بحسب متابعتي فان اكثر المسلسلات حضورا لهذا الموسم الرمضاني بين الجمهور السوري هو مسلسل "مع وقف التنفيذ" و"كسر عظم" المسلسلان اللذان يعرضان حالة الفساد والتفسخ في المجتمع السوري ويبدو انهما تجاوزا كل الخطوط الحمراء..
ويقف على رأس الفساد واعمال العصابات والبلطجة الممثل القدير فايز قزق بشخصية الحكم في مسلسل مع وقف التنفيذ وشخصية أبو ريان، ويرتبط بكثير من الشخصيات التي تدور في فلك هذه الحلقات الجهنمية التي تظهر وكأنها تتحكم بالبلاد والعباد..
والحقيقة ان ما يظهره المسلسل حقيقي الى حد كبير، إدارة عامة هدفها تحقيق منافع خاصة واستخدام كل الإمكانيات للحفاظ على النفوذ والمصالح الشخصية.
"أديب" يقوم بعمليات الاستثمار والاحتكار لمراكمة الثروة وأبو ريان (الحكم) يلجأ اكثر الى الاعمال غير المشروعة مثل تهريب المخدرات ويواجه منافسة متنفذين من السلطة أيضا، فيما صراع "أديب" يكون مع زوجة وصولية ومنافس من الضفة السياسية الأخرى، ويظهر ان جسور التواصل بين الضفتين ما زالت ممدودة لتحقيق المصالح الخاصة ومراكمة الثروة، ويأتي هذا فوق كل اعتبار وطني أو مصلحة عامة.
ومن يقف في طريق آلة الفرم هذه تقوم بتمزيقه إربا كائنا من يكن، إن كان طامعا فاسدا آخر أو شريفا حرا يعمل وفق مبدأ المؤسسة ومصلحة الوطن..
والحقيقة بأن هذا الواقع موجود في كثير من البلدان ومنها البلدان المتقدمة والقوية.. فلماذا لا يكون موجودا عندنا.. وما الجديد ولماذا كل هذا الجدل.. مالفرق؟
الحقيقة أن الفرق كبير..
في الدول الحقيقية التي قد تختلف فيها نسبة الفساد بهوامش محددة يكون فسادا ضمن المنظومة العامة التي تعمل للصالح العام وتؤثر عليها بحسب حجم هذا الفساد.
أي أن الدولة موجودة بمؤسساتها والحياة السياسية قائمة والمناصب مكرسة للخدمة العامة، ولكن يمكن ان يتم الوصول الى هذه المناصب من خلال الحيلة والتحالفات والتقاء المصالح وان يحاول من يصل الى المناصب ان ينمي ثروته، ولكن يبقى هذا ضمن الاطار العام، يبقى الاطار العام موجه للخدمة العامة ولا يمكن ان يتم تجاوزه وإن تم تجاوزه فان المنظومة تدق جرس الإنذار ويتم بشكل او بآخر التخلص من الشخص الذي اضر بها..
في سوريا الوضع مختلف تماما..
في سوريا الفساد ممنهج.. وعملية الإدارة العامة جزء من خدمة المصلحة الشخصية للحاكم.. والحاكم يتحكم في كل شبكات الفساد ويملك كل شيء فيها من افراد وشركات وعصابات وما تحصله كل هذه الكيانات من أموال ويسيطر على كل ما تمتلكه من نفوذ.
الفساد في سوريا ليس حالة شاذة مرضية قد تصاب بها المؤسسات ويمكن في مرحلة ما ان تنتشر وتستفحل وهناك صراع بين الخاص والعام.. بل هو الأساس الذي بنيت عليه السلطة ويتم استخدام كل شيء لخدمة هذه السلطة وتعزيز نفوذها ومراكمة الثروة في يد مالكها..
مالا يقال في الدراما السورية هو كيف وصل أديب للسلطة وكيف وصل أبو ريان، وماذا يفعل بكل هذه الأموال بماذا توظف ومن تخدم..
الحقيقة الحكم مثلا هو احد الاقطاعيين المعتمدين من قبل الحاكم في سوريا من قبل الرأس.. في اتفاق بسيط غير مكتوب.. افعل ما تشاء وسع نفوذك في هذا القطاع وراكم الثروة.. وانتظر الأوامر..
اما المتحكم بالنفوذ وامر الصرف الحقيقي للثروة المتراكمة والمالك الوحيد للفاسدين ونتاج الفساد هو الحاكم..
مالا تشير اليه الدراما هو الأوامر اليومية التي تأتي للحكم او أديب ليلتقي فلان وينقل الرسائل لعلان ويصرف المال لذاك السياسي ويزود تلك العصابة او المليشيا بالمال..
هو الذي يشير الى الفاسد حول الطرقات والتفرعات والفرص والاعمال غير الشرعية المتاحة ويوفر له كل الحماية والحصانة ليمضي فيها طالما انه يحقق المطلوب من مال ونفوذ..
الحكم في واقع الامر لا يملك فعليا أي شيء هو وما يملكه في تصرف الرأس وهو رأس واحد.. يسمح له بالتصرف وفق ما يتطلبه موقعه لزوم العمل ليفرض الخوف في محيطه ويكون قادرا على شراء الذمم والوصول الى الغاية التي يسعى اليها بكل الطرق..
مالا يرد في الدراما ان أديب أو الحكم.. عندما يجد الجد لا يملكا ان يتصرفا حتى في لباسهم الداخلي وانه في مرحلة من المراحل يجردان من كل شيء ويتم التخلص منهما مثل أي أداة مستعملة لم تعد تصلح للاستخدام ويفوض النفوذ لفاسد عديم الاخلاق آخر ويحتفظ بالثروة في القصر هناك حيث يعيش الزعيم..