مراجعة في كتاب
"نبيهة" بغّيٌ "عذراء" ! .. شاركت في الثورة وقتلت 20 من اعداء الوطن ..
يخال لك عند الانتهاء من هذه الرواية بان الثورات متشابهة من حيث المسار ، الاسباب التي تؤدي الى الانفجار ، طاقة هائلة تمضي في اتجاه التغيير ، فوضى يستغلها الاعداء لتشويه وإفشال الحراك .. ضياع الصالح بالطالح .. ولكن عادة وان طال الزمن فان التغيير لا بد انه ات ..
رواية لكاتب يوناني كان عميد للجالية اليونانية في مدينة اسيوط في مصر في اوائل القرن العشرين يدعى " كوستى ساجاراداس"، برزت من اعماله القليلة روايته "عذراء اسيوط" لما لها من اهمية في وصف الحالة العامة في مصر ابان الحرب العالمية الاولى والمراحل الاولى لثورة 1919 التي قام بها المصريين ضد الانكليز.
اود الاشارة قبل ان استعرض ملخص لأحداث الرواية ، ومن ملاحظتي الخاصة بان فن كتابة الرواية هو كسائر الفنون يتطور ، فمن يقرأ رواية كتبت قبل مائة عام سيلاحظ الفرق في اسلوب الكتابة ، الحبكة ، اللغة ، الصنعة .. بينها وبين الروايات المعاصرة ..
لاشك بان هناك كتاب افذاذ كانوا من العبقرية بحيث تضمنت كتاباتهم قدرات غير عادية، و بقيت اعمالهم مؤثرة ومثيرة للأعجاب حتى ولو قرأت بعد عشرات او مئات السنين .. ، ولكن في تطورت "صنعة" كتابة الرواية مع مرور الزمن بشكل كبير ، طبعا هذا غير القدرات والموهبة التي يتميز بها كاتب عن كاتب اخر ..
بطلة روايتنا اليوم "نبيهة" ، ابنة الظروف الصعبة والظلم المجتمعي، تنتمي الى الطبقة الاجتماعية المعدومة ، دفعتها الصدف لكي تكون على علاقة مع شخصيات في اعلى السلم الوظيفي والاجتماعي . . . . لتعيش صراعا كبيرا تحاول فيه استيعاب التجربة بعد ان وجدت نفسها في نهر جارف ليس لها اي خبرة سابقة في كيفية الابحار في خضم تياره الجارف القوي ..
اطلق عليها الكاتب صفة "العذراء" رغم انها كانت طرف في اكثر من علاقة "محرمة" وانتهت الى ممارسة "البغي" كمهنة تعيش منها ، متعمدا تضمين رسالة في روايته ، بان "العذرية" لا تتعلق بجسد المرأة وفقط .. بل ان "المصطلح" يتضمن من المعاني ماهو ابعد واعمق مما هو متعارف عليه ..
تتصاعد الاحداث والحياة الرتيبة التي دارت حول علاقات "غير شرعية" بين بطلة القصة وشخصيات اخرى فاعلة فيها ، تتحول الى سياق ثوري يحتم على الجميع ان يلعبوا دورا ما فيه ويقدموا التضحيات كل على طريقته في سبيل الوطن ..
اهمية "عذراء اسيوط" في رأيي الخاص تكمن في بيئتها العامة ، وان كانت الاحداث التي تتضمنها لا تخلو من الغرابة والتشويق ، الا انني لا اختار "الحبكة" او "القصة" على انها اهم ما في الرواية.
بالنسبة لي التعرف على طبيعة الحياة في عاصمة ريف الصعيد في مصر في ذاك الزمن ، ونظرة الناس للقضايا المتعددة في تلك الفترة ، وصولا الى الدخول في تفاصيل بدايات ثورة 1919 في مصر ضد الانكليز كان اهم من القصة نفسها.
وامكانية التعرف على احداث تاريخية من خلال عمل روائي امر شائع ومفيد للغاية، فكثير من الكتاب يعتمدون على عرض تفاصيل احداث حقبة زمنية محددة ضمن سياق قصصي مشوق يهدف لوضع القارئ في اجواء الفترة التاريخية، وينجح في ذلك اكثر بكثير من الكتب التي تعرض التاريخ الصرف ، ومن هؤلاء الكتاب مثلا امين معلوف ، جورج اوريل ، ارنست همنغواي .. ..
ورواية كاتبنا اليوناني هنا تعتمد هذا الاسلوب الذي يمكنك من التعرف على الاحداث التاريخية في قالب درامي مشوق .. لا يخلو من الغرابة .
اتمنى لكم كل الفائدة والمتعة في قراءتها ..
نضال معلوف