ضحايا الاغتصاب في ظل الحرب السورية معاناة لا تنتهي بمر السنين

لم تعد المحامية ح.ز إلى مزاولة عملها السابق في مهنة المحاماة منذ سنوات ومع تصاعد أعمال العنف والصراع المسلح في سوريا ، وتحول نشاطها إلى مجال حقوق المرأة بسبب كثرة ما تعرضت له من اعتداءات لاسيما الاعتداء الجنسي،

 لم تعد المحامية ح.ز إلى مزاولة عملها السابق في مهنة المحاماة منذ سنوات ومع تصاعد أعمال العنف والصراع المسلح في سوريا ، وتحول نشاطها إلى مجال حقوق المرأة بسبب كثرة ما تعرضت له من اعتداءات لاسيما الاعتداء الجنسي، وساعدت المحامية الشابة كثيرات ممن تعرضن للاغتصاب أو لاعتداءات بشعة جدايصب تصديقها لولا أن ضحاياها يملؤون دور الرعاية ومراكز العلاج النفسي،

 وتقول ح.ز “إن كل ما فعلته وما أفعله هو مسؤوليتي تجاه بلدي الذي مزقته الحرب وتجاه النساء اللواتي تحملن مايكفي من أعبائها”، وتضرب مثالا بسارة تلك الفتاة اليافعة التي كانت تستعد للزفاف من فارس أحلامها بفرح غامر وبهجة تملأ جنبات بيت أهلها وهي تستعد لمغادرته لبيت الزوجية الجميل، لكنها سرعان ما تبدل حالها واختفت ضحكاتها وذابت ابتسامتها إلى الأبد..


وتشرح والدة سارة أم سعيد ما حدث في ذلك المساء الأسود من ليالي حي السباع الحمصي بعدما بدأت الحملة العسكرية العنيفة والحصار على المدينة حيث اقتحمت عدد من المسلحين منزلها وعاثوا فيه فسادا ولم يرحموا البنات اللاتي ارتفعت أصواتهن بالصراخ ثم اقتادوا زوجها وابنها الوحيد سعيد.

وتضيف المرأة بنبرات كسيرة “في اليوم التالي قرع الباب بقوة ركضت كي افتحه آملا أن ألقى وراءه زوجي وابني، غير أنني وجدت ذات المجموعة ومعهم ضابطهم الذين  طلبوا رؤية سارة وسألوها عن مكان خطيبها ولما أخبرتهم أنها لا تعرف لم يصدقوها وأصروا أن تأخذهم إلى منزله الذي استأجراه لكي يسكناه بعد الزواج.

 وتقول أم سعيد “ضربوها واغتصبوها بوحشية حتى انهارت وأغمي عليها بعد أن أحرقوا منزلها حيث كانت تحلم أن تعيش مع خطيبها الذي أحبت، .. حتى الفستان الأبيض احترق .. أصبح رمادا.. وسارة تنزف دمها وتذرف دموعها..”.

اضطرت الأسرة للرحيل إلى دمشق ومنذ ذلك اليوم فإن سارة لم تعد سارة.. بل اختفى السرور عن أسرتها وبيتها وحل الحزن والانكسار وبقيت سارة حبيسة الجدران لم تخرج من المنزل، إلى أن عرفت المحامية الشابة قصتها وبدأت بمساعدتها من خلال تقديم الدعم النفسي لها، كما استمر خطيبها الملاحق من قبل قوات النظام بالتواصل معها بين فترة وأخرى وتأكيده لحبه لها وتمسكه بها رغم كل ماحصل، فتحسنت حالها وتزوجت خطيبها، رغم أن غصة الألم وابتسامتها المشرقة لم تعد إلى وجهها الجميل كما كانت دوما.. 

ولا يمكن التنبؤ بالمدى الزمني الذي ستستغرقه سارة قبل أن تبرأ مما أصابها وتعود إلى حالتها التي كانت عليها، إذ يرى الأخصائيون النفسيون أن صدمة الاغتصاب تعمل على عدم التكيف النفسي والاجتماعي للمغتصبة لهذا فإن تأهيل ضحية الاغتصاب نفسيا واجتماعيا يعني مساعدتها وتمكينها من استعادة تكيفها من جديد إلى أن تحقق التكيف السوي مع ذاتها وأسرتها ومجتمعها.


 وتؤكد الطبيبة رضوى فرغلي في حديث لها مع إذاعة مونت كارلو الدولية على أهمية التركيز على الجسد بشكل إيجابي كممارسة الرياضة التي قد تساعد المرأة المعنفة على التخفيف من وطأة التأثير السلبي الواقع عليها من عنف أو اعتداء مجتمعي، كما أكدت على أهمية دور المحيطين بها في مساعدتها على تجاوز ما مرت به من عنف ومساندتها نفسيا ومعنويا من قبل العائلة والأصدقاء وتفهم وضعها، وضرورة المعالجة النفسية للتخلص من الآثار الجانبية التي تخلفها الحادثة وبالتالي مساعدتها على استعادة حياتها الطبيعية شيئا فشيئا.
  وقد تمتد مرحلة الشفاء إلى 6 سنوات، تستمر خلالها حالة العصبية والاكتئاب واسترجاع الحدث واضطراب العواطف والأحلام المخيفة والرغبة في الانعزال عن المحيط والمجتمع.

ومع استمرار الحرب الدائرة في سوريا، لايزال الاغتصاب سلاحا قذرا فيها في ظل غياب لأرقام دقيقة أو تقديرات لحجم العنف الجنسي سواء داخل سوريا أو في دول الجوار كلبنان والأردن التي لجأ إليها مئات الآلاف من السوريين.

ويتطلب الحد من حجم الاعتداءات أو منع حدوثها جهدا شاقا خصوصا في ظل الأزمات والحروب، مما يستلزم التصدي للسلوكيات الراسخة في صميم المجتمعات، فضلا عن توفير الدعم النفسي والطبي والمشورة القانونية للضحايا، وفي ظل غياب مثل ذلك الجهد فإن ما تفعله المحامية ح.ز يصبح بالغ الأهمية، وقد يعود بعضا من السرور المفقود إلى وجوه أمثال سارة.

  مجد ريشاني

23.04.2016 10:55