مراجعة في كتاب
ماذا لو قرأت "النسويات".. زوربا!؟
ماذا لو قرأت "النسويات".. زوربا!؟
الرواية الشهيرة لنيكوس كازنتزاكيس التي جسدت فيلما في سيتينات القرن الماضي جسد شخصية البطل فيه الممثل الرائع انطوني كوين واطلق منه موسيقا زوربا للموسيقار اليوناني ميكيس ثيودوراكيس وهو معروف لدى الكثير من الجمهور العربي كونه كان داعما للقضية الفلسطينية وكان يظهر احيانا بالكوفية في حفلاته..
رجل مثقف ورث مالا عن والده، يبدو ان له ارادة في استثماره في جزيرة كريت يلتقي رجل امي يدعى زوربا وهو في طريق سفره الى الجزيرة ويأخذه ليصبح مدير اعماله وصديقه المقرب.
شاهد التقرير مسجل على اليتوتيوب .. اضغط هنا
القصة ليس فيها شيء مدهش الحقيقة، محاولة اقامة مشروع في الجزيرة ينتهي الى الفشل، ما هو مدهش هو الحوار الذي يدور دائما بين "الرئيس" صاحب المال المثقف القارئ وزوربا "الامي" الذي اكتسب خبرته من الحياة.
عموما تعكس شخصية زوربا شخصية الكاتب ذاته، اذا قرأنا سيرته الذاتية سنجد ان افكار زوربا هي افكار كازنتراكيس، يعرضها علينا من خلال حوار طويل مع "الرئيس".
وهي في معظمها فلسفية ومتأثرة بنيتشه خاصة فيما يتعلق بالخلق وعلاقة الانسان بالخالق والدين ونزعة تمرد واضحة على كل هذا.
كما ان الكاتب على لسان زوربا يطرح فكرة مثيرة حول مفهوم الوطن وان كان فيها خلط بين المصطلح وبين "البلد" ككيان سياسي، يدفع البشر للاقتتال والحرب والوحشية.
بالنسبة لي الوطن هو اي مكان يولد فيه الانسان وترتبط ذكرى سنواته الاولى في هذا المكان الذي تتولد في داخل كل واحد منا علاقة خاصة به غير مفهومة تدفعه دائما للحنين والعودة الى حيث مسقط رأسه، بغض النظر ان تغير هذا المكان وانتقل من حدود بلد الى حدود بلد اخر..
ولكن اكثر ما هو لافت في الرواية نظرة زوربا (اي الكاتب) للمرأة.
هو يراه مخلوق ضعيف يستحق الشفقة عقلها محدود ويجب ان تعامل ضمن هذه الحدود لا اكثر، صحيح انه كان رومنسيا ومحبا ولطيفا مع النساء، ولكن ضمن مفهوم الوصاية والعطف لا الشراكة والندية.
ولكن ضمن هذا السياق يطرح فكرة غاية في الاهمية، وهي توعية شريحة من المجتمع، المرأة مثلا لحقوقها، فيما لا يتفق مع العادات والتقاليد والعرف، فهل هو عمل صائب، يقول بان هذا سيضع من تنتقل اليه تلك الافكار التي تتعلق بالمساواة والحرية في مواجهة اهل بيته ومجتمعه ويتسبب له بمزيد من البؤس.
ايضا يمكن ان ننتبه في تفصيل صغير بانه لم يكن للمرأة حق في اقامة العلاقات خارج مؤسسة الزواج وان هذا يعتبر خطيئة كبرى قد تدفع اقاربها الى "ذبحها".
طبعا اذا نظرنا الى تاريخ كتابة الرواية عام 1946، وفترة حياة الكاتب التي تمتد من اواخر القرن التاسع عشر الى منتصف القرن العشرين، ربما سنفهم بان هذه الثقافة كانت شائعة في تلك الفترة حتى في الغرب وان رحلة تحرر المرأة ووصولها الى الحصول على حقوقها في الغرب او بعض البلدان فيها لم تكن منذ وقت طويل.. وانه دائما في عقد المقارنات يجب علينا ان نأخذ الفترة الزمنية بعين الاعتبار..
لان هناك دائما من يقارن بيئة معينة في تاريخنا في الشرق بما هو موجود في الغرب اليوم، والحقيقة انه يجب ان تكون المقارنة مع ما كان في الغرب في تلك الايام.
المهم بان الحركات النشطة النسوية اليوم سيكون لها مشكلة كبيرة مع رواية زوربا ومع كاتبها كزنتزاكيس، لانها وللامانة لا تقدم صورة منصفة عن المرأة في رأيي ايضا..
بكل الاحوال الرواية ممتعة وشيقة، وتعيد طرح الكثير من الاسئلة الكبيرة الوجودية وتجاوب على بعضها في تصور يمثل وجهة نظر الكاتب، لا يشكل بالتأكيد جوابا نهائيا ولكن ربما يساعد في ان يصل القارئ الى قناعات خاصة تساعده على ان يمضي في حياته سعيدا، السعادة التي كان لها ايضا اكثر من مكان في الرواية.. وكيف نعيشها او نصل اليها..
نضال معلوف
لمتابعة صفحتي الشخصية على الفيسبوك .. اضغط هنا