تتوالى علينا الأيام بمناسبات متعددة خلال السنة الواحدة، فمن عيد الحب إلى يوم المرأة العالمي، حتى عيد الأم، وغيرها من المناسبات التي فرضها العرف والمجتمع والإعلام، والناس يحتفلون لها ويحتفون بها، حتى صارت تفرض من أجلها الاجازات الرسمية في بعض الدول والشركات الكبرى، ولما تزامنت هذه الفترة مع عيد الأم، كان لابد أن نظهر توجها حول المسألة.
ألا فإن لكل أمر وجهين ولكل حد طرفين، وكما أنك تجد عندك أماً أو زوجة تحتفل معها بإحدى هذه المناسبات، عليك أن تذكر تماماً أن هنالك على الضفة الأخرى من ينظر إليك بحسرة و وجع، إن هذه المناسبات تعمل على تأجيج مشاعر الفقد، ومشاعر الحرمان فأنا أعلم تماما أن الأم في المجتمعات العربية المحافظة، أو في الأسر المحافظة، في كل يوم ترى فيه أبنائها تشكر الله على نعمته، وتشعر بالسعادة، ويكون هذا اليوم عيداً بالنسبة لها، بل وتكون أسعد الناس بهم، فهي ليست بحاجة لعيد يظهر حاجتها لأبنائها أو حاجة أبنائها لها، فالزيارات متتالية والاهتمام موجود.
ولكن هل لنا أن نقف وقفة مع الثكالى من أمهات الشهداء وذوى المآسي والآلام؟ هل لنا أن نتذكرهم؟ هل لنا أن لا نشعرهم بوجود هذا اليوم؟ هل لنا أن نتحفظ في إبداء مشاعرنا؟ الحقيقة أن وضع هذه المناسبات عندنا مختلف وخاصة "عيد الأم".
فلما كان عيد الأم في الغرب لاشعار الأم بأهميتها ودواء لعلة التشتت الاجتماعي، كان في بلادنا هذا العيد داءً مستشرياً ومرضاً عضالاً وخاصة مع انتشار الحروب وارتفاع عدد القتلى والشهداء وارتفاع نسبة الثكالى من الأمهات، والأيتام من الأطفال. فأين المروءة في أن نرقص على جراح الآخرين وأن نقض مضاجعهم ونقلق راحتهم؟ فأم الشهيد واليتيم على حد سواء في هذه المعضلة الاجتماعية، كلاهما مكسور الخاطر، مهيض الجناح، محطم الظهر. وأنا أقول وبكل ثقة لن تفرح أم الشهيد إذا جئت لعندها وقلت: "كل عام وانتِ بخير يا أمي"، فهي ليست أمك، وأنت لا تحبها مثل أمك، أنت فقط تنكئ الجرح وتعيد عليها كرة الوجع، وتشعرها بمرارة الفقد.
فإن كان ولا بد أن تحتفل بهذه المناسبات، أرجوك لا تصرعنا باحتفالاتك، ولا تعمينا بصور حفلاتك، وتكتم على ما تفعل من هذه النواحي، فالناس لم تعد تحتمل أن تراك مجتمعا بأهلك وهم مشتتي الشمل متفرقون بين البلاد، أو بين الحياة والموت!
https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts