من بينهم فيصل القاسم.. فريق تجسس أمريكي استهدف شخصيات وإعلاميين لصالح الإمارات
كشف تقرير لوكالة "رويترز" عن عمليات "تجسس" قامت بها الإمارات، بدعم من خبراء أمريكان، تستهدف شن "هجمات الكترونية" ضد شخصيات سياسية عربية منها إعلامية بارزة كفيصل القاسم وجيزيل خوري، ورئيس شبكة "الجزيرة" حمد بن ثامر آل ثاني، وذلك أثناء الأزمة الخليجية التي اندلعت عام 2017.
وبحسب التقرير، فقد عمل الخبراء الامريكان لصالح الامارات، في مشروع "ريفين" السري، وهو برنامج للمخابرات الاماراتية يستهدف شن هجوم الكتروني وعمليات تجسس بحق شخصيات اعلامية عربية ، بالاضافة لنشطاء سياسيين ومعارضين للأسرة الحاكمة بالامارات.
وفيما يلي التقرير الكامل:
كان تقرير لرويترز في كانون الثاني قد كشف عن وجود مشروع ريفين وأنشطته بما في ذلك مراقبته لناشط بريطاني والعديد من الصحفيين الأمريكيين الذين لم يتم الكشف عن أسمائهم.
ووجد الخبراء العاملون في ريفين- ومن بينهم تسعة على الأقل من العاملين السابقين بوكالة الأمن الوطني الأمريكية والجيش الأمريكي- أنفسهم في قلب نزاع خطير بين حلفاء أمريكا الخليجيين. ويبرز دور الخبراء الأمريكيين في النزاع كيف أصبح مسؤولو المخابرات الأمريكيون السابقون لاعبين رئيسيين في حروب إلكترونية لدول أخرى، دون رقابة تذكر من واشنطن.
كانت الأزمة قد اندلعت في ربيع عام 2017، عندما اتهمت الإمارات وحلفاؤها- السعودية ومصر والبحرين- قطر بنشر الاضطرابات في الشرق الأوسط من خلال دعمها لوسائل إعلام وجماعات سياسية. وطالبت الإمارات وحلفاؤها قطر باتخاذ سلسلة إجراءات، منها إغلاق شبكة تلفزيون الجزيرة- التي تمولها الدوحة- والتوقف عن تمويل وسائل إعلام أخرى، وكبح جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها بعض الحكومات العربية تهديدا لها.
وفي حزيران من العام 2017، قطعت الدول الأربع علاقاتها مع قطر وفرضت مقاطعة جوية وبحرية وبرية على البلد الصغير.
وفي الأسبوع نفسه، بدأ خبراء المشروع ريفين العمل، حيث أطلقوا عمليات لاختراق هواتف آيفون الخاصة بما لا يقل عن عشرة صحفيين ومسؤولين تنفيذيين بوسائل إعلام كانوا يعتقدون أن لهم صلات بحكومة قطر أو جماعة الإخوان المسلمين، وذلك وفق ما أظهرته وثائق للبرنامج اطلعت عليها رويترز وأربعة أشخاص من المشاركين في العمليات.
واستهدف ريفين شخصيات إعلامية عربية من أطياف سياسية مختلفة، من الإعلامية جيزيل خوري التي تقيم في بيروت إلى رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة ومنتج بقناة فضائية في لندن أسسها عضو في جماعة الإخوان المسلمين.
وقال الخبراء السابقون في مشروع ريفين إن الهدف كان العثور على أدلة تظهر أن الأسرة الحاكمة في قطر تؤثر على تغطية الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام، وكشف أي علاقة بين الشبكة التلفزيونية والإخوان المسلمين. ولم يتسن لرويترز تحديد البيانات التي حصل عليها مشروع ريفين.
ولطالما أكدت الجزيرة أنها مستقلة عن حكومة قطر،وقال جاسم بن منصور آل ثاني، الملحق الإعلامي بسفارة قطر في واشنطن ”حكومة قطر لا تطلب أو تسأل أو تفرض على الجزيرة أي أجندة أيا كانت“. وأضاف أن الجزيرة ”تُعامل مثل أي وسيلة إعلام أخرى محترمة“.
