ما زلت أبحث عن هدى
" تعمدوا التحرش بي أمام زوجي وكان هذا من أسباب وفاته" تقول هدى التي اعتقلت هي وزوجها أثناء أحداث القصير في حمص عام 2013 في فرع الأمن العسكري 227 بدمشق.
ودعتها دون تبادل أي وسيلة تواصل واتفقنا على لقاء تمنيناه قريب، وبعد أربعة أشهر في بداية عام 2014 أفرج عني من سجن عدرا المركزي وما زال بحثي عن هدى جاري.
في بداية الشهر التاسع 2013 تم تحويل ستون امرأة من الأفرع الأمنية الى سجن عدرا المركزي ووزعوا على المهاجع، في المهجع الثالث حيث أنا يوجد عشرون امرأة، يضحكن تارة ويبكين تارة، وأحاديث نساء لا تنتهي عن ذكريات وآمال بالحرية إلا هدى.
أثار فضولي في المهجع خلال الأيام الأولى امرأة أربعينية تجلس في زاوية الغرفة لم أسمع صوتها قط، وهي في حالة من الشرود واليأس والحزن الشديد ولا معلومات لدى الأخريات سوى أن اسمها هدى من حمص.
حاولت أن أكسر حاجز صمتها بأن أقدم لها القهوة الصباحية بشكل يومي علنا تتبادل أطراف الحديث، لكن دون جدوى، إلى أن جاء يوم لأستيقظ علي صوت هدى يناديني لأتناول معها القهوة وطلبت مني الخروج الى باحة السجن لأنها تشعر أن على صدرها حمل ثقيل وتتمنى أن تزيله.
تروي هدى حكايتها وتطلب مني أن أحكيها للعالم كله، وبصوت مرتجف وتوتر واضح تقول: "خلال جلسات التحقيق في الأيام الأولى في الفرع قام السجان بضربي بالأيدي وبالكرباج وطلب مني أن أعترف أن زوجي مسلح وأنا أنقل السلاح للمسلحين".
تضيف هدى أن المحقق أخبرها أن زوجها اعترف، لكنها أنكرت وأصرت على براءتهما لأنها متأكدة أن زوجها لم يحمل السلاح يوما وبالعكس تماما هو من أنصار سلمية الثورة وعدم تسليحها، فيزيد الجلاد ضربها وتعذيبها حتى يتعب ويعيدها لزنزانتها منهكة تماماً.
تتابع هدى أنها طًلبت للتحقيق وكان بحضور زوجها المدمى على الأرض حيث سمح لها برؤية ما حولها على غير المعتاد، وتضيف "بدأوا يضربه بالكرباج المطاطي بشدة، وقال له السجان لما أسألك عن مرتك شو بتشتغل؟؟ شو يتقول؟؟ بتقول مرتي عاهرة وأنا أحضر الزبائن لها".
لكن الزوج قال إن زوجتي أشرف خلق الله فانهالت عليه الكرابيج، فصرخت هدى وهي تجهش بالبكاء: قل له ما يريد".
وخلال تعذيبه وضربها على وجهها قال لها السجان منين كنت تجيبي الاسلحة لزوجك قالت لهم زوجي صاحب محل صغير وأنا لا أعمل ومتواجدة في المنزل بشكل دائم واشتد الضرب على زوجها لكي تعترف ورغم هذا لم تعترف.
حينها قام السجان بشبحها أي ربط يديها بحبل ورفعها للأعلى لتبقى واقفة على رؤوس أصابعها وبدأ السجان يلمسها على وركيها وفخذها ويقول للزوج: قرب أكتر ولا تعترف؟ وحينها اقترب منها أكثر، وحينها اعترف الزوج أنه من عناصر كتائب الفاروق في حمص وأن زوجته تقوم بتهريب السلاح لهم وأنه يعرض زوجته لتمارس الجنس مع بقية عناصر الكتيبة، وهي اعترفت نفس الاعتراف.
بعد انتهاء التحقيق فوجئت هدى بالسجان يتلوا اسمها، فاعتقدت أنهم سيأخذونها للإعدام لتجد نفسها في سجن عدرا المركزي وهو سجن مدني، وبعد شهر تأتي اختها لزيارتها لتخبرها أنه بتاريخ تحويلها لسجن عدرا تم الافراج عن زوجها بحالة يرثى لها ويعاني من العديد من الامراض الجلدية وأثار التعذيب إضافة الى اضطراب نفسي حاد يصل لحد الهلوسة ليموت بعد عشرة أيام، وأخبرتها أنه قال قبل موته "أنا لا أستحق الحياة لأني لم أستطع أن أحمي زوجتي في السجن ولن أستطع أن احميها لاحقاً من مجتمع لا يرحم".
هدى تغيرت قليلاً بعد روايتها حكايتها فأصبحنا نرى ابتسامتها أحياناً وخاصة عندما علمت أن آلاف النساء السوريات تعرضن لنفس الفعل، وأصبحت أكثر اندماجاً مع الأخريات لكن لم يكن لديها أي أمل بالحرية، وكان أغلب حديثها عن محبتها لزوجها وتعامله الممتاز معها وكانت تأمل أن يحتسبه الله شهيداً.
بعد فترة حولت هدا للقضاء وأمر القاضي ببراءتها واعتبر اعترافاتها أخذت بالقوة، لم تكن متحمسة للحرية بالعكس كانت خائفة من الواقع الجديد بغياب زوجها ومن نظرة المجتمع لها، ودعتها على أمل اللقاء وما زال بحثي عن هدى وعن الكثيرات ممكن تشاركنا الظلم يوماً جاري.
هدى من المعتقلات اللواتي لم تعلم بها مراكز التوثيق الحقوقية، بسبب العادات المجتمعية، حيث استطاعت الشبكة السورية لحقوق الانسان توثيق 7500 حالة عنف جنسي ارتكبها النظام بينهن 400 دون ال 18.