وثائق تنشر لأول مرة.. الاستقلال الذي لم يحتفل بهِ السوريون (الجزء الأول)

ندلعت الحرب العالمية الثانية، عام 1939 لم يكن كغيره من الأعوام، كرامة الدول الكبرى أو ما سميت لاحقاً بدول الحلفاء باتت على المحك، كيف لا وهذه الدول اعتادت أن تكون دولاً مُستعمِرة وليست دولاً مستعمَرة،

اندلعت الحرب العالمية الثانية، عام 1939 لم يكن كغيره من الأعوام، كرامة الدول الكبرى أو ما سميت لاحقاً بدول الحلفاء باتت على المحك، كيف لا وهذه الدول اعتادت أن تكون دولاً مُستعمِرة وليست دولاً مستعمَرة، ضربت الأكف خوفاً ورعباً وقلقاً، فرنسا التي كانت تحتل مساحات شاسعة في الشرق الأوسط وافريقيا، هي الآن قابعة تحت الاحتلال النازي، باريس لم تعد عاصمة فرنسا، وأصبح هناك شبيه للمندوب السامي الفرنسي في المستعمرات الفرنسية، ولكن هذه المرة في قلب فرنسا نفسها، وبجنسية ألمانية نازية ليست فرنسية.

فيشي .... هي العاصمة الجديدة لحلفاء النازيين، الجنرال فيليب بيتان الذي أيد النازيين الألمان، أصبح رئيساً للجمهورية الفرنسية وشكل الحكومة التي أطلق عليها حكومة فيشي، بدأت هذه الحكومة بضم المستعمرات الفرنسية إلى نفوذها، وبالطبع سوريا كانت من أهم المستعمرات الفرنسية التي عملت حكومة فيشي على ضمها لنفوذها، وهذا ما حدث ففي العام 1940 أصبحت سورية خاضعة للحكومة الفيشية بعد أن تحاربت القوات الفرنسية نفسها فوق الأراضي السورية لبسط نفوذها عليها.

شارل دوغول الجنرال الفرنسي الذي خرج من فرنسا مرغماً، وفتح مكتب لتمثيل فرنسا الحرة من عاصمة حليفته بريطانيا (لندن) لم يكن لديه خيار سوى أن يمني الشعوب القابعة تحت الاستعمار الفرنسي، بأنه سيعطيها بدعم من حلفاءه استقلالها التام فيما لو وقفت مع الفرنسيين الأحرار في حربها ضد دول المحور بزعامة هتلر النازي.

كلامٌ معسول، تلقفه الشعب في سوريا، الشعب الذي سئم الاحتلال، وسئم من التبعية، وعلى الرغم من أن هناك نسبة لا يستهان بها من السوريين وقفت مع الزعيم هتلر النازي في حربه ضد فرنسا، إلا أن ضمانات تشرشل ودوغول شجعت الساسة السوريين المتصدرين للمشهد السياسي والديني للوقوف خلف هذه الوعود، ربما (قالوا بين أنفسهم) ما ذاقته فرنسا من الاحتلال قد لقنها درساً لتعطي الشعوب المستعمرة حقها بتقرير مصيرها ....

في الثامن من حزيران سنة 1941، وخلال مدة حكومة خالد العظم، ظهر في سماء دمشق وملحقاتها عدد غير قليل من الطائرات الألمانية اتجه بعضها نحو العراق وطائرات بريطانية في القسم الجنوبي من سورية وفي فلسطين التي يحتلها الجيش البريطانين وشاع على الأثر وجود قسم من الجيش الفرنسي الديغولي مع حليفه البريطاني قادمين لاحتلال سورية ولبنان.

وبنفس التاريخ 8 حزيران 1941 حلقت طائرات في سماء العاصمة السورية وألقت مناشير من الجنرال كاترون ممثل فرنسا الحرة في الشرق، سميت هذه المناشير بعهد كاترو، وقد جاء فيها:

" أيها السوريون واللبنانيون الكرام !

في الوقت الذي تدخل فيه قوات الفرنسيين الاحرار بالاتحاد مع قوات حليفتهم الإمبراطورية البريطانية إلى بلادكم أصرح بأنني توليت سلطان ممثل فرنسا في الشرق ومسؤولياته وواجباته باسم فرنسا الحرة، فرنسا ذات التقاليد المجيدة، فرنسا الحقيقية وباسم زعيمها الجنرال دوغول .

واني قادم إليكم بهذه الصفة لانهاء عهد الانتداب، وإعلان حريتكم واستقلالكم.

وبناء على ذلك ستصحبون من الآن فصاعداً شعباً حراً ذا سيادة وستتمكنون من أن تؤلفوا لانفسكم دولاً منفردة أو أن تتوحدوا في دولة واحدة. وفي الحالتين سيكفل استقلالكم وتكفل سيادتكم بمعاهدة توضح بها العلاقات المتبادلة بيننا. وستجري المفاوضات لعقد هذه المعاهدة بينكم وبين ممثليكم وبيني في أقرب وقت ممكن. وريثما تعقد هذه المعاهدة سيكون موقف بعضنا من بعض موقف الحليف من حليفه متحدين معاً كل الاتحاد في سبيل مثل أعلى وأهداف مشتركة.

أيها السوريون واللبنانيون:

ترون هذا التصريح ان قوات فرنسا الحرة والقوات البريطانية تدخل بلادكم لا للتسلط على حريتكم بل لتأمينها، وهم يفعلون ذلك لطرد قوات هتلر من سوريا وللحيلولة دون جعل الشرق الأدنى (سوريا ولبنان) مركزاً يستعمله العدو للهجوم على البريطانيين وعلينا.

ونحن الذين نحارب في سبيل حرية الشعوب لا يمكننا أن نسمح للعدو بأن يطغى على بلادكم شيئاً فشيئاً وأن يفرض رقابته على أشخاصكم ويغتصب أموالكم ويجعل منكم عبيداً أرقاء، ولن نسمح بأن تسلم الشعوب التي وعدت فرنسا بالدفاع عنها إلى أشد المتسلطين الذين عرفهم التاريخ قسوة. ولن  نسمح بأن نسلم للعدو ما لفرنسا من مصالح قديمة في الشرق.

أيها السوريون واللبنانيون الكرام:

اذا استجبتم لندائي وانضممتم إلينا فاعلموا ان الحكومة البريطانية بالاتفاق مع فرنسا الحرة قد تعهدت بأن تبذل لكم جميع المزايا والفوائد التي تتمتع بها البلدان الحرة المرتبطة معها.

وهكذا يرفع الحصر عن بلادكم، ويتاح لكم أن تنشئوا فوراً علاقات مع البلدان الداخلة في نطاق الجنيه الإسترليني. وبذلك تفتح أمامكم أوسع الآمال في تجارة الوارد والصادر وتتمكنون من البيع والشراء بحرية مع جميع البلدان الحرة.

أيها السوريون واللبنانيون الكرام:

لقد أزفت ساعة عظمى في تاريخكم. ان فرنسا بصوت أبنائها الذين يحاربون من أجل حياتها ومن أجل حرية العالم تعلن استقلالكم.

الجنرال كاترو

في 8 حزيران 1941 "

 

02.05.2017 16:20