ولم ترد وزارة الشؤون الخارجية الإماراتية أو سفارتها في واشنطن على طلبات للتعليق.
وامتنعت وكالة الأمن الوطني الأمريكية عن التعليق. كما امتنعت متحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية عن التعليق.
وقالت دانا شل سميث سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى قطر إنها ترى من المقلق أن يتمكن مسؤولون سابقون بالمخابرات الأمريكية من العمل لصالح حكومة أخرى في استهداف حليف لواشنطن. وقالت إنه ينبغي للولايات المتحدة أن تعزز الإشراف على خبراء التسلل الإلكتروني الذين تدربهم بعد أن يتركوا العمل في المخابرات.
وأضافت في حديث لرويترز ”ينبغي ألا يُسمح لأشخاص يتمتعون بهذه المهارات بتقويض المصالح الأمريكية أو العمل بما يتنافى مع القيم الأمريكية سواء عن علم أو دون علم“.
وتظهر وثائق ريفين أن من بين الصحفيين العرب الذين تعرضت هواتفهم للاختراق جيزيل خوري، مقدمة برنامج ”المشهد“ الذي تعرضه قناة تلفزيون (بي.بي.سي) باللغة العربية. ويستضيف البرنامج زعماء بالشرق الأوسط لمناقشة الأحداث الجارية. وبعد ثلاثة أيام من بدء المقاطعة، اخترق خبراء ريفين هاتف آيفون الخاص بها. وتظهر وثائق برنامج ريفين أنه جرى استهدافها بسبب اتصالها بعزمي بشارة، وهو كاتب يقيم في الدوحة وينتقد الإمارات، أسس صحيفة العربي الجديد.
وقالت جيزيل خوري في مقابلة بعدما أبلغتها رويترز باختراق هاتفها ”عليهم أن يمضوا وقتهم في تحسين أحوال واقتصاد بلدهم، وليس في جعل جيزيل خوري هدفا للتسلل الإلكتروني“.
وأظهرت مقابلات ووثائق أن الأمريكيين الذين عملوا في مشروع ريفين استهدفوا في 19 يونيو حزيران 2017، فيصل القاسم مقدم برنامج الجزيرة الشهير ”الاتجاه المعاكس“.
وقال القاسم بعدما أبلغته رويترز باختراق هاتفه إنه لم يفاجأ باستهدافه من قِبل الإمارات التي يتهمها بأنها ”رمز للفساد والسياسة القذرة“.
وأضاف ”باختصار، إنهم يخافون الحقيقة“.وفي ذلك اليوم نفسه، استهدف خبراء ريفين هاتف آيفون رئيس مجلس إدارة الجزيرة حمد بن ثامر بن محمد آل ثاني. ورفض حمد التعقيب، من خلال متحدث باسم الجزيرة.
واستخدم خبراء التسلل في هجماتهم سلاحا إلكترونيا يسمى (كارما). وذكر تقرير رويترز في يناير كانون الثاني أن (كارما) سمح لهم بالتسلل إلى هواتف آيفون بمجرد إدخال رقم الهاتف أو عنوان بريد إلكتروني للشخص المستهدف في البرنامج الهجومي. وعلى خلاف برامج تصيد أخرى كثيرة، لم يكن كارما يتطلب من الهدف أن يضغط على رابط يتم إرساله إلى الآيفون، وفق ما ذكرته المصادر. وامتنعت أبل المنتجة لآيفون عن التعليق.
وسمح (كارما) لخبراء ريفين بالوصول إلى جهات الاتصال والرسائل والصور وبيانات أخرى مخزنة في أجهزة آيفون. لكنه لم يسمح لهم بمراقبة المكالمات الهاتفية.
ورغم أن خبراء ريفين اخترقوا الهواتف، إلا أنهم لم يطلعوا بشكل كامل على البيانات التي حصلوا عليها حيث كانوا يقومون بإحالتها إلى مسؤولي المخابرات الإماراتية الذين يشرفون على العملية. ولم يتضح ما الذي عثروا عليه.
