هكذا علمتني الحياة "1"...بقلم : Rim al atassi
نعم..هكذا علمتني الحياة،أن أحيا كل يوم بيومه أعيشه كأنه آخر يوم في حياتي،تسبقني فيه أقدامي على الطرقات تسارع الخطا إلى الضفة المقابلة من الكون لتسأل عن السكون!
علمتني الحياة ألا اجرح أحداً لأن الجرح يكبر و عندما يكبر الجرح يصبح قاتلاً،فأطفأت في قلبي نيران الحقد و الحسد،و علقت على صدري وسام المسامحة و النسيان،فجعلتني لا أخلد يوماً و أغمض عيناي قبل أن أسامح جميع من أساؤوا إلي..!
و علمتني الحياة قراءة العيون و المكنونات،فبمجرد أن أنظر إلى عيون البشر أفهم ما يعنونه ما يريدونه و ما يحبونه و يبغضونه،فبت أتعامل مع كل روح كأنها روحي أداريها بما يقتضي ضعفها،لكنني مع هذا لم أمسس يوماً جرحاً في قلوبهم،فهكذا علمتني نفسي التي وعظتها الحياة بأن التسبب بآلام الآخرين ألم لنا في النهاية..!
علمتني الحياة حب الله،فزرعت اسمه في كل درب خطوت فيه،أعجبت بخلقه جمعاء،بكل ما كون و ما كان،فبادلني سبحانه الحب فعلمني الصبر و التسامح و الكرم و الصدق،فكيف يمر يوم و لا أشكره على نعمه الثمينة التي علمتني الحياة أن لا أنساها او أسها يوماً عن ذكراها..!
و علمتني الحياة أن الوداع و الفراق لا بد آتيان،فسجنت أحزاني في ذاكرتي الحزينة،و دربت دموعي على أن تجري متى تشاء فتغسل غبار الدنيا عن عيوني،و حلفت قلبي الذي يخفق بما شاء الله بأن يعتصر حتى تسقط منه أوزار اللقاء لأنني كنت أعلم أن اللقاء مرتبط بالفراق..!
علمتني الحياة أن أكتب بما تمليه علي أحاسيسي،فبت أحلق في سماء المشاعر الخالدة الحب و المسامحة، فلم أتكبد يوماً عناء التفكير بما سأكتبه أو بما سأرويه من شعر أو نثر أو خطابة،بل كنت أسترسل كأن الكلام ينبوع ينفجر من أعماقي ليصب ما بداخلي..!
و علمتني أن "الحب" فضيلة،و أن من يربطه بنهايات أو ماديات أو أي أمور،لا يعرف الحب فلو كانت كلمة الحب مجرد حروف لما عرفتها سوى الأقلام و لو كانت أي شعور لعرفها أي إنسان،لكن كلمة الحب لا قاموس لها و لا شرح،فبت أنتظر ذلك الفارس النبيل الذي يمتطي حصانه الأبيض الجميل رغم كل ما يحكيه الناس عن معاناة الحب و استلقائه على سرير الموت..سيبقى الحب في رأي علم مما علمتني إياه الحياة..!
علمتني الحياة ألا أحتفظ بشيء لمناسبة خاصة فكما يقولون كل يوم هو مناسبة خاصة و اليوم الذي يمضي يزول إلى الأبد،تطمره أمواج البحر الهائجة كما تفعل برمالها الساخنة،فتغرق أصدافها الملونة الرائعة..!
و علمتني الحياة أن أروع ما في الصيف هو تلك النسمات الحارة التي تحمل صوت العمق من البحار البعيدة،فأحببت الغناء و الموسيقى،و أن أروع ما في الخريف تلك الأوراق الصفراء التي تجري على الأرصفة قرب مقاعد الحدائق المهجورة،و بين شواهد القبور المنثورة فذكرتني بيوم اللقاء العظيم حيث نستسلم لإله واحد كبير،فأحببت الله و ذكره،و أن أروع ما في الشتاء تساقط الأمطار الغزيرة التي نراها تجوب الشوارع لتأخذ معها ما تشاء فذكرتني في أن كل شيء قي يدنا قد يسقط دون عودة،و أن المزهرية التي تنكسر لا تعود كما كانت، فحتى لو أخفينا جرحها لا يمكننا أن نخفي الماء الذي يتسرب من شقوقها
لا يمكننا أن نكتب لأزهارها حياة طويلة بلا غذائها المقدر،فرأيت الأزهار تذبل و تموت فأحببت أن أرسمها و هي حية و هذا ما جعلني أدرك بأنني قد لا أستطيع طلب المسامحة في الوقت الذي أريد بل في الوقت الذي يمكن للجرح أن يشفى فيه،و أن أروع ما في الربيع الخضرة و الوجه الحسن، فربتني على حب الطبيعة و استشفاف الجمال من أي شيء كان،فقط لأنه من إبداع الخالق،و ذكرتني بنفسي الشجية التي تشبه تلك الفصول الأربعة محيرة سعيدة و حزينة..!
علمتني الحياة ألا أستسلم لمجرد السقوط من أحد الأدرج الغير المعبدة،فكنت كلما سقطت عاودت الصعود لكن بقفزة أكبر،و أخبرتني بأن النهر الذي أخشى المرور من فوقه ربما يكون بقعة ماء سقطت سهواً ،فحملتني ذنب التخاذل و أكتبتني عهداً بعدم رمي المسؤولية على عاتق الآخرين لمجرد الفشل الذي أحصده في النهاية،فكما يقول الأديب:(أليوت)"النجاح سلالم لا تستطيع أن ترتقيها ويداك في جيبك"!و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.