مساهمات القراء

كم خُدِعنا ... بقلم : اسماعيل أبو فخر

مساهمات القراء

14.10.2025 | 20:39

كم خدعونا حین صدّقنا أن الحریة ستولد من بین الركام، وأن أصواتنا المبحوحة في الشوارع ستثمر وطناً جديداً تتساوى فيه الكرامات.

كنت واحداً من أولئك الذين آمنوا أن الثورة السورية لم تكن مجرد انتفاضة ضد طاغية، بل كانت وعداً بعدالةٍ تسع الجميع، وحلماً بسوريا تتجاوز الطوائف والمذاهب، وتبني مجتمعاً لا يُفرّق بين أبنائه.

 لكن كم خُدِعنا

خُدِعنا أولاً بالشعارات التي حملت اسم الحریة، بینما كانت تخُفي تحت أكمامھا خناجر الكراھیة والانتقام

خُدِعنا حین ظننا أن سقوط الأسد سیفتح أبواب النور، فإذا بنا نقع في ظلمات أخرى، أشد قسوة وأعمق جرحاً، مع صعود سلطاتٍ جدیدة تتزیاّ برداء الثورة، لكنها تمارس ما هو أبشع من طغيان النظام

لم یكن جرحنا في السویداء جرحاً عابراً،لقد اكتشفنا سریعاً أن دمنا مستباح، وأن صرخاتنا لا تجد من یسمعھا حتى بین من كانوا یرفعون معنا شعار الشعب السوري واحد”. 

ما أشد الخیانة حین تأتي ممن ادّعوا یوماً أنھم إخواننا في الوطن والحریةأكتب ھذه الكلمات وفي ذاكرتي تنزف صورة بیتٍ أمن حوّل إلی كفن .

بیت أختي التي آمنت أن الأمان یكمن في البقاء، وأن رجال الأمن لن یمدوا یدھم على مدنیین لا یحملون سلاحاًلكن الحقیقة كانت أشد قسوة من كل خیال.

 في مجزرة آل عكوان وابناء الجیران، سقط زوجھا الشیخ سمیر عكوان، ومعه ولداھا الصغیران البطل صالح (13 عاماً) والبطل يوسف (15 عاماً). ذاك البیت الذي كان یمتلئ بالضحكات والذكریات الجمیلة، تحوّل بین لیلة وضحھاالى شاھدٍ على الغدركانوا یثقون بالسلطة، فغدرت بھموكانوا یظنون أن الثورة ستحمي الضعفاء، فإذا بالضعفاء يتركون وحيدين أمام المقصلة.

أكثر ما يُوجع ليس القتل وحده، بل صمت من اعتبرناهم يوماً شركاء في الحلم بل الأسوء: أن بعض هؤلاء وجد في دمائنا مبرراً للشماتة، او سلعة لمقايضة سياسية.

ھنا أدركت حجم الوھملم نكن أمام ثورة واحدة، بل أمام مرایا مشوھة عكست أحقاداً دفینة، وفتحت أبواب الجحيم باسم الحرية.

كم خُدِعنا… حين سلّمنا قلوبنا لنداءاتٍ كانت تنطق بالوحدة وتُخفي في قلبها الطائفية، حين صدقنا أن بإمكاننا أن نصوغ وطناً جديداً مع من لا يرون فينا سوى " أقلية " ينبغي إخضاعها أو إلغاؤها. وحين ظننا أن العالم سيتحرك ليحمي الدم السوري، فاكتشفنا أن مصالحها أثمن من دمائنا جميعاً.

 الیوم، وبعد أن انكشفت كل الوجوه، لم یبقَ أمامنا إلا أن نواجه الحقیقة كما ھيالثورة التي حلمنا بھا لم تولد، بل اختطُفت، وتحوّلت إلى آلة أخرى للقمع والذبح.

 لم تعد معركة بین شعبٍ وطاغیة، بل صراع بین طغاةٍ متعددي الوجوه. ومع ذلك، يبقى في القلب شعاع صغير: أننا، نحن الذين ذقنا مرارة الخديعة، نستطيع أن نكتب روايتنا بأمانة. نستطيع أن نقول للتاريخ إننا لم نُخدع لأننا أغبياء، بل لأننا آمنّا بالإنسان، وآمنا أن في هذا الوطن متسعاً للعدل سيظهر يوماً ما، حين تسترجع فيها سوريا وجهها الحضاري.

-----------------------------------------------------------------------

*الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع

*ارسل مساهمتك على الايميل [email protected]