وفي كانون الثاني، سأل صحفيون وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في نيويورك عن مشروع ريفين بعد نشر التقرير الأول لرويترز. وأقر قرقاش بأن بلاده لديها ”قدرة إلكترونية“ لكنه لم يتحدث بشكل خاص عن البرنامج. ونفى استهداف مواطنين أمريكيين أو دول ترتبط معها الإمارات العربية المتحدة بعلاقات طيبة.
* الحلقة الأمريكية في مساعي التجسسأنشأت الإمارات المشروع ريفين في العام 2009 بمساعدة متعاقدين ممن كانوا يعملون في المخابرات الأمريكية ومسؤولين كبار آخرين ممن عملوا في البيت الأبيض في إدارة جورج دبليو بوش. وامتنع مجلس الأمن القومي الأمريكي عن التعليق على هذا المشروع.
في البداية كان الهدف هو تضييق الخناق على الإرهاب بمساعدة الإمارات في مراقبة ذوي الأفكار المتطرفة في المنطقة.
لكن الوثائق تبين أن مهمة المشروع سرعان ما توسعت لتشمل المراقبة وقمع مجموعة من خصوم الإمارات السياسيين.
واستهدف المشروع بين ما استهدف قطر التي تتهمانها الإمارات والسعودية منذ مدة طويلة بدعم المعارضة السياسية في أنحاء المنطقة من خلال وسائل من بينها تمويل الحكومة القطرية لقناة الجزيرة.
وخلال احتجاجات الربيع العربي في 2011 اعتبرت دول خليجية التغطية الواسعة التي نفذتها قناة الجزيرة للمظاهرات محاولة متعمدة من جانب قطر لتعزيز المعارضة لحكامها.
وقالت إليزا كاتالانو أيوارز المستشارة السابقة لشؤون المنطقة بمجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما إن قناة الجزيرة ”اعتُبرت أداة لتأجيج الاضطرابات الشعبية“.
وقال الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي الذي انتخب عام 2011 بعد إطاحة انتفاضة الربيع العربي بالرئيس زين العابدين بن علي إن تغطية قناة الجزيرة للاحتجاجات ”كان لها أثر نفسي هائل“ على المتظاهرين.
وأضاف أن التغطية كانت بمثابة رسالة للمحتجين أن ”هذه المعركة تحدث في كل مكان ولستم وحدكم“.
وقال القاسم مقدم البرامج الذي اخترق المشروع ريفين هاتفه إن قناة الجزيرة تقدم كل الآراء دونما رقابة،وأضاف ”يمكن للشارع والشعب العربي أن يقرر ما هو الصواب“.
وبدافع التوجس من نمو نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة بعد احتجاجات 2011 شنت الإمارات حملة على عشرات الإسلاميين المشتبه بهم وكثيرون منهم أدينوا بالتخطيط للإطاحة بالحكومة.
وفي 2014 أعلنت الإمارات رسميا جماعة الإخوان والجماعات المنتسبة لها محليا منظمات إرهابية.
كما استغل الإماراتيون المشروع ريفين في مسعى احتواء المعارضة في الداخل وذلك وفقا لما قاله عاملون سابقون في المشروع ولوثائقه.
وفي السنوات التي أعقبت انتفاضات الربيع العربي تزايد تكليف العاملين في مشروع ريفين باستهداف نشطاء حقوق الانسان وصحفيين ممن كانوا يشككون في الحكومة.
* استهداف الصحفيينفي حزيران 2017 وبعد أن بدأت دول خليجية مقاطعتها لقطر صعدت الإمارات جهودها للتجسس على صحفيين كانت هناك شواهد على أن لهم صلات بقطر. وفي ذلك الشهر توسعت مهمة المشروع ريفين فيما يتعلق بقطر فزاد عدد المكلفين بالعمل في تلك المهمة من اثنين متفرغين لها إلى سبعة.
وتبين وثائق المشروع أن العاملين في ريفين اخترقوا في 20 يونيو حزيران هاتف الآيفون الخاص بعبد الله العذبة رئيس تحرير صحيفة العرب أقدم الصحف القطرية.
