مرة اخرى.. يسألونني عن الوضع المعيشي والدولار؟!..
كتبت عن الدولار عندما كان بسعر 70 ليرة سورية وعندما قفز لحدود الـ 300 وعندما اصبح 700.. و1000 وفي كل مرة تأتيني رسائل واسئلة ماهو مستقبل الدولار ماذا نفعل؟
والحقيقة لا جديد لأضيفه في هذا الموضوع، يمكن ان انسخ مقالات سابقة واعيد نشرها مع تغيير السعر..
ما يمكنني فعله هنا.. ان اعيد التذكير ببعض الامور الاساسية والتي تساعدكم دوما في الاجابة على هذا السؤال..
سعر صرف العملة الوطنية يتعلق بشكل اساسي بالاداء الاقتصادي للدول والاستقرار السياسي فيها، هو امر اقرب للرياضيات لا يوجد هوامش واسعة للتحرك فيه، فاذا كانت عجلة الاقتصاد تدور والاوضاع السياسية مستقرة يمكن ان يتحسن سعر صرف العملة الوطنية.. والعكس صحيح..
واذا اردنا ان نكون ادق.. الوضع المعيشي للمواطن يتحسن في حال كانت معدلات النمو الاقتصادي جيدة والاوضاع السياسية مستقرة (هذا يدعم العامل الاول) وايضا العكس صحيح..
لماذا اقول الوضع المعيشي وليس سعر صرف العملة الوطنية؟.. لان بعض الدول تتبع سياسات تضخم معينة يطول شرحها هنا ولكن ببساطة اذا انخفض سعر صرف العملة الوطنية تعوض الدولة هذا الانخفاض في زيادة على الرواتب والاجور..
اما في حال انهيار الاقتصاد (التام كما في سوريا) في وضع سياسي مضطرب للغاية (لم تشهد سوريا اضطرابا مشابها في تاريخها) كيف سيتحسن الوضع المعيشي للمواطن؟..
وكيف سيرتفع سعر صرف العملة الوطنية؟.. وبالاعتماد على اية معادلة؟
هنا يجب ان يكون لدينا معادلة نعتمد عليها.. هذا الموضوع بالذات لا يأتي بالهيلمة (انظرو ايضا للبنان)؟..
الاقتصاد متوقف.. البلد محاصر، واجرءات قادمة مقررة بتضيق هذا الحصار (قانون قيصر)، المنفذ الوحيد لسوريا (لبنان) مضطرب والامور مرشحة فيه للانفجار، "اصدقاء" سوريا (روسيا وايران) رفعوا ايديهم بالنسبة للمساعدات المالية والاقتصادية، واستدارت سياساتهم 180 درجة في السنوات الاخيرة، وبات الاصدقاء يتسابقون لكي يستردوا ما دفعوه من خلال وضع اليد على الاراضي والاستثمارات..
الحل السياسي وصل الى نقطة مستحيلة، يبدو ان القوى الدولية لن تقبل بمطالب النظام (بان يعود كل شيء لسيطرته) والنظام لا يمكن ان يستمر الا اذا سيطر على كل شيء.. (معضلة)
كيف ستدور المعامل اذا؟ وكيف ستنتعش التجارة؟ كيف سنستورد وكيف سنصدر؟.. كيف سنحول الاموال؟.. كيف.. وكيف وكيف؟! اسئلة حتى اننا لا نتملك تصورا للاجابة عليها اليوم..
وصلنا الى حالة استعصاء كامل.. لم تجد الحكومة معها الا الاستدارة الى الداخل وملاحقة رجال الاعمال والتجار والفعاليات الاقتصادية وحتى المواطنين.. لتحصل منهم ما تستطيع من اموال تضمن لها الاستمرار شهرا او شهرين اضافيين.. ولكن هذا لن يفيد وسيزيد الوضع سوءا..
اكتب هذا المقال وسعر صرف الدولار وصل 2200 ليرة سوريا ورغم كل وسائل القمع والضبط والتضيق التي اتبعتها الحكومة، ارتفع الدولار 1200 ليرة منذ بداية العام وهو يتجه لسعر الـ 3000 ليرة بسرعة قياسية.. ولا استطيع مع الاسف ان اقول بان احدا يمكن ان يغير هذا المسار..
مع الاسف ايضا.. الوضع المعيشي في سوريا يتجه الى مأساة حقيقية، الى شلل تام بالاعمال ونقص في كل شيء وعوز لابسط مستلزمات الحياة.. وربما نتجه الى مجاعة لم تشهد سوريا مثيلا لها في تاريخها..
ما الحل؟
لا ادعي باني امتلك تصورا للحل.. ولكن يمكن ان اقول الحل يبدأ من السياسة.. في ايجاد تشكيل جديد يقود سوريا ويكون مقبولا من معظم الاطراف الاقليمية والدولية.. ليس مهما اذا كان هذا التشكيل يضم افراد من النظام الحالي او شخصيات من المعارضة المبعثرة هنا وهناك او لا يضم..
المهم ان يكون هذا التشكيل مدعوم دوليا وعليه توافق.. يمكن معه ان نعيد فتح الابواب وتذليل العقبات التي تقف في طريقنا لنعيد دورة الاقتصاد بالسرعة الممكنة، لان هذا هو الامل الوحيد لكي نخرج من المستنقع.. علما بان خروجنا من المستنقع العميق الذي نغرق فيه يستلزم سنين طويلة وربما عقود.. وآمل ألا تكون العملية بحاجة الى اجيال كاملة..
نضال معلوف