-
ماذا تعني معارضة المنصات التي لا تمتلك مقاتلا واحدا على الأرض ؟.. بقلم: د. عبد الحميد سلوم
*كل يوم نسمع بمنصّة سورية جديدة تطلِق على نفسها اسم المكان الذي اجتمعت به ، فباتت هناك منصة معارضة القاهرة ومنصة معارضة موسكو وأخيرا (وليس آخرا) كوكتيل منصة بيروت .. وقد نستيقظ صباحا لنسمع بمنصات جديدة لم نسمع بها من قبل ..
*المنصة باللغة العربية هي كرسي مرتفع للخطيب ، أو مكان مرتفع للممثل ليمثل فوقهُ (يعني مسرح)، أو مكان مرتفع ليجلس عليه المسئولون حينما يشاهدون عرضا ما .. ولا أدري لماذا لم يطلقوا على أنفسهم عبارة " جماعة" كذا وكذا ، أو كلمة " مسرح " بدلا من منصة ، فيقولون مسرح القاهرة ومسرح موسكو ومسرح بيروت لأنهم أقرب إلى الممثلين والمهرجين منهم إلى الساسة ... فهم يعرفون أنفسهم أنه لا وزنَ لهم في الشارع السوري ، ولا أحدا يقبضهم ، وحتى القليلون يسمعون بهم .. ولا يقدمون أو يؤخرون بمثقال ذرة في كل معادلة الحرب الدائرة لأنهم لا يمتلكون ولا مقاتلا واحدا على الأرض .. ولا يمثلون فصيلٍ مقاتلٍ واحدٍ وبالتالي فهُم كما المثل الذي يقول : ( لا لون ولا طعم ولا رائحة) !..
*غدا سأدعو بعض الأصدقاء إلى فنجان قهوة في فندق الشيراتون في دمشق ونتحدث بأوضاع البلد ، ثم سنخرج باليوم التالي لنتحدث عن منصة "الشيراتون" ، ونطالب بحصّة في كل الوفود السورية !.. ولمَ لا ؟. فهل المنصات المذكورة هي بأفضل ؟.. كلها منصات تهريج وتمثيل وظهور إعلامي ليس إلّا !!..
**كل من لا يمتلك مقاتلين على الأرض فعليه أن لا يحشر نفسه بكل الوفود التي تتشكّل للتحاور والتباحث على الحل السوري .. يمكنه أن يبدي برأيهِ كما كافة السوريين ، ولكن ليس بإمكانهِ أن يدّعي أنه معادلَة في الصراع والحرب الدائرة ومن حقه المشاركة في صناعة الحل .. إن كان الأمر كذلك فمن حق كل سوري أن يكون عضوا في وفدٍ مفاوضٍ ويشارك في صنعِ الحل .. كل هذه "المنصات" هي مسارحٍ فارغة بلا جمهور ولا مقاعِد !!.. لا يغيب عنا جواب ستالين للبابا حينما بلغهُ أن البابا منزعج منه، فقال متهكما : وكم جُنديٍ يمتلك البابا ؟!. وذات الشيء نسأل اصحاب تلك المنصات : كم مقاتلٍ تمتلكون على الأرض ؟.
**الحالة السورية باتت هكذا ... وعلينا أن لا نختبئ خلف أصابعنا .. فمن لا يمتلك مقاتلين لا أحدا يصغي له (وهذا ما باتت روسيا تدركه جيدا وتركّز عليه).. بل لو كانت الأمور بهذه البساطة والأصوات كافية لإحداث ما هو مرجيا لكان كل شيء انتهى منذ عام 2011 وما كانت هناك كل هذه الحرب وكل تلك القرارات الدولية وكل تلك المؤتمرات والاجتماعات والوفود ، وكل ذاك النزوح والهجرة !!.
