مراجعة في كتاب
ميلان كونديرا .. رحلة في طريق وعر ..
ليس كل الناس تحب الطرق السهلة او الرحلة التي تشبه "السيران" شمس وهواء عليل وعشب اخضر، مشهد يدفع الانسان للاسترخاء ، هناك الكثيرون ممن يحبون تسلق الجبال استكشاف الغابات الموحشة الخوض في الطرق الوعرة ..
اذا كنت من ضمن هؤلاء المغامرين فان "ميلان كونديرا" سيكون صديقا مناسبا لك .
لايمكن وصف كونديرا بالروائي فهو اقرب الى فيلسوف ، وهو حتما في قصته "كائن لاتحتمل خفته" لا يضع سياق وحبكة القصة في اولويات ما يريد ان يوصلوه للقارئ.
نعم تشبه قراءة قصته تلك الطريق في الغابة التي ليس لها حدود واضحة ، فترى الكاتب يأخذك في طرق فرعية على طول الخط الدرامي للقصة، وهذه الطرق الفرعية اشبه ما تكون بـ"فذلكات" فكرية وفلسفية ربما تنجح بعضها في ان تجعلك تعيد التفكير في قضايا اساسية من حياتك ، قبل ان يعود بك الى الطريق الرئيسي ذاك الذي من المفترض ان يصل بك الى نهاية الرواية.
وهكذا على عكس باقي الروايات لا يبدو ان النهاية ما يهم في قصص كونديرا بل تلك "الدهاليز" التي يأخذك اليها متفرعة عن الطريق الرئيسية.
فيتكلم عن الخلق والحياة والانظمة، الديكتاتورية والشيوعية ، الحرب والسلم والثورة ، الدين والاله والايمان ..
يتكلم عن كل شيء بدون ان يصل بك الى أي نتائج او يقين هو فقط يستفزك لتفكر .. ويدفعك حتى لتفكر في اكثر ما تؤمن به وتعتقد بانه من البديهيات ..
هو في النهاية يقصد بكلمة "خفة" التي استخدمها في العنوان "السطحية" وعلى طول خط سرده للحكاية يقارب بين السطحي والعميق دون ان يصل بك الى أي نتيجة لانه على الاغلب لم يصل هو ذاته لاي نتيجة ..
كونديرا صديق عميق ربما لن يكون مناسبا لكل من يبحث على المتعة والعبور السهل في تفاصيل الرواية من بدايتها الى نهايتها .. ولكنه ربما يكون افضل صديق لهؤلاء الذين طالما استمرت عقولهم في معالجة ما يبدو "بديهيا" ورفضوا على الدوام ان يقبلوا بوجود أي شيء في حياتهم على انه من المسلمات.
نضال معلوف
مقتبسات من الرواية ..
♦ "الانظمة المجرمة لم ينشئها اناس مجرمون وانما اناس متحمسون ومقتنعون بانهم وجدوا الطريق الوحيد الذي يؤدي الى الجنة .."
♦ "الحقيقة شيء اكثر من الحلم ، شيء افضل بكثير من الحلم"
♦ "جاء في اول سفر التكوين ان الله خلق الانسان وجعله يسيطر على الطيور والأسماك والماشية. .. وبطبيعة الحال ، الحق في سفك دم ايل او بقرة هو الشيء الوحيد الذي اتفقت عليه الانسانية جمعاء .. قد يبدو لنا هذا الحق بديهيا .. ولكن يكفي ان يدخل طرف ثالث في اللعبة ، زائر آت من كوكب اخر وقد امره الله " سوف تكون لك سلطة على كائنات الكواكب الاخرى كافة" ، فتصبح عندئذ مسلمة سفر التكوين موضوع شك في الحال ..
فلنتصور الانسان وقد اوثقه احد سكان المريخ بعربة ثم قلبه احد سكان المجرة على سيخ ليشويه، ربما سيتذكر حتما حينئد ضلع العجل الذي اعتاد على تقطيعه في صحنه ، وسيقدم اعتذاره ( ولو متأخرا جدا ) للبقرة".