وفي مقابلة مع رويترز قال العذبة إنه يعتقد أنه تم استهدافه ”لأنني مؤيد للربيع العربي منذ البداية“ ولأنه انتقد الإماراتيين مرارا على معارضتهم لهذه الحركة.
وتجاوز المشروع منطقة الشرق الأوسط.فقد استخدم العاملون أداة التجسس كارما في استهداف الهواتف المحمولة لشخصيات إعلامية أخرى كانت الامارات تعتقد أن قطر تدعمها بما في ذلك صحفيون بمنفذين إعلاميين عربيين يعملان انطلاقا من لندن هما التلفزيون العربي والحوار. وللشبكتين قنوات باللغة العربية لها شعبية في الشرق الأوسط.
وقال المتحدث القطري آل ثاني إن الحكومة لا تدعم التلفزيون العربي ولا قناة الحوار ولا صحيفة العرب.
ويتبع التلفزيون العربي والموقع الإلكتروني الذي يحمل الاسم نفسه شركة فضاءات ميديا المحدودة التي تتخذ من لندن مقرا لها ويملكها رجال أعمال قطريون ويدعمونها.
وقال عبد الرحمن الشيال مدير التلفزيون العربي إن هذا المنفذ الإعلامي يعتبر نفسه صوت العرب ”العلمانيين والليبراليين والمؤيدين للديمقراطية“.
وتبين وثائق المشروع ريفين أن هاتف الشيال وهاتفي اثنين آخرين من العاملين في العربي تعرضت للاختراق في الأسابيع التي تلت بداية المقاطعة.
وقال الشيال في مكالمة هاتفية ”هو اتجاه مقلق للغايةأن تستخدم دولة كل هذه الأشياء للتجسس على من ينتقدونها. أنا لست إرهابيا ولا أعمل بغسل الأموال“.
كما تم استهداف بشارة مؤسس العربي الجديد. وقال لرويترز إنه يعتبر منفذه الإعلامي ”مستقل نسبيا“ في إطار العالم العربي.
وأضاف بشارة المسيحي الفلسطيني الذي يعيش في قطر ”لا أحد يحدد لنا ما نقوله“ رغم أنه ”في بعض الأحيان قد تشعر الصحيفة بحساسية مما لا يصح أن يقال لأنك لست موجودا هناك لاستفزاز الناس الذين يمولونك“.
واستهدف المشروع ريفين قناة الحوار الفضائية في اليوم الذي بدأت فيه مقاطعة قطر. وقال عزام التميمي مؤسس قناة الحوار إنه يعتقد أن الإمارات تخشى تأييد قناته للإصلاح السياسي ونشر الديمقراطية في العالم العربي.
وعلى النقيض من الآخرين الذين استهدفهم المشروع ريفين فإن قناة الحوار لا تنفي تعاطفها مع جماعة الإخوان المسلمين التي قال التميمي إنه يؤيدها ”لأنها الضحية“.
وقال التميمي لرويترز إنه عضو قديم في الإخوان المسلمين ومن أنصار حركة حماس الفلسطينية.
وامتنع التميمي عن قول ما إذا كانت القناة تحصل على أموال من الحكومة القطرية لكنه قال إنه يقبل أي دعم بشرط ألا يكون مشروطا. وقال إن القناة تتيح المجال لمجموعة من الآراء وتشجع الحوار. لكن ثمة قيودا.
وقال هاتفيا ”أغلبية مشاهدينا مسلمون. ولن نسوق أفكارا غريبة على ثقافتنا. هذا ما يجعل لنا شعبية“.
وعمليات التجسس جاءت خلال اندلاع الأزمة الخليجية عام 2017، بعد قيام الإمارات و السعودية والبحرين ومصر بفرض حصار بري وجوي وبحري على قطر، لاتهامها بـ"دعم الارهاب"، وكان من ضمن شروط دول الحصار لحل الأزمة هو إغلاق قناة “الجزيرة” ووسائل إعلامية قالت إن قطر تدعمها، مثل قناة "الحوار" وصحيفة وتلفزيون "العربي الجديد" بسبب اتهامات بـ" نشرهم للتطرف والإرهاب".
رويترز - سيريانيوز