** فهذه "المنصات" كلامها مجرّد كلام فارغ بالهواء ولا يصل إلى مسامع أحد ،إنه كلام مسارح ، وخاصّة إن كان يعتليها مختصون بالفن والمسرح أساسا !. نعم كلام هكذا منصات يكون ذا تأثيرٍ ووزنٍ بعد أن تنتقل سورية إلى نظام ديمقراطي تعددي يتمُّ فيه تداول السُلطة بهدوءٍ وسلاسةٍ وسلامٍ على ضوء نتائج الصناديق ،، ومسموح به المظاهرات والاحتجاجات والاعتصمات والإضراب .. وحتى نصل إلى ذاك الزمن فستبقى هكذا منصات بلا معنى ولا فاعلية ، ومجرّد مسارح !. هذا لا يعني أن السلاح هو الحل ، على العكس السلاح مرفوض وهو مشكلة ، ولكن المشكلة الأكبر هي في عقليةِ وثقافةِ من يشغلون مواقع المسئولية (في أي بلدٍ بالدنيا) ومهما استجديتهم ونصحتهم ورجوتهم وحذّرتهم من المخاطر وطالبتهم بتغيير النهج والأسلوب والإصلاح فلا يستجيبون وكأنهم يقولون لك نحن لا نفهم إلا لغة القوة ،فقد وُجِدنا بالقوة ، ولا يمكنك تغيير شيء إلا بالقوة .. هنا تكمن المصيبة !. لا أحدا في هذا العالم يصغي لأصوات البشر وإنما الجميع يصغي لأصوات الرصاص ، للأسف الشديد .. ولو كان يتمُّ الإصغاء لأصوات البشر في أي بلدٍ لما كانتْ هناك أصواتُ للرصاص !. حينما تصغي لي وتحاورني ونصل سوية إلى حلٍّ مقبولٍ للطرفين يضمن العدالة وإحقاق الحق ، فلماذا عليَّ أن أرفع السلاح في وجهك !.. ولكن حينما يمتلكك غرور القوة ولا تمنحني حقي ولا تصغي لي ولا لمظلمتي ، فماذا تترك أمامي من خيارات ؟!. هل سوى المواجهة ؟.
**إن ما نأملهُ من الوفود المشاركة في مباحثات جنيف هذه المرّة الإبتعاد أولا عن لغة المزايدات والاتهامات والتخوين والشتائم التي سادت بالماضي وابتعدتْ عن كل أشكال الدبلوماسية ، فلا يحق لاي سوري أن يدّعي أنه أكثر وطنية من الآخر ، ولكن قد يكون لكلٍّ رأيه ومقاربته واعتقاده أن طروحاته هي من تخدم الوطن أكثر ، وهذ أمر خاضع للنقاش والحوار !..
**كان واضح في السابق الاستنتاج منذ بداية أية جولةِ مباحثات أن التوجهات للحل غير متوفرة والإرادة الصادقة غائبة ، وذلك من خلال استخدام لغة الشتائم والاتهامات والتخوين والاستفزاز من البداية ، والتي كان هدفها إغلاق الأبواب أمام أي تطورٍ إيجابي .. فمن يمتلك الإرادة الصادقة بالحوار والبحث عن حل يخدم سورية وشعبها ، فعليه أولا أن يبتعد عن لغة التخوين والشتائم ، وعليه ثانيا أن يتنازل عن سقفهِ العالي ويؤمن بأن سورية للجميع وانه لا توجد خطوط من أي لونٍ ممنوعٍ مناقشتها والتحاور حولها !..
**الشعب السوري لم يعُد يحتمل هذه المراهقة السياسية والمغامرة والمقامرة بمستقبل الوطن والشعب من أطراف الصراع ، وضعف الشعور بالمسئولية .. إنه يتطلّع إلى الوصول إلى حل سلمي يستجيب لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ، ويصنع لنا سورية جديدة لكل أبنائها ، يحكمها القانون والمعايير والمؤسسات ، وليس سكرتاريةِ وسائِقي وأمزجة البعض المريضة الذين يرون في شوفير جاهل ما لا يرونه في كل كوادر وزارتهم من مؤهلات وخبرات وكفاءات ..