السبب الحقيقي لتدهور سعر الليرة خلال الازمة.. ما هو؟
تشهد سوريا اليوم تضخما نقديا لربما بات غير قابلٍ للضبط, في وقت لا تستطيع فيه الحكومة السيطرة عليه كونه يقفز بمعدلات كبيرة. حيث تجاوز معدله الكلي الآن 1200%, وذلك بمفارقة كبيرة مع نسبة زيادة الأجور بما لا يتعدى الـ 60%. يأتي هذا في الوقت الذي لا يتجاوز فيه معدل التضخم في أغلب بلدان العالم حاليا نسبة 5% سنويا.
ويشار الى أن التضخم الاقتصادي من أكبر الاصطلاحات شيوعاً, ويستخدم هذا الاصطلاح لوصف عدد من الحالات المختلفة مثل: الارتفاع المفرط في المستوى العام للأسعار, تضخم الدخل النقدي أو عنصر من عناصر الدخل النقدي مثل الأجور والأرباح, ارتفاع التكاليف, الإفراط في خلق الأرصدة النقدية.
وللتضخم سمات عامة منها أنها نتاج لعوامل اقتصادية متعددة، قد تكون متعارضة فيما بينها، فالتضخم ظاهرة معقدة ومركبة ومتعددة الأبعاد في آن واحد, وهي ناتجة عن اختلال العلاقات السعرية بين أسعار السلع والخدمات من ناحية، وبين أسعار عناصر الإنتاج (مستوى الأرباح والأجور وتكاليف المنتج) من جهة أخرى, وانخفاض قيمة العملة مقابل أسعار السلع والخدمات، والذي يعبر عنه بـ"انخفاض القوة الشرائية".
ووصف رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق علي كنعان, في ندوة علمية أقامتها الجامعة, التضخم النقدي الذي تشهده سورية اليوم بـ "التضخم الجامح غير القابل للضبط" حيث لا تستطيع الحكومة السيطرة عليه لكونه يقفز بمعدلات كبيرة حيث تجاوز معدله الآن 1200% نتيجة خلل بين العرض والطلب.
ويستطيع المواطن ملامسة هذا التضخم من خلال "قانون الرقم القياسي" حيث يتم أخذ أسعار السلع في العام الحالي ويتم تقسيمها على أسعار السنة التي بدأ فيه حدوث التضخم. ونأخذ كمثال على ذلك سعر كيلو اللحم اليوم 5000 ليرة وقبل الأزمة كان 650 ليرة فيكون ناتج القسمة 846% هو معدل التضخم لهذه السلعة. وكذلك مادة الخبز فقد وصل معدل التضخم فيها إلى333%.
وأرجع كنعان أسباب التضخم في سوريا بزيادة حجم الإصدار النقدي لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة الكبير منذ عام 2011 حيث سحبت وزارة المالية من البنك المركزي بحدود 3.5 تريليون ليرة إصدار من دون تغطية, وهذا الأمر ضغط على سعر الصرف وساهم بتخفيضه كما تراجع حجم الناتج المحلي الإجمالي حيث كان قبل الأزمة 2791 ملياراً وأما اليوم فهو 1116 ملياراً ما يعني أنه بقي فقط 40% من ناتج عام 2010.
وتوقف التصدير وزيادة حجم الاستيراد كان سببا أيضا للتضخم, بحسب كنعان, حيث تستورد سوريا اليوم 2,5 مليار دولار بينما التصدير متدن ما أدى الى انخفاض قيمة العملة الوطنية الى سعر الصرف الذي نشهده الآن وهو أقل بكثير من السعر الحقيقي.
ولا شك أن للتضخم آثارا عدة إيجابية على الأغنياء وسلبية على الفقراء, حيث اعتبر كنعان أن أثر التضخم على توزيع الثروة لدى الأغنياء يكون بتضاعف ثرواتهم حسب معدل التضخم وأما الفقراء فهم المتضررون من ذلك حيث ارتفعت الأسعار 1200% والأجور زادت بحدود 50% أو 60% فقط وهذا أدى إلى تردي أوضاع العاملين لدرجة لا يوجد عامل في الدولة راتبه يتعدى 100 دولار.
كما تنعكس آثار التضخم السلبية على المجتمع تتمثل, كما قال كنعان, بانهيار الوضع الاجتماعي للمثقفين والشريحة التي كانت على الدوام حاملة التطور الاقتصادي والاجتماعي في سورية.. نتيجة انحدار مستواها الاقتصادي. الأمر الذي يضطرها إلى اللجوء إلى الفساد والرشوة كما يساهم التضخم بظهور الاستهلاك الترفي وظهور أحياء خاصة بالأغنياء يمارسون فيها طقوس الرفاهية مقابل أحياء للفقراء.
وكانت بيانات سابقة لمنظمة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الأسكوا" أشارت الى أن هناك أربعة ملايين سوري يعيشون اليوم تحت خط الفقر الغذائي مقارنة بنحو 200 ألف في العام 2010، وقد ارتفع عدد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى من مليونين إلى 8 ملايين مواطن، وكذلك الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى من 5 ملايين الى 18 مليون مواطن.
ويشار الى أن سعر صرف الدولار يشهد حالة عدم استقرار في الفترة الأخيرة. وكان سعر صرف الدولار انخفض في السوق السوداء، يوم أمس الاثنين، بشكل كبير حيث وصل الى حدود 500 ليرة, منخفضا بنحو 150 ليرة على اعلى سعر وصله قبل اسبوعين, في وقت خفض فيه المركزي سعر التدخل لمستوى 545 ليرة للدولار الواحد، الا أن ذلك لم يكن له انعكاس واضح على أسعار السلع والبضائع في السوق المحلية.
وكان مصرف سوريا المركزي زاد حجم تدخله في سوق القطع الأجنبي عبر خطة التدخل التي بدأها منذ 11/5/2016، حيث قال إن "هذه الخطوة جاءت قبيل حلول شهر رمضان، لزيادة المعروض من القطع الأجنبي وتلبية متطلبات السوق التجارية وغير التجارية بأسعار صرف مدعومة، بغرض انعكاس هذا الدعم على أسعار السلع والخدمات وتحسين القدرة الشرائية للمواطن".
سيريانيوز