مراجعة في كتاب
لعبة الملاك .. خلط متعمد بين الخير والشر ، بين الملائكة والشياطين ..
وانت تقرأ لكارلوس زافون وضمن السرد الشيق للاحداث يجب ان تنتبه بانه هناك "ثمارا" من الحكمة من المفيد ان تقطفها وتضعها في سلة حصيلتك النهائية عندما تنهي الرواية.
زافون ليس الكاتب الوحيد الذي اثبت ان المعرفة بالتاريخ والجغرافيا والفلسفة ، تنعكس بشكل مذهل على الرواية ، فتجعلها حقيقية مهما كان فيها من الخيال.
لعبة الملاك لهذا الكاتب المعاصر ، اعتبرها في جزء كبير منها قصة شيقة مليئة بالاحداث ، ولكنها من زاوية اخرى رواية فلسفية يُطرح مرة اخرى فيها مناقشة موضوع "الاديان" والايمان ووجود الذات الالهية ، ضمّن الكاتب كل هذا في الاحداث على شكل حوار يدفعك للتأمل والتفكير ويضعك مرة اخرى في صراع بين العقل والمسلمات التي تؤمن بها.
ويطرح زافون على لسان شخصية اساسية في القصة لا يفصح ابدا ( متعمدا ) ان كانت ملاكا او شيطانا ، رؤية "مشككة" في اصل الديانات فيقول على لسان "كوريلي" الذي كلف الكاتب "ديفيد مارتن" بتاليف كتاب غير اعتيادي ، يقول " إن الدين عبارة عن قيم اخلاقية تتجلى عبر الاساطير والخرافات ، او أي مادة يجود بها الخيال الادبي ، بهدف تأسيس منظومة من المعتقدات والقواعد والاحكام ، تضبط شؤون ثقافة او مجتمع ما."
ويمرر ايضا رسائل عن الثواب والعقاب والجنة والنار عندم يطرح "ديفيد" بطل الرواية رؤيته الاولية للمشروع الذي كلفه به "كوريلي" وهو اشبه بتصميم دين جديد، ويسأله لكوريلي ماذا ينقص هذه الرؤية ؟ ،
فيجيب كوريلي " ينقصها الشرير معظمنا نعرّف على انفسنا باننا معارضين لفكرة او احد ما ، اكثر من كوننا موالين للفكرة او لاحد ما .. فلنقل بان ردة الفعل اسهل من الفعل ، لا شيء يحي الايمان ويلهب العقيدة اكثر من وجود منازع شرس ، وكلما كان مختلف عنا ، كان افضل".
ويستمر زافون في اعطاء عمق اكبر لروايته من خلال تمرير هذه الرسائل التي تصل الى ما يمكن ان نسميه "الدين السياسي" او استخدام الدين في السياسة فيقول في حوار اخر مع "الملاك – الشيطان" بعد ان قضى وقتا يبحث في الكتب الدينية ليتمم المهمة التي اوكلها اليه كوريلي " ،
يقول ان "معظم المعتقدات وليدة حدث ما او شخصية قد تكون تاريخية. لكنها سرعان ما تتحول الى حركات شعبية ، تلائم الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها جماعو المؤمنين".
ويتابع " سرعان ما يبرز افراد يحتكرون الحق في اعتلاء السلطة .. واستلام الادارة .. وفي سبيل هذه الغاية ، ينشئون مؤسسة قوية ومستبدة .. لا تتوانى عن تحويل العقيدة برمتها الى اداة رقابة تخوض حروبا سياسية ، وعاجلا ام اجلا ، تغدو الكلمة دماء ، تنزف من الاجساد".
ومن الافكار الجريئة التي يطرحها هي ما تبدو ماهية مفهومه للايمان ، عندما يقول على لسان "الملاك – الشيطان" في وصفه "لغير المؤمنن" او "العدمي" ، " ضع شمعة ملتهبة تحت خصية أي عدمي تتأكد كيف يؤمن حالا بنور الوجود".
هذه الافكار والرؤى الجريئة ما كان ليتقبلها الجمهور ويقبل على قراءتها الملايين لو جاءت هكذا مجردة في كتاب يناقش الوجود والايمان والذات الالهية ..
لكن زافون وضعها في قالب قصصي طويل ( 700 صفحة ) ، ولو اني وجدت فيه شيئا من الاطالة المتعمدة ، ولكني لا استطيع ان انكر بانه بقي مشوقا الى الصفحة الاخيرة.
لعبة الملاك هي جزء من "مقبرة الكتب المنسية" هى سلسلة روايات في أربعة أجزاء، وتتكون من: ظل الريح 2001، لعبة الملاك 2008، سجين السماء 2011، متاهة الأرواح 2016.
واخيرا لا بد ان شيد بترجمة "معاوية عبد المجيد" لصالح دار الجمل ، التي تجعلك الى حد كبير تعتقد بان الكاتب الف الرواية بالعربية.
نضال معلوف