكسبه أهمية كبرى أيضاً، فهو صلة الوصل بين قلعة دمشق وسوق الحميدية شرقاً ومحطة الحجاز غرباً، كما ويتقاطع من طرفه الجنوبي مع شارع خالد بن الوليد الذي يعد مدخلاً رئيسياً لحي القنوات العريق، ومن الشمال يتصل بزقاق رامي الواصل إلى ساحة المرجة.
زالت اليوم معظم معالم الشارع الهادئ ، وتحول المنصف الواسع المشجر والذي كان فسحة للدمشقيين ( كما كثير من المناطق الاخرى ) الى خط واحد من اشجار النخيل وابنية اسمنتيه قبيحة مغطاة بطبقة سميكة من "الشحار" الذي تطلقه آلاف السيارات التي تعبر الشارع يوميا .